مع اللحظة الأولى لتسرب انباء عن حوار بين ادم بولر كمبعوث خاص للرئيس الأمريكى رونالد ترامب لشئون الرهائن، مع قادة حماس فى العاصمة القطرية الدوحة ، وتصريحاته الايجابية عن الحوار والقيادات التى شاركت فيه ، كنت على يقين أن الأمر لن يمر بسهولة ، فى انتظار حملة وهجوم عليه من اللوبى الصهيونى فى أمريكا، وانها فى النهاية ستنجح بعد اشارة البدء من إسرائيل، حيث اثمرت بشكل سريع ، بعد قرار سحب ترشيحه للمنصب ، ونجحت فى تقليص نفوذه ، بعد تعيينه فى منصبه فى الرابع من ديسمبر الماضى برتبة سفير، فالرجل ارتكب من وجهة نظر اللوبى جريمة لاتغتفر ، واتوقع ان تتم الإطاحة به قريبا، بعد ان تهدأ العاصفة، رغم علاقاته الوثيقة مع الرئيس شخصيا وثقته فيه، ودوره مع صهر ترامب جاريد كوشنر، صديقه فى مراحل التعليم فى إدارة ترامب الأولي، فى احراز تطبيع العلاقات الإسرائيلية مع عدد من الدول العربية . ما حدث هو استنساخ لنماذج عديدة، رصدها السياسى الأمريكى بول فندلى فى كتابه الهام، ( من يجرؤ على الكلام )، والذى صدر عام 1985 ، حيث بذل جهدا كبيرا فى فضح دور اللوبى الصهيونى فى واشنطن، من خلال أمثلة محددة، تتعلق ببعض المنظمات ومنها( ايباك ) اللجنة الأمريكية الإسرائيلية للشئون العامة، بالإضافة الى شهادات لعدد من الشخصيات، وتعرض بعدها لحرب شعواء، حتى خسر مقعده ،حيث مثل ولاية الينوى فى الكونغرس الأمريكى لمدة 22 عاما، فقط لانه دعا الى الاستماع الى وجهة النظر الاخرى الفلسطينية.وعودة الى حوار بولر - حماس ،فهناك تباين فى مدى معرفة إسرائيل بما جري، تيار يتحدث عن أن إدارة ترامب ابلغت تل ابيب فى بداية شهر فبراير الماضى ، انها تفكر فى مباحثات مباشرة مع حماس، إلا انها حذرت واشنطن من اتمام ذلك، ولكنها استمرت، والتيار الثانى يتحدث عن ان تل ابيب فوجئت بالأمر، والتنسيق الوحيد لبدء الحوار ، كان مع مبعوث الرئيس للشرق الأوسط ستيف ويتكوف ، ومهما كان الأمر، من الصعب تصور، أن ادم بولر قام بمثل هذه الخطوة، دون موافقة مباشرةً وشخصية من ترامب ،فالأمر يتعلق بحوار مع منظمة تتعامل معها واشنطن على انها إرهابية منذ عام 1997 ، ولكن خطيئة بولر ، أن تصريحاته خارج النص، من منظور الدولة العميقة فى واشنطن، وغير مقبولة من اللوبى الصهيونى ،فلم نسمع من مسئول بهذا المستوي، طوال تاريخ الصراع العربى الإسرائيلى تصريحات إشادة بحماس، من نوعية ( هم ليسوا شياطين تخرج قرون من روؤسهم، انهم رجال مثلنا، انهم أشخاص طيبون وتابع بولر، ووصلت به الشجاعة انه قال المسكوت عنه ان ( أمريكا ليست عملية لإسرائيل وتتحرك وفق مصالحها ومصالح مواطنيها) ووصف مباحثاته مع ممثلى حماس بالمفيدة ، وأعرب عن أمله فى اطلاق الرهائن،وبرر الخطوة للبحث عن حل الواقعي، للافراج عن الأسرى الأمريكيين فى غزة، ومناقشة بعض الحلول، مثل هدنة مطولة تشمل تخليها عن السلاح، واليوم التالى فى غزة وإعادة الإعمار، وقال الاتفاق مع حماس ممكن غير آنه لاسقف زمنى له. جن جنون نتنياهو، ولكنه لايملك رفاهية الخلاف العلنى مع ترامب، حيث يعتمد عليه فى توفير الدعم العسكرى ،وفى استمرار ائتلافه الحاكم، وإصدار تعليماته بعدم مهاجمة ترامب أو بولر ، وكان التعليق الوحيد الذى خرج من مكتبه مقتضبا، وكشف عن انها أعربت فى المحادثات مع أمريكا عن رأيها بشأن اجراء محادثات مع حماس، والذى يتضمن -كما نشر بعد ذلك- ان خطوة فتح الحوار مع حماس فى هذا التوقيت، قد تتسبب فى إضعاف موقفها التفاوضي، وانه يقدم لحماس عروضا هى من ستدفع ثمنها فى المستقبل، ولكن نتنياهو قرر التحرك على أكثر من مستوي، ومنها استخدام اللوبى الصهيونى ،واستنفار انصار إسرائيل فى واشنطن ، حيث ابدى عدد من اعضاء فى الكونجرس من الجمهوريين رفضهم لمثل هذه الخطوة، وابلاغ البيت الابيض بذلك ، وطلبوا إقالته من الإدارة بشكل كامل، وبدأت سلسلة تراجعات، منها من بولر نفسه ،الذى قال( إن كلامه عن انهم اناس طيبون فهم بشكلٍ خاطئ) ودخل وزير الخارجية ماركو روبيو على الخط، محاولا التقليل مما تم ، وقال إنه (تمت لمرة واحدة ولم تؤتى ثمارها) وكان الحل الوسط الذى يحفظ ماء وجه الإدارة ويرضى تل ابيب، هو سحب ترشيحه، وإن كان سيواصل عمله مع الرئيس كموظف حكومي، مما يعكس حجم الضغوط الخارجية، والخلافات داخل دوائر القرار فى واشنطن، وتم ابلاغ تل ابيب بان بولر لن يتولى التعامل مع ملف أسرى حماس، وإن كان سيستمر فى ذات المهمة فى مناطق اخري. ماجرى يكشف عن مؤشرات مهمة، أولها غياب وجود استراتيجية متكاملة لإدارة ترامب للتعامل مع الملف الفلسطيني، فالحديث عن وقف اطلاق النار، وفى نفس الوقت ، السماح لإسرائيل باستئناف العدوان على غزة، والتورط فى القيام عدوان على اليمن، نيابة عن الجيش الإسرائيلي، والأهم هو قدرة اللوبى الصهيونى فى واشنطن، وعمله فى صالح إسرائيل . سيد بولر ، اظنك تعلمت الدرس ، مصالح إسرائيل مقدمة عن أمريكا ، وفى واشنطن ، لا أحد يجرؤ عن الكلام خارج النص ، إذا تعلق الأمر بتل ابيب .