اهتمت الصحف والمجلات المصرية بالحوادث منذ عقود باعتبارها مرآة المجتمع التى تشخص الأمراض الاجتماعية التى يعانى منها وطرق مواجهتها ورصدت بالكلمة والصورة أدق تفاصيل الجرائم التى كانت حديث الرأى العام فى تلك الفترة، «اخبار الحوادث» من جانبها تعيد نشر بعض الحوادث القديمة بكل تفاصيلها، واحدة منها نشرت تفاصيلها مجلة آخر ساعة أحد اصدارات اخبار اليوم بعددها الصادر برقم 2236فى 31 اغسطس عام 1977 وكانت اغرب من الخيال بعنوان: نجاة التى قتلت صديقتها بأمر الجان هربت من القانون ومن المستشفى. هل تذكرون قضية قتيلة المعادى التى ثارت فى أواخر شهر أكتوبر الماضى.. هل تذكرون المتهمة نجاة نور الدين التى قتلت صديقتها سامية.. وقررت فى أقوالها بأن الجان أمرها بقتلها وأن ما ارتكبته لم يكن إلا تنفيذًا لطلبات الحاجة التى تظهر لها من عالم الجان .. هل تذكرون الجدل العلمى والقانونى الذى صاحب هذه القضية التى كانت على كل لسان ؟ إن فصول هذه الجريمة يبدو أنها لم تنته.. فقد ظهر فصل جديد هذا الأسبوع ليخرج هذه الجريمة ونشاط القاتلة إلى دائرة الضوء مرة أخرى بعد أن كانت قد توارت هى ونشاطها خلف أسوار مستشفى الأمراض العقلية ..إنها قصة تستحق إعادة التحقيق وإعادة فحص نشاط هذه المتهمة ومن ورائها الذين يعملون فى الخفاء وبنشاط أكثر من بارع. كثير منا مازال يتذكر قتيلة المعادى التى خنقتها صديقتها أثناء زيارتها لها فى أواخر شهر أكتوبر من العام الماضى.. أغلبنا يتذكر هذه القضية لغرابتها وما أثارته من أقاويل فى ذلك الوقت ..والمتابع لهذه الجريمة يستطيع أن يتذكر بأن القاتلة نجاة نور الدين كانت قد توجهت إلى قسم شرطة المعادى؛ لتقديم بلاغ غريب تدعى فيه بأنها تلقت أمرًا من الجان بالتخلص من صديقتها سامية لرغبة الجان فى اصطحاب جثة الصديقة إلى العالم الآخر.. وفى هذا البلاغ قررت القاتلة بأنها خنقت صديقتها ولكن الجثة مازالت فى المنزل وأن الجان كذب عليها ولم يأخذ الجثة! كان هذا بلاغ غريب حقا ولما انتقل رجال الشرطة إلى شقة المبلغة اكتشفوا فعلا وجود الجثة وقد أصيبت بحالة تعفن.. وفى التحقيق أعادت القاتلة نجاة نور الدين أقوالها وأصرت على ظهور جان لها يدعى «الحاجة» على هيئة سيدة متوسطة العمر ترتدى الملابس البلدية حيث تجالسها وتسمع كلامها وتنفذ أوامرها دون مناقشتها.. وكاد رجال الشرطة أن يحكموا بخبل المبلغة القاتلة واضطراب قواها العقيلة منذ أول وهلة ولكن فوجئوا بالشهود من الأهل والجيران يؤكدون صحة ما تدعيه القاتلة.. بل الأكثر من ذلك أن والد القتيلة تقدم فعلا ليؤكد هذا الكلام الغريب! وبعد أن أتممت أقوالها بالنسبة لهذه الجريمة.. جلست نجاة فى هدوء تحكى بأن الحاجة الجان ترسل لها سيارة فاخرة لتصحبها إلى شقة فى الزمالك يستأجرها بعض الشرقيين.. وفى الشقة تقيم مع هؤلاء الشرقيين ابنتها.. جان مثلها تماما!! وشهد الشهود مرة أخرى بصحة هذه الواقعة وأن هناك سيارة فاخرة تأتى إلى نجاة لتصحبها إلى شقة الزمالك.. وأكثر من هذا فقد أكد هذا الكلام زوجها الذى يعمل ملاحظا بأحد المصانع وشقيقها الذى يعمل مهندسًا فى نفس المصنع..وفى جلسة أخرى قررت القاتلة نجاة بأنها تعانى من حياتها الزوجية.. بسبب عدم إنجابها أطفال لسبب لا تعرفه وان زوجها دائم الشجار معها! وأمام كل هذه الأقوال الغريبة رأت نيابة جنوبالقاهرة التى كانت تتولى التحقيق معها إحالتها إلى مستشفى الأمراض العقلية للكشف على قواها العقلية ومعرفة مسئوليتها عن تصرفاتها وحقيقة ما تدعيه من اقوال ووقائع غريبة ..وتم إيداع المتهمة نجاة نور الدين بمستشفى الأمراض العقلية تحت الملاحظة الطبية ..وهناك مكثت أكثر من شهرين تحت الملاحظة حيث تأكدت اللجنة الطبية المكلفة بملاحظتها من اضطراب عقلها واعدت بالفعل تقريرًا مفصلا عن حالتها وأرسلته إلى نيابة جنوبالقاهرة.. وفى التقرير قررت اللجنة؛ بأن نجاة تتوهم وتتصور بعض الاشياء غير الحقيقية وتعتقد أنها خلاف الواقع حقيقة وعلى ضوء هذه الحقيقة المزيفة تصدر منها بعض التصرفات التى تعتبر غير مسئولة عنها لخضوعها تحت هذا التأثير المزيف.. وانتهى هذا التقرير بأن حالة نجاة تعتبر مرضًا عقليًا لا يستوجب العقاب. وتسلمت نيابة جنوبالقاهرة هذا التقرير الطبى وعرضته على رئيس النيابة الذى أمر بالتالى بحفظ القضية لعدم وجود وجه لإقامة الدعوى الجنائية لامتناع العقاب.. وكان هذا الأمر بتاريخ 13 يناير على وجه التحديد، وفى يوم 22 من نفس الشهر صدر قرار بإيداع نجاة فى مستشفى الأمراض العقلية كنزيله به لعلاجها على أمل الشفاء. ودخلت نجاة عنبر 27 لتقيم بداخله مع النزيلات لتتلقى معهن علاجا لحالتها..، واعتقد الجميع بأن إيداع نجاة عنبر 27 بمستشفى الأمراض العقلية هو نهاية لهذه الجريمة وما أثير حولها من أقاويل ولكن يبدو أن هناك تخطيطًا آخر وخطة مدبرة المقصود منها إنقاذ نجاة وإخراجها من مستشفى الأمراض العقلية لتعيش مرة أخرى وسط المجتمع وكأنها لم تفعل شيئًا ..بدأت هذه الخطة منذ أكثر من شهر عندما تقدم زوج نجاة يطلب إلى إدارة المستشفى التصريح له باستلام زوجته المتهمة نجاة لإيداعها أحد المستشفيات الخاصة لقرب موعد ولادتها حتى تكون تحت إشرافه هو وأقاربها ولكن إدارة مستشفى الأمراض العقلية رفضت هذا الطلب لتعارضه مع لائحة المستشفى ونظام العمل به.. وباءت محاولات الزوج بالفشل وخرج ليبحث عن محاولة جديدة .. وبعدها بأيام دخلت التمورجية المكلفة بخدمة وحراسة عنبر 27 الذى تقيم نجاة فيه مكتب إدارة المستشفى لتبلغ بهروب نجاة وعدم العثور عليها فى المستشفى.. وتم تفتيش أرجاء المستشفى للعثور على نجاة ولكن تبين أن لا أثر لها ..واضطرت إدارة المستشفى إلى إبلاغ الجهات المختصة ومنها مصلحة الأمن العام شعبة البحث الجنائى وقسم شرطة مدينة نصر.. ونشطت كل اجهزة البحث عن نجاة سواء فى بيتها أو بيت زوجها أو شقيقها أو منازل أهلها والجيران والاقارب دون جدوى..اختفت نجاة وكأن الأرض قد ابتلعتها! وبدأت أجهزة البحث الجنائي فى استعادة كلام نجاة وأن هناك شقة فاخرة فى الزمالك بها بعض الشرقيين تتردد عليها وأن هناك سيارة فاخرة تصحبها إلى هناك وأن أحدهما ذهب أثناء حجزها وترك 500 جنيه للإنفاق عليها أثناء تواجدها محتجزة رهن التحقيق.. وأن هناك علامات استفهام كثيرة حول نجاة ونشاطها المشبوه وادعاءاتها الغريبة.. وأثناء كل هذا كان الدكتور أحمد كمال مدير عام مستشفى الأمراض العقلية بالعباسية يعكف على دراسة لحالة نجاة ودراسة ملف أوراقها المودع بالمستشفى وسؤال الأطباء الذين تولوا الاشراف على علاجها.. حيث أنه يؤكد بأن نجاة تعانى من مرض فصام ومن أعراضه الإصابة بهلاوس سمعية وبصرية واضطراب فى التفكير..وبالرغم من الإصابة بهذا المرض وان المريض به يكون عادة متمتعا بذكاء حاد وكامل لدرجة أن هناك مرضى لا تظهر عليهم أعراضه ويقوم بعمليات تتطلب جهدًا ذهنيًا كبيرًا وذكاءً خارقًا .. ومن خطورة هذا المرض أن المصابين به قد يسمعون نداءً بالقيام بأية اعمال خطيرة فينفذون ماسمعوه فورا وبلا تردد. ويؤكد الدكتور أحمد كمال بأن الأشخاص المصابين بهذا المرض فى إمكانهم رسم خطط لهروبهم وقد ينجح بعضهم فى تنفيذ خطة الهروب وهذا ما فعلته نجاة، فقد رسمت خطة لهروبها بذكاء ونفذتها فى هدوء وتمت بنجاح. ورغم الاقتناع بالرأى العلمى الذى أبداه الدكتور أحمد كمال؛ فإن تصرفات نجاة فى الآونة الأخيرة السابقة على هروبها كانت تتسم بالعقل الرزين حتى تنجح فى إقناع المسئولين فى المستشفى بأنها شفيت من مرضها وأصبحت عادية..وهذا ما جعل المسئولون فعلا يطمئنون إلى تصرفاتها ويتركونها على حريتها الكاملة فى المستشفى.. وعندما اطمأنت نجاة أنه لا توجد عيون تتعقبها ولا مسئولون يحصون تحركاتها وتصرفاتها هربت فى هدوء .. ولكن هروبها لابد أن يكون له عامل مساعد خارجى.. أى لابد أن تكون خطة هروبها مرسومة من الداخل بواسطتها أو بمعاونة بعض العاملين بالمستشفى ومرسومة أيضا من الخارج بأن انتظرها أحدهم فى ساعة متفق عليها واخرجها واختفى.. وهذا يخالف حالات هروب المرضى الذين تكلم عنهم مدير المستشفى والتى تتم من طرف واحد هو المريض، ويؤكد بأن هروب نجاة تم بتخطيط وضعته هى وبعض من لهم مصلحة فى خروجها وأن هذا الهروب أعدت خطته بعد أن فشلت محاولة الزوج فى اخراج زوجته بحجة قرب ولادتها ودليل آخر على العثور عليها رغم الجهود الكبيرة التى يبذلها رجال البحث الجنائي. إن هروب نجاة فى هذه الظروف وبهذه الوسيلة له اكثر من مدلول..وأكثر من دافع.. وأكثر من سبب وسلطات التحقيق لابد لها أن تعيد هذه القضية إلى التحقيق تعيد النظر فى أوراقها ولا تقف ابدا أمام تأشيرة لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية على نجاة لعدم مسئوليتها.. فنشاطها وتخطيطها وتصرفاتها تنفى بشدة هذه التأشيرة التى تعفى من العقاب ومن المسئولية ومن المساءلة؟! اقرأ أيضا: حوادث زمان| يطلق زوجته للحصول على رهان 10 جنيهات