في مساء يوم 14 رمضان 922 ه (الموافق 19 أكتوبر 1516م)، تولى الأشرف أبو النصر طومان باي حكم مصر، ليكون آخر سلاطين المماليك الشراكسة الذين حكموا البلاد لقرون طويلة. جاء إلى الحكم في واحدة من أكثر الفترات اضطرابًا في تاريخ مصر، حيث كانت القوات العثمانية بقيادة السلطان سليم الأول قد بدأت زحفها نحو مصر بعد انتصارها الساحق في معركة مرج دابق، والتي أسفرت عن مقتل عمه السلطان قانصوه الغوري. اقرأ أيضا| في ذكرى شنق «طومان باى».. تعرف على حكاية سقوط دولة المماليك لم يكن طومان باي يسعى للسلطة، لكنه قبلها تحت إلحاح الأمراء والشيخ أبو السعود الجارحي، حيث أدرك أن مصير مصر على المحك، فقرر مواجهة الزحف العثماني بكل ما يملك من قوة، لكن رغم شجاعته الفريدة، ومقاومته البطولية، تسببت الخيانة الداخلية في سقوط مصر تحت الحكم العثماني، وكتب بذلك آخر فصل من تاريخ دولة المماليك. في هذا التقرير، نستعرض قصة حكم طومان باي، معاركه ضد العثمانيين، وكيف انتهت دولته بإعدامه في مشهد مهيب عند باب زويلة، والذي ظل محفورًا في ذاكرة المصريين لعقود طويلة. صعود طومان باي إلى الحكم وسط نيران الصراع خيانة مرج دابق واغتيال قانصوه الغوري في عام 1516م، خاض السلطان قانصوه الغوري معركته الحاسمة ضد العثمانيين في مرج دابق، لكنها انتهت بهزيمة ساحقة بعد خيانة بعض قادته وانضمامهم لسليم الأول. كانت هذه المعركة البداية الفعلية لانهيار المماليك، حيث قُتل الغوري في المعركة، وبدأت قوات العثمانيين تتقدم نحو الشام ثم مصر. طومان باي يرفض السلطنة ثم يقبلها بعد مقتل الغوري، اجتمع أمراء المماليك وقرروا تعيين طومان باي سلطانًا لمصر، لكنه رفض في البداية، إدراكًا منه لصعوبة الموقف. بعد إلحاح العلماء والأمراء، قبل السلطنة لكنه أدرك أنه يواجه جيشًا عثمانيًا منظمًا وقويًا، مقابل جيش مملوكي أنهكته الصراعات الداخلية. استعدادات طومان باي لمواجهة العثمانيين محاولة وقف تقدم العثمانيين قرر طومان باي شن هجوم استباقي على العثمانيين قبل أن يصلوا إلى مصر، فأرسل الأمير جان بردي الغزالي لمواجهتهم في شمال غزة، لكنه خانه وانضم لسليم الأول، مما أدى إلى انهيار دفاعات المماليك. استطاعت القوات العثمانية دخول غزة ثم التوجه إلى مصر دون مقاومة تُذكر. معركة الريدانية: آخر محاولات الدفاع عن مصر اتخذ طومان باي موقعه الدفاعي في منطقة الريدانية (حاليًا بين العباسية ومصر الجديدة)، وقرر مواجهة الجيش العثماني هناك. في 22 يناير 1517م، نشبت معركة الريدانية، وأبدى طومان باي شجاعة مذهلة، وكاد أن يقتل السلطان سليم الأول بنفسه، لكنه خسر بسبب الخيانة، وانسحب إلى بولاق لمواصلة المقاومة. المقاومة البطولية في القاهرة وخيانة النهاية المعركة داخل القاهرة بعد سقوط القاهرة في يد العثمانيين، لم يستسلم طومان باي، بل قاد حرب عصابات ضد القوات العثمانية، ونجح في إلحاق خسائر كبيرة بجيش سليم الأول. لجأ إلى الأهالي والمماليك الأوفياء، وهاجم العثمانيين في معسكراتهم، حتى كاد السلطان سليم الأول أن يُقتل تحت ضربات رجاله. الخيانة تسقط طومان باي وضع السلطان العثماني مكافأة كبيرة لمن يرشد عن مكان طومان باي، حتى خانه الشيخ حسن بن مرعي، الذي كان قد لجأ إليه طومان باي طلبًا للحماية. سُلّم طومان باي إلى العثمانيين، ليواجه مصيره المحتوم. المشهد الأخير عند باب زويلة تنفيذ حكم الإعدام في 15 أبريل 1517م، خرج طومان باي مكبلًا بالأغلال، تحيط به 400 جندي من الانكشارية، وتجمع المصريون في الشوارع يبكون سلطانهم البطل. عند باب زويلة، رأى طومان باي الحبل المعلق، فأدرك نهايته، وطلب من الناس أن يقرؤوا له الفاتحة ثلاث مرات. عندما شنقه الجلاد، انقطع الحبل مرتين، وفي المرة الثالثة فاضت روحه إلى بارئها، وسط بكاء المصريين الذين ظلوا في حداد عليه 40 يومًا. لماذا أصر العثمانيون على إعدامه؟ لم يكن إعدام طومان باي مجرد عقوبة، بل كان رسالة واضحة من العثمانيين لإخماد أي محاولة مقاومة ضدهم. أدرك سليم الأول أن شعبية طومان باي كانت خطيرة، وأنه لو بقي على قيد الحياة، فقد يقود ثورة ضد الحكم العثماني. ظل المصريون يروون قصة طومان باي جيلًا بعد جيل، وظل اسمه رمزًا للشجاعة والمقاومة ضد الاحتلال. اقرأ أيضا| عمرة «طومان باي» أخر تقاليع المصريين إرث طومان باي في الذاكرة المصرية كان طومان باي آخر سلاطين المماليك في مصر، لكنه لم يكن مجرد سلطان، بل كان رمزًا للبطولة والمقاومة في مواجهة العثمانيين. ورغم سقوط دولته، لم يسقط اسمه من ذاكرة المصريين، وظل حتى اليوم أحد أبرز الشخصيات التاريخية التي يُضرب بها المثل في الشجاعة والإخلاص للوطن. لا يزال باب زويلة شاهدًا على لحظة إعدامه، ورغم مرور أكثر من خمسة قرون على رحيله، فإن سيرته تظل حكاية نضال خالدة ضد الظلم والاحتلال.