تُعرف الأمم القوية برجالها الشجعان، مَن يقدمون أرواحهم فداءً للوطن فى كل ميادين الواجب، فالتضحية بالحياة هى أعلى درجات الانتماء، وحجر الأساس فى بناء أية دولة قوية وموحدة ووسام الخلود، الذى تحمله أسرهم بفخر واعتزاز على مدار حياتهم، للشهيد فى مصر هيبة تتوارثها الأجيال باعتباره النموذج الأعلى للقدوة، فهو الرمز والأيقونة الحقيقية التى يلتف حولها الجميع. لقد تحول يوم 9 مارس -وهو ذكرى استشهاد البطل عبد المنعم رياض رئيس أركان حرب القوات المسلحة- إلى عيد حقيقى لأسر الشهداء، تستعيد فيه مصر وشعبها سيرة الشهداء العطرة، وتجدد تكريمهم وتحتفى ببطولاتهم، يتأكدون أن أسماء الأحبة وتضحياتهم ستظل محفورة فى قلوب كل المصريين كالنقوش على جدران المعابد المصرية القديمة، تُشعل الإعجاب فى النفوس بتفردها على مر العصور. على مدار تاريخ مصر الحافل، تحتفظ سيرة شهدائنا الأبرار بسر ثبات ورسوخ الدولة المصرية فى مواجهة أخطر وأشرس التحديات، وأن ذلك الرسوخ الأسطورى نابع من عناية إلهية وشعب أصيل يتقدم الصفوف دومًا حتى فى أحلك لحظات التراجع والضعف ليصنع المستحيل ويعبر بوطنه إلى بر الأمان. لسيرة الشهداء وقع وأثر قوى فى معركة الوعى، مازال الشجعان يقاتلون من أجل حماية مصر وشعبها، فذكرى بطولاتهم تنفع مَن تلوثت أدمغتهم بالدعاية السوداء، تُحرك عقولهم، وتُغذى خلايا المناعة قبل أن تلتهمها فيروسات أهل الشر، مَن يستهدفون إضعاف مصر يبحثون عن ثغرات فى العقول والنفوس، يشوهون الإنجاز ويبثون الأكاذيب لإضعاف الثقة وقتل الأمل من أجل تمهيد الأرض أمام مخططهم التخريبى، الذى لا يخفى على أحد، ابحث دائمًا عن المستفيد من إضعاف مصر، وتأمل ما يجرى حولنا فى منطقة مشتعلة بنيران التقسيم والتشريد، وسرقة مقدرات الشعوب وقتل مستقبلهم. فى الندوة التثقيفية ال41، التى أقامتها القوات المسلحة بمناسبة ذكرى يوم الشهيد رسائل عديدة أهمها تذكير الأجيال الجديدة بتضحيات الآباء والأجداد، تلك القصص الملهمة لبطولات ربما نسيها البعض فى خضم تحديات الحياة، وأجادت إدارة الشئون المعنوية، التى نظمت الندوة فى توظيف أدوات صناعة الوعى لصنع رسائل جذابة، تتناسب مع كل شرائح المجتمع المصرى، مفادها أن مصر لن تنسى فضل أبنائها الشهداء، وأنهم مصدر قوتها ومناعتها فى مواجهة أقصى الظروف. والتحية واجبة للرئيس عبد الفتاح السيسى لحرصه الدائم على لقاء أسر الشهداء، وتكريم ذكراهم نيابة عن الدولة المصرية وجموع الشعب المصرى، وكان جليًا أن سيرة الفخر بالبطولة تبقى مصدر إلهام فى نفوس الأبناء، والدليل أن ابن الشهيد قرر استكمال مسيرة والده فى حماية مصر بالانضمام إلى صفوف القوات المسلحة والشرطة، وربما كانت من أروع فقرات الندوة رواية أبناء الشهداء لقصة تضحية آبائهم وتمسكهم باستكمال الطريق، تلك الأرواح الملهمة التى تحمل جينات البطولة وشفرة أصالة الشعب المصرى، التى تتوارثها الأجيال. وقدم الرئيس التحية للشعب المصرى على وعيه واصطفافه حول القيادة السياسية فى ظل المخاطر، وأيضًا لصمود الشعب الفلسطينى على أرضه، وأكد دعم مصر لهم فى معركة البقاء والمصير. وجدير بالإشادة أيضًا احتفاء الندوة التثقيفية بشهداء (الجيش الأبيض) أطباء مصر، الذين فقدوا أرواحهم خلال جائحة كورونا، فى رسالة واضحة أن مصر لا تنسى شهداءها فى كل ميادين العمل الوطنى. لا تخف على أمة أقامت جنازة عسكرية مهيبة لرفات جندى ضحى بحياته على أرض سيناء قبل 57 عامًا، تلك التقاليد العسكرية الراسخة لأقدم قوات عسكرية عرفها التاريخ، صاحبة البطولات التى حمت وصانت أقدم شعوب الأرض، لا تخف على أمة تعتز بشهدائها، وتحتضن أسرهم، وتضرب النموذج والمثل فى التمسك بالأرض ووحدة الشعب. ربح الشهيد بقاء وطنه قويًا شامخًا، تعيش أسرته فى أمان وهى تحمل على صدرها وسام بطولته الخالدة، قدم حياته لوطنه دون مقابل دنيوى، ولكنه حى يرزق فى الفردوس الأعلى، ضحى بروحه وفاز الوطن، لتظل ذكراه أبدية طالما بقيت مصر.