فى ظل التحولات الاقتصادية العالمية الكبرى، والتنافس الشديد بين الدول على جذب الاستثمارات الأجنبية وتعزيز قدراتها الإنتاجية والصناعية، تظهر الحاجة فى مصر إلى نقلة استراتيجية جريئة تضع الاقتصاد الوطنى فى مصاف الاقتصادات الأسرع نموًا والأكثر تنافسية، إن مشروع إنشاء مدن صناعية متخصصة ومناطق صناعية متكاملة يمثل رؤية استراتيجية طموحة، تستهدف بالدرجة الأولى خلق مسار تنموى جديد وواعد للاقتصاد المصري. لقد طُرحت فكرة إنشاء المدن الصناعية المتخصصة والمناطق الصناعية الدولية بشكل واضح وأكثر تحديدًا من قِبل النائب محمد أبو العينين، الذى قدم هذه الرؤية الطموحة خلال إدارته للجلسة الأولى فى مؤتمر أخبار اليوم الاقتصادى فى نسخته الحادية عشرة فبراير الماضى والتى شارك فيها كل من الفريق كامل الوزير نائب رئيس الوزراء للتنمية الصناعية وزير الصناعة و النقل، والدكتورة رانيا المشاط وزير التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، مؤكدًا ضرورة تبنى مصر لهذا المشروع كاستراتيجية وطنية لتحقيق نهضة صناعية حقيقية. وكانت هذه الرؤية واحدة من التوصيات المهمة التى صدرت عن المؤتمر وتحمس لها بشدة وتفاعل مع هذا الطرح الفريق كامل الوزير واستعرض بالفعل جهود الدولة والجهات المعنية بهذا الملف. بالتأكيد الحديث عن نجاح فعلى ومستدام لمدن صناعية متخصصة كما طرحه رجل الصناعة محمد أبو العينين يتطلب وجود بيئة تشريعية متطورة وداعمة، حيث يمثل الإطار القانوني والتنظيمى حجر الزاوية لنجاح هذا النوع من المشاريع الضخمة. إن وجود قوانين خاصة بالمدن الصناعية ، مثلاً إن سن قانون خاص بالمدن والمناطق الصناعية سيضمن توفير مزايا خاصة وحوافز جاذبة للمستثمرين مثل الإعفاءات الضريبية أو الجمركية، وتوفير تسهيلات كبيرة فى تخصيص الأراضى والبنية التحتية، فضلًا عن إيجاد منظومة فعالة للحماية القانونية للاستثمارات، وضمان سرعة الفصل فى النزاعات التجارية والصناعية. تتطلب إقامة المدن الصناعية الجديدة استراتيجية دقيقة لاختيار الصناعات الملائمة التى تتوافق مع البيئة الاقتصادية المصرية ومزاياها النسبية، فمصر تمتلك بالفعل مقومات مهمة يمكن البناء عليها لتحقيق تنافسية حقيقية فى مجموعة واسعة من الصناعات من هنا تبرز أهمية التركيز على الصناعات التى تحقق أعلى قيمة مضافة، وتستغل الموارد المحلية بشكل أفضل، وتتمتع بفرص تصديرية واسعة استثماراً لموقع مصر الفريد فى قلب العالم القديم وارتباطها بمحاور التجارة والملاحة الدولية وهى ميزة نسبية مضافة يمكن البناء عليها. يمثل الظهير الساحلى الشمالي في مصر فرصة استراتيجية غير مستغلة بالشكل الأمثل حتى الآن، فإقامة مناطق صناعية متكاملة هناك ستكون بمثابة إعادة تشكيل للواقع الاقتصادى والاجتماعى لهذه المنطقة الحيوية. اقتصاديًا، ستتيح هذه المشروعات فرصًا هائلة لجذب الاستثمارات الأجنبية والوطنية، خاصة فى ظل قرب هذه المنطقة من الأسواق الأوروبية والعربية والإفريقية، كما ستوفر هذه المدن الصناعية تكاملًا لوجيستيًا مع الموانئ، مما يقلل تكاليف النقل البحرى ويسرع عمليات التصدير. إن نجاح هذه المشروعات العملاقة لا يعتمد فقط على إقامتها، بل يرتبط بشكل كبير بمدى نجاح مصر فى تسويق هذه المدن الصناعية عالميًا، فالترويج لهذه المدن دوليًا يتطلب بالضرورة أن يكون قائمًا على استراتيجية احترافية، تستهدف إبراز الميزات التنافسية للبيئة الاستثمارية المصرية. إن مشروع إنشاء مدن صناعية متخصصة فى مصر ليس مجرد رؤية تنموية تقليدية، وإنما استراتيجية قومية طموحة تتيح لمصر تحقيق نقلة نوعية كبرى فى الاقتصاد والتنمية المستدامة هذه الرؤية تتطلب توفير الإطار التشريعى الملائم، واختيارًا مدروسًا للصناعات المناسبة، بالإضافة إلى تنفيذ استراتيجية دولية قوية للتسويق والترويج، بهذه الرؤية وهذا التوجه ستكون مصر قادرة فعلًا على أن تصبح مركزًا إقليميًا وعالميًا للصناعة والاستثمار، بما ينعكس إيجابيًا على حياة المواطن المصرى ومستقبل الوطن بأكمله.