يضيء عشاق الموسيقار محمد عبد الوهاب اليوم 115 شمعة احتفالاً بذكرى يوم ميلاده المُختلف عليه، اعترف ذات مرة أنه من مواليد 13 مارس 1910 بحى باب الشعرية، بينما بطاقته الشخصية الصادرة من مصلحة الأحوال المدنية مدون بها أنه من 4 سبتمبر 1910 ولا ندرى كيف كان محبوه يحتفلون بعيد ميلاده فى 13 مارس وليس 4 سبتمبر من كل عام !!! اقرأ أيضًا| 5 نجوم يحيون ليلة تكريم الموسيقار «محمد عبد الوهاب» وما زال التاريخ الحقيقى لميلاد موسيقار الأجيال غير معلوم حتى اليوم.. وذكرت السلطانة منيرة المهدية تاريخاً يعود به لعام 1899 عندما حسبت سنه وقت أن شاركها مسرحية «كليوباترا»، ونفى عبد الوهاب هذا التاريخ تماماً.. وأصر على أن الأوراق الرسمية المُستخرجة من الدولة تؤكد أنه من مواليد 1910، لكن أديبنا ومفكرنا الكبير توفيق الحكيم كشف عن أن عبد الوهاب أكبر منه سناً عندما طلب منه ترؤس الجلسة الإجرائية لمجلس الشورى باعتباره أكبر الأعضاء سناً، فوقف يقول: «كيف هذا والزميل محمد عبد الوهاب أكبر منى سناً وهو الأحق برئاسة الجلسة لأنه من مواليد 1901» فقيل له: «بطاقته العائلية تقول إنه من مواليد 1910 يا أستاذ توفيق»، فرد قائلاً بثقة كبيرة: « هذا التاريخ غير حقيقى والأستاذ عبد الوهاب يعرف هذا جيداً»، الهمهمات التى سادت القاعة جعلت عبد الوهاب يطلب الكلمة قائلاً: «مفيش تزوير ولا حاجة .. موظف السجلات أخطأ فى أول الأمر بوضع الصفر قبل الواحد وتدارك الخطأ عندما نبهته لما هو مدون بوثيقة الميلاد فصحح الخطأ ووضع الصفر بعد الواحد»، لكن الأستاذ توفيق الحكيم أصر على المعلومة التى لديه !! اقرأ أيضًا| ذكرى وفاة محمد عبد الوهاب.. موسيقار الأجيال أيقونه فنيه تُدرس وما دمنا نحتفل بالعيد ال 115 لميلاد موسيقار الأجيال فى يوم رمضانى، فلنذهب مباشرة لشهر رمضان الكريم فى حياة محمد عبد الوهاب الذى قضى طفولته وصباه فى حى باب الشعرية الشعبى .. وكان يتردد على جامع « الشعرانى» المسئول عنه والده، فحفظ فيه القرآن الكريم وهو فى سن صغيرة .. وعندما اشتد عوده كان يصعد إلى المئذنة ليؤذن بصوته القوى الرخيم لصلاة الفجر، والإذاعة تحتفظ بتسجيل يقرأ فيه آيات من القرآن، وتحدث كثيراً موسيقار الأجيال للصحف والمجلات عن مظاهر شهر رمضان الشعبية والروحية التى عاشها وارتبط بها فى حى باب الشعرية، وكلها كانت مُحببة لنفسه، وكان مثل كل أطفال وصبايا الحى يخرج بفانوسه أبو شمعة ليطوف مع أقرانه على المحلات والبيوت وهم يقولون: « وحوى يا وحوى.. ادونا العادة «، وللصيام مكانة راسخة فى نفس موسيقار الأجيال منذ الصغر، ومعروف عنه أنه محب للطعام .. ووصفه الموسيقار محمد القصبجى بأنه «دباغ» أى أنه أكول ويلتهم دجاجتين قبل تسجيل الأغنية، وقال القصبجى: إنه فنان فى التهام الطعام وتذوقه ! وللموسيقار محمد عبد الوهاب واقعة طريفة وصعبة فى ذات الوقت حدثت له فى شهر الصيام عندما سافر لباريس وقد رواها فى مقال كتبه لمجلة « الكواكب « قال فيه : - « فى بداياتى الفنية وقبل أن أظهر فى السينما، كنت فى باريس وقد حل شهر رمضان، وقد انتهت كل النقود التى كانت معي، كل ما أملكه عشرين فرنكاً، والجنيه فى ذلك الوقت كان يساوى نحو مائتى فرنك، أى أننى امتلك عشرة قروش .. وفين ؟ .. فى باريس ! كنت مطمئناً لأننى سأذهب فى الصباح الى البنك لأصرف الشيك الذى معى وأعمر جيبى بآلاف الفرنكات، فطلبت من موظف الاستقبال أن يوقظنى مبكراً حتى لا يفوتنى صرف الشيك، لكنه تأخر فى إيقاظى !.. اقرأ أيضًا| تريند زمان l موسيقار الأجيال فى موقف محرج هرولت الى البنك فوجدته قد أغلق أبوابه، واجهتنى أعقد مشكلة فى حياتى، وهى مشكلة المكان الذى سأتناول فيه الطعام عندما يحين وقت الإفطار، رحت أطوف بمقاهى باريس لعلى أعثر على صديق اقترض منه لحين صرف الشيك، لكنى لم أعثر على أحد أعرفه أو يعرفنى ! ذهبت الى جامع باريس الذى يقع بجانبه المطعم الشرقى المملوك لأحد المصريين، أعرفه ويعرفنى من الفترة التى كنت فيها فى معية أمير الشعراء شوقى بك، لسوء الحظ لم أجده فى المطعم ! جلست وأنا صائم أنتظر موعد الإفطار وطلبت طعاماً يملأ معدتى التى كان الجوع يعتصرها ! ظللت أتناول الطعام على مهل انتظاراً لحضور صديقى صاحب المطعم، لكنه لم يحضر، أخذت أتلكأ فى تناول الطعام لعله يحضر! العيون تتفحصنى عندما مضى أكثر من ساعة وأنا ألوك الطعام ! لم يكن من بد، ناديت على كبير الجرسونات ورويت له الحكاية وأنا أخلع ساعتى، ومعطفى ورجوته أن يكونا رهناً عنده حتى الصباح، لكن الرجل رفض قائلاً : «ثمن الطعام دُفع منذ اللحظة التى دخلت فيها المطعم»! لا أعرف من الذى دفع ! ولم أسأل لأن الرجل أخذ منى الشيك ودفع لى قيمته كاملة فكان بالنسبة لى النجدة التى أرسلها الله من السماء، وأخذنى الكرم لدفع بقشيش سخى لبقية الجرسونات . أنيس منصور يخدع محمد على كلاى فى شهر رمضان ! هناك من يؤمن بسياسة «الغاية تبرر الوسيلة»، وهناك من يرفضها إذا كانت غير شريفة وقائمة على الخداع والغش، فهل أخطأ الكاتب الكبير أنيس منصور عندما كذب على الملاكم العالمى محمد على كلاى فى يوم رمضانى مستخدماً سياسة «الغاية تبرر الوسيلة»؟، لنرى معاً ما كتبه أنيس منصور حول هذه الواقعة التى أُجبر فيها على اختراع كذبة بريئة يجبر بها الملاكم العالمى الذى صام عن إجراء أى حواراتٍ صحفية أو إذاعية أو تليفزيونية أثناء زيارته للقاهرة وهو فى عز شهرته ونجوميته، فلنذهب مباشرة للحكاية التى رواها أنيس منصور فى كتابه «الكبار يضحكون أيضًا» الذى قال فيه : - «من أصعب المهام التليفزيونية التى فاجأنى بها وزير الإعلام الدكتور عبدالقادر حاتم، عندما قال لى : محمد على كلاى موجود فى مصر، ونازل فى فندق «هيلتون» عاوزك تجرى حوارًا للتليفزيون معه، وكنت وقتها لا أعرف شيئًا فى الرياضة ولا الفرق بين الملاكمة والمصارعة، وإذا عرفت فما الذى أقوله لملك ملوك الملاكمة فى الدنيا؟ سبقتنى الكاميرا فى جناح محمد على كلاي، سألت عنه، وكنا فى نهار صيام شهر رمضان، فقالوا: إنه يسلى صيامه بركوب الخيل عند الهرم، انتظرت عودته، وعندما جاء كان مرهقاً جداً وجاء، وألقى بنفسه على السرير، وراحوا يخلعون ملابسه لنرى جسمًا بديعًا متناسقًا، ثم قاموا بتدليكه وتدليله، وبعد نصف الساعة، اقتربت منه وعرضت عليه فكرة الحوار التليفزيونى فرفضها فورًا، طبعًا هو اعتاد على الكاميرات ولكن بفلوس، حاولت ورفض، ولم أجد إلا طلبًا متواضعًا، فقلت له: «أوكى.. قف أمام الكاميرا وأكشف ذراعك لتظهر عضلاتك!!». ويستطرد أنيس قائلاً: «وكأنى كفرت، فالملاكم ليست له عضلات وإلا كانت تعوق مرونته وخفة حركته، فابتعد وقال غاضبًا، ومعه حق: «أنت فاكرنى شيال؟!». ويقول أنيس: «انتهى الأمر بلا حديث أو تصوير! وفشلت فى مهمتى تمامًا»، وتجلت فى ذهنى حيلة فاقتربت منه وقلت له: «اسمع يا محمد.. أنت فنان عظيم ولا يستطيع أحد أن يُرغمك على شىء.. ولكن عندنا مشكلة فأنت فخر للمسلمين وقد جاء كل ملوك وأمراء الأمة الإسلامية يتقدمهم الرئيس عبد الناصر وهم الآن فى انتظارك فى الاستديو وأنت حر، ويجب أن تتصور حجم الصدمة والإهانة التى تسببها لهؤلاء العظماء من ممثلى الأمة الإسلامية التى عددها ألف مليون حول الأرض». ويستطرد أنيس قائلاً: «وافق محمد على كلاى وذهب إلى التليفزيون، وحشدنا له أكبر عدد من الموظفين والسعاة يجلسون فى الظلام، وهو وحده الجالس فى النور يسمعهم ولا يراهم، وحدثت مشكلة خطيرة عندما أراد أن يذهب إلى دورة المياه، وللصدمة كانت جميع دورات المياه مغلقة، إلا دورة مياه فى مكتب رئيس التليفزيون المرحوم محمد أمين حماد، لكنه لم يحضر فى ذلك اليوم ودورة مياه مكتبه مغلقة»!! الموقف كان فى غاية الإحراج لمحمد على كلاى كما يقول أنيس منصور الذى تغلب على هذه الأزمة بكذبة أخرى عندما قال له بسرعة: «اسمع يا محمد أنا نسيت أن أقول لك.. إن هناك حديثًا نبويًا شريفًا يقول: إن المسلم لا يدخل دورة المياه إلا بعد الإفطار» !! «فليسامحنى الله على هذه الكذبة، دخل «كلاى» الاستديو وصفق له الجمهور الذى لا يراه.. ودار حوار ضاحك بديع، وبسرعة انطلق محمد على كلاى من التليفزيون، راح يجرى إلى «الهيلتون».. إلى دورة المياه.. وعرفت فيما بعد أنه لم ينتظر المصعد، وظل يقفز على السلالم حتى الدور الحادى عشر» !! أنيس منصور كتاب «الكبار يضحكون أيضًا» محمد عبد الوهاب «الكواكب» -27 فبراير 1962 «أم النجوم» بين الصلاة والصوم فى شهر البركة عُرف عن الفنانة القديرة فردوس محمد « أم النجوم والنجمات « شدة تدينها والتزامها الذى كان يفرض عليها الاعتذار عن تصوير مشاهدها فى أى عمل سينمائى أثناء الصيام .. وكانت تشترط على المنتجين والمخرجين أن يتم التصوير بعد الإفطار وبعد أن تؤدى الصلاة . وكان لديها استعداد لمواصلة التصوير قبل السحور بساعة حتى تعود لبيتها وتتسحر مع أسرتها، وكانت شركات الإنتاج على دراية كاملة بارتباطها الروحى بشهر رمضان الذى كانت تواظب خلاله على الصيام والتعبد وختم القرآن الكريم. وتقول سيدة الغناء أم كلثوم التى كانت قريبة منها: إن فردوس محمد لم تكن تلتزم بتعليمات الأطباء الذين يطالبونها بأن تفطر عندما تصيبها وعكة مرضية أثناء الصيام، حتى إنها أبلغت الأطباء أثناء مرضها الأخير برغبتها بنزع الأجهزة الطبية لتتمكن من الوضوء وتأدية الصلاة . وعندما رقدت فى مرضها الأخير سعت أم كلثوم فى مكالمة هاتفية مع الرئيس جمال عبد الناصر ليتم علاجها فى الخارج على نفقة الدولة، فأصدر الرئيس قراراً بعلاجها على نفقة الدولة فى نفس اليوم، وسافرت لتلقى العلاج فى سويسرا، وأنهت السفارة المصرية هناك كافة الإجراءات لتدخل المستشفى فور وصولها، وكانت فاتن حمامة وشادية وصباح وماجدة وهند رستم ونادية لطفى يتبادلن رعايتها قبل سفرها للخارج، ورافقتها فاتن فى رحلة العلاج بسويسرا ولم تخبرها بالمرض اللعين الذى استشرى فى جسدها، كانت ترفع من معنوياتها لتقاوم وتخفف عنها آلامها، وفاضت روحها بسويسرا فى 22 سبتمبر1961، وجاء الخبر للقاهرة ليعم الحزن داخل الوسط الفنى والصحفى وكان فى استقبال جثمانها بالمطار: العندليب الأسمرعبد الحليم حافظ الذى بكاها وهو يقول : « اليوم فقط ماتت أمى فردوس محمد «، وأخذ يجهش فى البكاء ومعه شادية وزينب صدقى ويحيى شاهين وشكرى سرحان ورشدى أباظة ومحمود المليجى وفريد شوقي، ونالت فردوس محمد لقب « أم السينما المصرية «، وهى من مواليد 13 يوليو 1906 بحى المغربلين بالقاهرة، وتولى تربيتها وهى صغيرة الشيخ على يوسف مؤسس جريدة « المؤيد « بعد وفاة والديها وألحقها بمدرسة إنجليزية بحى الحلمية . «المسحراتى» ينادى على القدس الحبيبة وضع شاعرنا فؤاد حداد بحسه الوطنى والإنسانى أنضج وأروع ما نطق به « المسحراتى « الذى تقمص شخصيته الشيخ سيد مكاوى فى ليالى رمضان المباركة لتسحير الناس إذاعياً وتليفزيونياً، ونتخير من روائع فؤاد حداد اللوحة الى رسمها بمداد الوجع عن « القدس» الحبيبة التى يدنسها الصهاينة، ويحرموا سكانها من الصلاة بالمسجد الأقصى، ويقول فيها : - « اصحى يا نايم وحد الدايم.. وقول نويت.. بكرة إن حييت..الشهر صايم.. والفجر قايم.. اصحى يا نايم .. وحد الرزاق.. رمضان كريم.. مسحراتى يا مؤمنين.. منقراتى مد الأنين.. الله على رعشة الحنين.. عمره ما كان الأمل ضنين.. يا قدس يا نوارة السنين.. كأن عينى فى ميتمى.. يا قدس ما يحتمل دمى.. إلا أشوفك وارتمى.. وأبوس ترابك المريمى.. أبويا وابنى على فمى.. ما أتوهش يا قدس فى المطال.. يا عاصرة مهجة الرجال.. سقاك من دمعته الهلال.. يا قدس يا سبحة الشقا.. الأعمى فى سجدتك رأى.. والفجر من صخرتك سقى.. يا قدس تتفجر الجراح.. والصبر حرب وأيوب صلاح.. يا أخت من مكة والبطاح.. قلبى انضرب للعرب وصاح.. لابد من فتح فى الصباح.. المشى طاب لى.. والدق على طبلى.. ناس كانوا قبلى.. قالوا فى الأمثال.. الرجل تدب مطرح ما تحب.. وأنا صنعتى مسحراتى فى البلد جوال.. حبيت ودبيت كما العاشق ليالى طوال.. وكل شبر وحته من بلدى.. حته من كبدى.. حته من موال.. لما تقول أجمل ما فى الدنيا.. الميه للعطشان.. يعرفوك عربى.. أما للراوى ريحة البرتقان فى مداخل يافا.. يعرفوك عربى.. لما تقول ابنى اتولد لاجئ.. يعرفوك عربى.. لما تقول يا رب.. يعرفوك عربى.. لما تباشر جهادك، ترمى أوتادك.. فى قلب دابح ولادك.. يعرفوك عربى.. اصحى يا نايم وحد الدايم.. السعى للصوم خير من النوم.. دى ليالى سمحة.. دى نجومها سبحة.. اصحى يا نايم.. يا نايم اصحى.. وحد الرزاق.. رمضان كريم « فؤاد حداد «رمضان» والحب بقلم: أحمد بهجت جاء شهر رمضان فمرحبًا بأفضل الشهور. أُحِسُّ بأنَّ القاهرة كلها تدخل قلبى بمآذنها الألف وقبابها المزخرفة وأحيائها وحواريها القديمة، أحب شهر رمضان الذى تكتسى فيه بيوت المدينة شيئًا من الجلال والرقة، وفوانيس رمضان تضيء أركان الدكاكين، والأطفال يضربون البمب، وقد استيقظت الحارة التى أسكن فيها، واستيقظ معها قلبى . أُحِسُّ فى الليلة الأولى من شهر رمضان أننى أرى، من خلال النفس، كل نفوس الآخرين، أُحِسُّ نحو الكائنات كلها بالحب، وأُحِسُّ بالرفق والضعف إزاءَ قصصِ الحب الإنسانية والحيوانية والنباتية والجمادية. فى شهر رمضان أشعر بأن كل شيء فى الدنيا يقوم على الحب، هو الناموسُ المسيطرُ الحاكمُ على باقى الدنيا، وتعيدنى إلى الواقع أصوات زوجتى وهى تمارس قيادتها فى المطبخ استعداداً للسحور . ويأتى السحورعلى دقات طبلة عم حنفى العربى بقوله : «اصحى يا نايم وحد الدايم»، ومع أطباق الفول المدمس وكوب الشاى ينتهى السحور بمدفع الإمساك، وبينما اقترب أذان الفجر اتجهنا إلى مسجد الحسين نصلى الفجر ونستمع إلى القرآن، والمسجد مكان يشبه الروح والريحان، قلتُ : السلام عليك يا سيدنا، ثم قرأتُ الفاتحة وصليتُ ركعتين تحية المسجد، ثم جلسنا نستمع إلى القرآن، وذكريات ليلة رمضان التى ما زالت محفورة فى الذاكرة . انتهينا من السحور، وجاء أول أيام رمضان، حيث الصيام، ثم الذهاب إلى العمل، وأنا نعسان، والعودة، إلى البيت فى انتظار مدفع الإفطار، وانطلق مدفع الإفطار، وبدأت العمليات العسكرية، مددت يدى إلى ثلاث بلحات جافة تضعها زوجتى على المائدة، تعودت أن أفطر على البلح عملًا بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا ما بقى من الإسلام فى بيتنا، وتذكرت أفضل خلق الله كيف كان يصوم ويفطر. شهر رمضان عند المسلمين الأولين كان شهرًا نزل فيه القرآن، وكان شهرًا يتخفف فيه البدن من البدن، وتلتقى فيه الرحمة بالإخلاص، والجوع بالحب، وكان شهرًا تعاود فيه الروح اتصالها بخالق الروح. انتهيتُ من الطعام، أحسستُ بوخمٍ شديدٍ ورغبةٍ فى النوم، فلم أكد أدخل غرفة نومى حتى دخلت زوجتى الغرفة، ومعها طبقٌ من الكنافة والقطايف. كان لا يوجد فى عهود الإسلام الأولى لا كنافة ولا قطايف، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا شبع استغفر الله لأن فى المسلمين جائعًا لم يشبع، ودخلت الكنافة والقطايف تاريخ المسلمين حين خرج الحب من القلوب، وصار الإسلام سبحة معطلة وفانوسًا أثريًّا، وكلماتٍ تتمتم بها الشفاه. اتكأت على فراشى ورحت أدخن، ثمة دوار يشبه دوار الحب الأول، أبنائى يجلسون حول جهاز الراديو، ومن بعده التليفزيون ساعة الافتتاح، وهات يا دوشة. عدت أحاول النوم عبثًا، فجأة سألنى ابنى الأصغر : لماذا نصوم ؟ قلت : علشان الأغنياء تحس بجوع الفقراء . فقال : ولماذا يصوم الفقراء ؟! .. قلت : إن الصوم فى حقيقته نوع من الحب، وهوالعبادة الوحيدة التى لا تظهرعلى صاحبها، فهى بين العبد وربه. من كتاب «مذكرات صائم»