التحركات المتسارعة للرئيس ترامب من التقارب بشكل منفرد مع روسيا والضغط على أوكرانيا لقبول وقف الحرب وتجميد المساعدات الأمريكية لكييف، أرسل موجة هلع فى أوصال دول الاتحاد الأوروبى التى بدأت تتحسب لتنفيذ ترامب تهديداته السابقة بالانسحاب من الناتو والتخلى عن دور واشنطن التاريخى كشرطى أوروبا. فمنذ إنشاء الناتو عام 1949، كانت أمريكا درع أوروبا فى مواجهة الاتحاد السوفييتى وحلف وارسو ومن بعدها روسيا. وعلى مدار تلك السنوات امتلكت أكثر من 40 قاعدة عسكرية داخل أوروبا. ونشرت قوات وصلت إلى 475 الفا فى الخمسينيات ثم انخفضت تدريجياً لتصل لحوالى 105 آلاف فى 2025. وشاركت بحوالى 16% من الإنفاق الدفاعى لدول الحلف. هذا بخلاف نشرها لمظلة نووية لحماية الدول غير النووية فى القارة، والتى تُعتبر أساس قدرة الناتو على الردع. من هنا تبرز المخاوف من أنه لو سحب ترامب هذه المظلة، سيعتمد الأوروبيون على حوالى 600 رأس نووية بريطانية وفرنسية فقط، فى مواجهة أكثر من 5000 رأس نووية استراتيجية روسية. هذا بخلاف التقديرات التى تقول إن أوروبا ستحتاج حوالى 300 ألف جندى إضافى، بتكلفة 262 مليار دولار، لتحل محل أمريكا فى الشئون الدفاعية، وستحتاج من 5 إلى 15 عاما لبناء قدرات دفاعية مماثلة لأمريكا، خاصة فى مجال الاستخبارات عبر الفضاء والضربات بعيدة المدى. ورغم أن هذه المخاوف قد تكون مجرد سراب يتبدد مع انتهاء ولاية ترامب، إلاّ أنها تمثّل فرصة «لفطام» أوروبا من اعتماديتها على أمريكا، وهو توجه يتبناه عدد من قادة أوروبا، خاصة فى فرنسا وألمانيا وبريطانيا، وبدأ التخطيط له بالفعل من خلال خطة لحشد حوالى 800 مليار يورو لزيادة الإنفاق الدفاعى للقارة، وإنشاء «مظلة نووية أوروبية»، وتشكيل «جيش أوروبى». كل هذا قد يكون إرهاصاً لنهاية حلف الناتو، ونشوء نظام عالمى جديد يقوم على فك الارتباط بين أوروبا وأمريكا ودخول الأخيرة فى تحالف مع روسيا يفصم عرى المحور الصينى-الروسى. وعلينا نحن العرب أن نبحث عن المكان المناسب لنا فى خارطة التحالفات الجديدة.