نجح مسلسل "ولاد الشمس" في أن يخطفك من الوهلة الأولى، فالدراما حاضرة بقوة عبر سيناريو جاذب بطقوسه وتفاصيله وحوار كاشف لعالم شخصياته، وأداء أبطاله المبهر للغاية بواقعيته وتوحده مع الأحداث، وأجواء صورته الخارجية والداخلية مدهشة، ومخرج يفاجئنا بقدرته ومفرداته الفنية على غزل كل عناصر الجاذبية في كل مشاهده وكأنها سيمفونية درامية. في إطار القصة التي تحمل أبعادا لقضية اجتماعية مهمة حول عالم دور الايتام ومايحدث بها ، نجد أنفسنا أمام الثنائي الأبرز "ولعة" و"مفتاح"، فبعد أن عاشا حياة قاسية داخل دار الأيتام "دار الشمس"، يقرران شيئا فشيئا رفض تلك الحياة والتمرد عليها، خاصة عقب إجبارهما على السرقة والنصب من قبل مدير الدار "ماجد العيسوي"، الذي يعلن عليهما الحرب بعد ذلك، ويحاولان التخلص منه وحماية بقية الأيتام من شروره. تلك هي الصورة العامة للمشهد الذي صاغه بإقتدار المؤلف مهاب طارق مع المخرج الذي يحمل اسم مبدع كبير هو شادي عبد السلام. قدم أحمد مالك أحد أهم أدواره في شخصية "ولعة"، الشاب اليتيم الذي نشأ في "دار الشمس للأيتام"، ويتحمل مسئولية رعاية أخوته في الدار، حيث يقدم أداءً استثنائيًا، مغايرًا تمامًا لما اعتاد عليه جمهوره، ويتقمص شخصية تحمل مزيجًا فريدًا من التناقضات بين القوة والضعف، العنف والحنان، الطموح واليأس. وبالرغم من قسوة الظروف التي نشأ فيها "ولعة"، يبقى متمسكًا بحلمه في العثور على والدته، خاضعًا لرحلة محفوفة بالمخاطر والتحديات، ويلجأ إلى الملاكمة بالرهانات لكسب المال، في محاولة للهروب من واقعه الصعب، كما أن وقوعه في حب امرأة تكبره سنًا "سحر"، يضفي على شخصيته مزيدًا من التعقيد النفسي والعاطفي. يقدم أداءً غير مسبوق، متعمقًا في شخصية غنية بالأبعاد الدرامية، بفضل إتقانه لحركات الملاكمة، وتناسق بنيته الجسدية، وتعبيراته الدقيقة، ويضفي على "ولعة" واقعية آسرة تلامس مشاعر المشاهدين. كذلك طه دسوقي بشخصية "مفتاح"، الذي يشكل محور آخر في الثنائي، برزانته وعقله وهدوءه، وبينهما محمود حميدة الذي جسد بإستاذية شخصية صاحب الدار أو " بابا " كما ينادونه وكأنه رمانة الميزان بتلك الدراما الثرية، وقدم حميدة دور الشرير المستغل برزانة وخفة دم في آن واحد، حتى جمل حواره ستبقى كثيرا في الذاكرة. ففي سياق عالم "بابا ماجد" مدير دار الأيتام، نجده يضمن – "ولعة" و"مفتاح" و"ألمظ" و"قطايف" - ليفرَج عنهم بعد سرقتهم حقيبة، وتقرر "تهاني" توثيق مخالفات الدار، فيما يحتجزها ويهددها لتمسح الصور، فتخبره بإرسالها لرئيس التحرير وأنه بات مكشوفا، في تلك المشاهد تنوع أداء حميدة، ليخاطب كل واحد بلغته في الحياة . مرة أخرى يكلف "ولعة" و"مفتاح" بسرقة الهاتف المحمول الخاص برئيس التحرير، للتخلص من الصور المسربة التي نشرتها "تهاني" الصحفية، بعد نجاح "ولعة" و"مفتاح" في تنفيذ المهمة، ينشب شجار بين "ماجد" و"ولعة"، لتسبب "ماجد" في أزمة نفسية ل"عبيد"، مما أدى إلى محاولته الانتحار، لكنه نجا في اللحظة الأخيرة، نتيجة لذلك، يقرر "ولعة" عدم إعطاء الهاتف ل"ماجد"، في الوقت نفسه، يكتشف "قطايف" وجود "تهاني" في الدار، فيساعدها على الهروب. وفي تطور آخر، يطلب "ولعة" الزواج من "سحر"، لكنها ترفض بسبب عدم تحمله المسئولية، مما يدفعه إلى الاكتئاب شيئا ما . صعدت حدة الأحداث في ثاني حلقات مسلسل "ولاد الشمس"، حيث شهدت مواجهة قوية بين ولعة (أحمد مالك)، وبابا ماجد (محمود حميدة)، صاحب دار الأيتام، لتسفر عن تلقي "ولعة" صفعة قاسية من "بابا ماجد". وجاءت المواجهة بعد رفض "ولعة" استغلال الأطفال الأيتام في أعمال غير قانونية، محاولًا الدفاع عن حقهم في حياة كريمة بعيدًا عن الجريمة والعنف، لكن موقفه لم يلقَ استحسان "بابا ماجد"، الذي لم يتردد في صفعه على وجهه بعنف، مؤكدًا سطوته وتحكمه الكامل في مصيره هو وباقي الأطفال داخل الدار. "ولعة" رغم عناده وشجاعته، يجد نفسه أمام واقع مؤلم، حيث يضطر مع أخوته للعمل بجد لدفع الأموال المطلوبة ل"بابا ماجد"، ظنًا منهم أنهم بذلك سينقذون الأطفال الآخرين من مصير أسود، إلا أن الأمور تأخذ منحى أكثر قسوة عندما يستمر "ماجد" في استغلال الصغار وإجبارهم على أعمال غير قانونية مثل توزيع الادوية المحظورة التى يحصل عليها بالتحايل . ويتم في هذه الحلقة، الكشف عن جانب جديد من ماضي "ولعة"، حيث كان يحلم بأن يصبح ملاكمًا محترفًا ينافس في الأولمبياد، لكن قسوة الظروف والأقدار دفعته إلى أن يصبح مجرد بلطجي شوارع، هذا التحول يضيف عمقًا إنسانيًا لشخصيته، حيث نجد بداخله صراعًا دائمًا بين ما كان يتمنى أن يكونه، وما أصبح عليه بسبب قسوة الحياة. نجح المخرج في توظيف باقي شخصياته وهو يرسم عوالمهم الخاصة.. معتز هشام بشخصية "قطايف" المثقف الوحيد بين أشقياء "أبناء الشمس"، والقارئ ل36 الموجودة بالدار، والواقع ان معتز يقدم شخصية مشاعرها مختلطة ومركبة بين واقع يسايره فى الدار باللحظة الراهنة وماضى له اسراره ، نجده مثلا في لحظة حاسمة ومليئة بالتوتر، يثبت شجاعته عندما يتصدى لرجال العصابة ويواجه الخطر عندما ينشب شجار بين أبناء دار الشمس وحراس رجل الأعمال الفاسد، عدو ماجد صاحب الدار، حيث يتدخل قطايف دون تردد، مستخدمًا المسدس ويطلق الرصاص واضعاً حداً للمواجهة ويحمي إخوته، مؤكدًا استعداده للمخاطرة من أجلهم. ورغم جرأته في المواجهة، إلا أن قطايف يخفي حقيقة كونه يتيمًا يعيش في دار الشمس، فعند لقائه بالصحفية تهاني ، يختار أن يكذب ويدّعي أنه مجرد موظف في الدار، خوفًا من نظرات الشفقة أو المعاملة المختلفة، مما يكشف عن جانبه الحساس ورغبته في إثبات نفسه بعيدًا عن ظروف نشأته. و فرح يوسف في شخصية "سحر" المرأة التى تقع فى حب ولعة والتى تكبره سنا ، قدمت فرح دورها بواقعية وهى تحاول ان ان تتغلب بعمل موازنة خاصة بين كونها ام لفتى ورغبتها فى الزواج من جديد ، وكم كان مشهدها موحيا وقاسيا لحظة اتمام اجراءات زواجها من ولعة حيث تفاجئت بابنها يدخل عليهما ليشهد على كتب الكتاب كونه يحمل بطاقة شخصية . ايضا جلا هشام بشخصية "سعاد" التى تقع فى حب مفتاح ، مريم الجندي التي قدمت شخصية "تهانى" الصحفية بروح طريفة وطزاجة خاصة، ظهرت ملامحها فى الحلقة الثالثة أثناء تسللها الى الدار وهروبها منها بعد ان تكتشف وثائق تدين ماجد، الذي يحتجزها ويهددها لتمسح الصور فتخبره بإرسالها الصور لرئيس التحرير ، ويحاول قطايف البحث عنها بعد إعجابه بها . ومصطفى الرومي فى دور رؤوف ، بينما كان المفاجأة الحقيقية مينا أبو الدهب.. صاحب شخصية عبيد واداءه الرائع والمؤثر خلال ماشاهدناه من حلقات المسلسل ، ويبدو انه سيكون له دور درامى فى مسار الاحداث خلال الايام المقبلة وستكون لديه مفاتيحه الخاصة بعد لمسنا مؤشراتها . مينا استطاع بأكثر من مشهد ان يخطف الانظار ويبهرنا كممثل مبدع، منها مشهد صامت ومؤثر للغاية لم يتحدث فيه إطلاقا يحاول الانتحار بقيامه بقطع شرايين يده بعدما قام بحبس نفسه بإحدي الزنازين داخل دار الأيتام بعد تعنيف "ماجد" مدير دار الأيتام له وطلبه أن يقوم بتأديب نفسه.تفاعل معه المشاهدين وبدو متأثرين بالاداء ومود الشخصية ، وكذلك عدد كبير من رواد مواقع التواصل الاجتماعي وبدأوا في رصد أرائهم عن الشخصية والتي كانت في معظمها إيجابية وذلك لأنه ادى الى المعنى الكامل للعمل. ايضا استطاع مينا ان يعبر بعمق عن حبه الدفين لموظفة الدار التى تجسدها "دينا ماهر" بسلاسة ، حيث تدين بالولاء لصاحب الدار بينما تساعد وتتعاطف مع اولاد الدار الذين ليس لهم عائلة . ناقش العمل باحترافية ولغة فنية مقبولة واجواء غير مباشرة قضية الايتام في المجتمع المصري بطريقة جديدة، حيث سلط الضوء على مشاعر الرفض التي يواجهها هؤلاء الأطفال وكيفية استغلالهم في أعمال غير مشروعة داخل دور الأيتام وهو ما يؤكد تميز مؤلفه مهاب طارق. اقرأ أيضا: الحلقة 5 من ولاد الشمس.. محمود حميدة ينتقم من أحمد مالك