مع تصاعد التوترات العالمية وتغير موازين القوى، يلوح في الأفق سيناريو قد يغيّر معادلة الردع النووي في أوروبا. فمع تزايد الشكوك حول التزام الولاياتالمتحدة بمظلتها النووية، تبرز فرنسا كمرشح محتمل لتولي مسؤولية الردع في القارة، في خطوة قد تعيد رسم الاستراتيجية الأمنية الأوروبية بالكامل، فقد أثارت تصريحات إدارة ترامب السابقة تكهنات واسعة حول إمكانية انسحاب الولاياتالمتحدة تدريجيًا من مسؤولياتها النووية في أوروبا. ما دفع القادة الأوروبيين إلى التفكير في بدائل لتعويض هذا الغياب، وضمن هذه الحسابات، طرح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إمكانية تعزيز الدور الفرنسي في الردع النووي، بما في ذلك نشر مقاتلات داسو رافال القادرة على حمل أسلحة نووية في ألمانيا، بحسب مجلة «ناشيونال إنترست» الأمريكية. اقرأ أيضًا| التردد الأمريكي يعيد تشكيل أوروبا.. هل نشهد ولادة «ناتو أوروبي» جديد؟ ووفقًا لتقرير نشرته صحيفة التلجراف البريطانية، ناقش مسؤولون فرنسيون فكرة نشر هذه الطائرات النووية في ألمانيا لإرسال رسالة واضحة إلى موسكو، كما أشار دبلوماسيون في برلين إلى أن مثل هذه الخطوة قد تفرض ضغوطًا على رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر لاتخاذ موقف مماثل. هل تختفي القنابل النووية الأمريكية من أوروبا؟ في الوقت الحالي، تحتفظ الولاياتالمتحدة بحوالي 150 قنبلة نووية من طراز B61 في قواعد مختلفة بأوروبا، منها كلاين بروجل في بلجيكا، وبوشيل في ألمانيا، وأفيانو وجيدي توري في إيطاليا، وفولكل في هولندا. وتمثل هذه القنابل جزءًا من استراتيجية "تقاسم الأسلحة النووية" داخل حلف شمال الأطلسي «الناتو»، والتي تتيح لدول الحلف غير النووية استخدام هذه القنابل في حالات الطوارئ، ولكن إذا قررت واشنطن تقليص وجودها العسكري، فمن المنطقي أن تصطحب ترسانتها النووية معها، ما قد يترك فجوة أمنية تحتاج أوروبا إلى سدها. هل ستكون فرنسا البديل النووي القادم؟ فرنسا، باعتبارها القوة النووية الأوروبية الوحيدة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، تمتلك ترسانة نووية مستقلة تضم 300 رأس نووي موزعة بين الغواصات والصواريخ المحمولة جوًا، وعلى الرغم من أنها لا تستضيف قنابل نووية أمريكية على أراضيها، فإنها قد تصبح الخيار الأساسي لحماية أوروبا نوويًا في حال انسحاب واشنطن، بحسب مجلة «ناشيونال إنترست». ولن تكون هذه سابقة تاريخية، ففي الستينيات، امتلكت فرنسا مقاتلات F-100 Super Sabre المسلحة بقنابل نووية تكتيكية أمريكية، وكانت متمركزة في ألمانياالغربية، واليوم، ومع تطور التكنولوجيا العسكرية، قد تعود باريس إلى لعب دور مشابه عبر مقاتلاتها النووية الحديثة. اقرأ أيضًا| «J-35» الصينية.. شبح الرعب للقوات الجوية الأمريكية رافال.. طائرة الردع النووي القادمة في أوروبا؟ في المرحلة المقبلة، يبدو أن طائرات داسو رافال الفرنسية ستتولى مهمة الردع النووي في ألمانيا، وهو دور محوري في الاستراتيجية الدفاعية الأوروبية، بالفعل، تعتمد القوات الجوية الفرنسية على هذه المقاتلات لحمل صواريخ كروز النووية المطوّرة محليًا، والتي تُطلق من الجو، وفي قاعدة سانت ديزييه روبنسون الجوية، تتمركز حوالي 50 مقاتلة رافال بي ذات المقعدين، جاهزة لتنفيذ المهام النووية عند الحاجة. وبحسب صحيفة «التلجراف»، تحتفظ باريس بترسانة تُقدّر بحوالي 300 رأس نووي ضمن برنامجها المعروف ب"قوة الردع"، وهذه الترسانة تشمل أنواعًا مختلفة من الأسلحة القادرة على الإطلاق سواء من الجو أو البحر، مما يمنح فرنسا مرونة كبيرة في أي سيناريو استراتيجي محتمل. رافال.. حجر الزاوية في القوات الجوية الفرنسية تُجسّد مقاتلات رافال، التي يعني اسمها "عاصفة الريح" أو "انفجار النار" عسكريًا، العمود الفقري لسلاح الجو الفرنسي منذ دخولها الخدمة عام 2001.،توم تصميمها لتكون مقاتلة متعددة الأدوار، لتحلّ محل 7 أنواع من الطائرات القتالية التي كانت في الخدمة سابقًا، مما يجعلها خيارًا استراتيجيًا طويل الأمد. يعود أصل رافال إلى مشروع Avion de Combat Experimental (ACX) في الثمانينيات، حيث طوّرت فرنسا طائرتها المقاتلة الخاصة بعد انسحابها من مشروع المقاتلة الأوروبية المشتركة (EFA) عام 1985، وكانت ACX طائرة تجريبية، حلّقت لأول مرة في يوليو 1986 تحت اسم Rafale A، ووضعت الأسس لتصميم رافال الحالية، من حيث الديناميكا الهوائية، ونظام التحكم بالطيران، والمواد المركبة المستخدمة في هيكلها. وتم تطوير مقاتلات رافال لتؤدي مجموعة واسعة من المهام، من التفوق الجوي والدفاع الجوي إلى الهجمات المضادة للسفن، والاستطلاع، والضربات الدقيقة، والردع النووي، بل وحتى إعادة التزود بالوقود جوًا، واليوم، هناك أكثر من 230 طائرة رافال في الخدمة لدى الجيش الفرنسي، مع خطط لزيادة العدد. هل تصبح مقاتلات رافال الردع النووي لحلف الناتو؟ وفقًا لتقرير مجلة «ذا ناشيونال إنترست»، تدرس فرنسا تعزيز أسطولها العسكري بإضافة 30 مقاتلة رافال جديدة، إلى جانب 3 فرقاطات ومنصات طائرات بدون طيار وأنظمة حرب إلكترونية، وفي عام 2024، وقّعت باريس صفقة ضخمة بقيمة 5 مليارات دولار لشراء 42 مقاتلة رافال، مما يعكس التزامها بتعزيز قدراتها الدفاعية. مع تصاعد التحديات الأمنية، هناك احتمالات قوية بأن رافال قد تُصبح قريبًا طائرة الردع النووي الرسمية لحلف شمال الأطلسي، فبفضل مرونتها القتالية وتكنولوجياتها المتطورة، يمكن أن تلعب دورًا رئيسيًا في تأمين الأجواء الأوروبية وحماية المصالح الاستراتيجية للناتو، وفقًا لما أفادت به المجلة الأمريكية ذاتها. اقرأ أيضًا| الأسرار الخفية وراء تضخم الإنفاق العسكري في أمريكا