تعمل مؤسسة الأمن القومي الأمريكية على تسريع عمليات شراء الأسلحة، إدراكًا منها لأهمية الزمن في ظل تعقيدات الحروب الحديثة. فعملية تطوير سلاح جديد أو إدخال معدات متطورة قد تستغرق سنوات، وأحيانًا عقودًا، نتيجة للإجراءات البيروقراطية المعقدة والاختبارات المطولة، ومع تصاعد التهديدات العالمية والتطور المتسارع في تقنيات القتال، أصبح تحديث العتاد العسكري ضرورة وأولوية تسعى لها الولاياتالمتحدةالأمريكية. اقرأ أيضًا| «J-35» الصينية.. شبح الرعب للقوات الجوية الأمريكية استجابةً لهذه التحديات، يستعد وزير الدفاع الأمريكي، بيت هيجسيث، لإصدار توجيهات جديدة تهدف إلى تسريع عمليات شراء المعدات العسكرية، لضمان وصول أحدث التقنيات إلى القوات الأمريكية في الوقت المناسب، وذلك وفقًا لما أعلنه البنتاجون، لكن.. رغم هذه الجهود، لا تزال عقبات إدارية وتشريعية تعيق تسريع منظومة مشتريات الدفاع، ما يؤثر على قدرة الولاياتالمتحدة في الحفاظ على تفوقها العسكري في سباق التسلح العالمي، وفقًا للمجلة الأمريكية «responsiblestatecraft». بحسب المجلة ذاتها، تعاني برامج الاستحواذ العسكري في الولاياتالمتحدة من تصميم معيب يعطل سرعة التطوير ويرفع التكاليف، وتسود داخل مؤسسة الأمن القومي الأمريكية قناعة بأن إضافة مزيد من التكنولوجيا تعني سلاحًا أفضل، لكن النتيجة غالبًا هي تأخير التنفيذ وارتفاع التكاليف، حيث يسعى قادة الصناعة الدفاعية لحشد مزايا إضافية في كل نظام، ثم يُواجهون مشكلات في تكاملها، مما يعطل الأداء. نظام «الفتحة الموزعة» من الأمثلة البارزة على التعقيد المفرط الذي يحدث، هو نظام الفتحة الموزعة في طائرة إف-35، خاصة خوذتها الباهظة التي تكلف 400 ألف دولار، فرغم أن الطيارين يعتمدون على الرؤية المباشرة لتحديد العدو، صُممت هذه الخوذة لتحل محل الرؤية التقليدية بكاميرات تعرض صورًا رقمية، لكن التجارب أثبتت أن النظام يقلل من كفاءة الطيارين رغم تكلفتها المرتفعة. هل تفوقت الطائرات الكلاسيكية؟ نجحت مقاتلات مثل F-86 وF-16 في ضمان تفوق الطيارين عبر تصميم يمنحهم رؤية واضحة، بفضل قمرة قيادة مرتفعة وغطاء شفاف، في المقابل، فرضت إف-35 تقنية معقدة عبر نظام الكاميرات، ما جعل الطيارين يفضلون الأساليب التقليدية، مثل إمالة الطائرة للنظر بأعينهم بدلاً من الاعتماد على الشاشة الرقمية، ففي تجربة عملية، صرح أحد طياري إف-35 في فيلم وثائقي أنه يفضل إمالة الطائرة والنظر بعينيه مباشرة بدلًا من الاعتماد على النظام البصري المتطور، مؤكدًا أن الرؤية الطبيعية أكثر وضوحًا. والآن.. بات هذا التوجه يثير تساؤلات حول ما إذا كانت التكنولوجيا لا تقدم ميزة حقيقية، فهل يجب على وزير الدفاع الأمريكي مراجعة أولويات تطوير أنظمة الطيران؟، أو أنه سيعيد النظر في فلسفة تصميم الأسلحة لمصلحة الأداء العملي؟ اقرأ أيضًا| الجيش الأمريكي يعزز قدراته العسكرية بشراء مركبات «إس.في» الطلاء الذهبي.. عبء مالي جديد يشير مصطلح "الطلاء الذهبي" إلى المبالغة في إدخال ميزات غير ضرورية إلى المعدات العسكرية، مما يؤدي إلى تعقيد التصميم وزيادة التكاليف وتأخير الإنتاج، وتلجأ الشركات الدفاعية إلى هذه الممارسة بهدف تعظيم أرباحها، حيث يؤدي كل تحسين إضافي إلى إبرام عقود فرعية مع موردين مختلفين في جميع أنحاء الولاياتالمتحدة، مما يخلق شبكة من المصالح السياسية التي تدافع عن استمرار المشروع بغض النظر عن كفاءته. ولا يقتصر هذا التعقيد فقط على ارتفاع الأسعار، بل يمتد أيضًا إلى إضعاف جاهزية القوات، إذ تصبح الأنظمة أكثر صعوبة في التشغيل والصيانة، وأحيانًا أقل كفاءة من البدائل الأبسط، ورغم أن الابتكار في التكنولوجيا العسكرية ضروري، إلا أن وزير الدفاع الأمريكي، يُواجه تحديًا كبيرًا في تحقيق توازن بين التطوير الفعّال وكبح الهدر المالي، فكيف يمكن للبنتاجون ضبط الإنفاق دون الإضرار بقدرة الجيش الأمريكي على مواكبة التطورات القتالية؟ وفقًا لخريطة تفاعلية أعدتها شركة «لوكهيد مارتن» للصناعات الأمريكية، يتم إنتاج مكونات إف-35 في جميع الولاياتالأمريكية الخمسين، ما يجعلها مشروعًا قوميًا أكثر من كونها سلاحًا عمليًا، إذ تزعم الشركة، أن برنامج إف-35 يستفيد من موردين في جميع الولاياتالأمريكية، مما يخلق شبكة مصالح تحميه سياسيًا من الإلغاء، وهذه الديناميكية تجعل قرارات الإصلاح صعبة، لأن أي تعديل يعني فقدان وظائف وتأثيرات سياسية واسعة. ليست الأجهزة وحدها المشكلة، بل يشكل تكامل البرمجيات التحدي الأكبر، حيث أفاد مسؤول الاختبار الأعلى في البنتاجون بأن تطوير برمجيات إف-35 متوقف، كما تظهر العيوب بسرعة تفوق قدرة المطورين على إصلاحها، مما يعطل الأداء القتالي للطائرة، وبالتالي يمكن أن يعرقل جاهزية الجيش الأمريكي في ساحة المعركة، وفقًا للمجلة الأمريكية «responsiblestatecraft». اقرأ أيضًا| توريد شاحنات عسكرية للجيش الأمريكي بقيمة 214 مليون دولار لماذا تحتاج واشنطن إلى تغيير التفكير؟ كشفت المجلة الأمريكية ذاتها، عن أن أي إصلاح لا يعالج مشكلة "الطلاء الذهبي" لن يؤدي إلى تحسين كفاءة الاستحواذ العسكري الأمريكي. وبالتالي تبسيط عمليات الشراء دون تغيير جذري في منهجية التصميم لن يُنتج إلا مشاريع فاشلة بوتيرة أسرع، كما أن الأسلحة ليست مجرد تقنيات متقدمة، بل أدوات قتالية يجب أن تكون فعالة، لا أن تصبح عائقًا للمقاتلين في أرض المعركة. وبين التعقيد التكنولوجي والاحتياجات القتالية، يتساءل الكثيرون، بشأن، هل الأسلحة الأكثر تطورًا تعني دائمًا أسلحة أكثر كفاءة؟، وهل سيتخذ وزير الدفاع الأمريكي، بيت هيجسيث، على اتخاذ قرارات جريئة تعيد هيكلة عملية الاستحواذ جذريًا لتحقيق الكفاءة المرجوة؟