تلك المساجد تمثل جزءًا أصيلًا من السياحة الدينية، والتاريخية فى مصر، لسنا فقط الذين نحرص على زيارتها والصلاة فيها، لكن أشقاءنا العرب، والمسلمين من إفريقيا وغيرها من قارات العالم. يطل علينا شهر رمضان الكريم بنفحاته المعطرة بالحب والجمال. حب الخير والعطاء، جمال أن تعيش إنسانيتك وسط مشاعر روحانية تغسل النفس، وتطهر الروح. كل منا له طقوسه خلال الشهر المبارك. الصوم والصلاة أولها، فهى الفروض التى لابد من الالتزام بها. الزكاة والتصدق، التفكير والتدبر فى معنى وجودنا على هذه الأرض، وما الذى نتمنى أن يبقى منا بعدما تنتهى الرحلة، وتمضى الحياة؟. أتابع سباق الخير الذى يتبارى الكثيرون فى الفوز فيه بفرح لا يخلو من دهشة وتساؤل، لماذا يحدث هذا فى شهر رمضان فقط؟ لماذا لا يكون العطاء ثقافة، وتتعدد صوره فى مجتمعنا المصرى العريق؟ «تبسمك فى وجه أخيك صدقة».. «قضاء حوائج الناس صدقة».. «زيارة مسن هجره أولاده وأحبابه وتحججوا بالظروف والشغل وضيق الوقت صدقة»، هذا كله إلى جانب الصدقات المادية المعروفة لنا جميعًا. ارتياد المساجد، والحرص على أداء ما تيسر من الصلوات الخمس داخلها، بالإضافة إلى صلاة التراويح من الأشياء التى يحرص عليها معظم المسلمين فى مصر، لذلك أطالب رؤساء الأحياء التى يقع فيها مساجدنا الكبيرة، والتى تم ترميم وتجديد العديد منها خلال السنتين الأخيرتين بفرض النظام حول تلك المساجد التى لها فى قلوبنا محبة خاصة: السيدة نفيسة، السيدة زينب، السيدة عائشة، مسجد الحسين، وغيرها من المساجد التى تحمل أسماء آل البيت. يحزننى أن أرى حالة الفوضى العارمة تحيط بتلك المساجد، لتنتزع من الصائمين، القادمين للصلاة سكينة وهدوء تلك الأوقات المباركة. أنا شخصيًا من محبى السيدة النفيسة - نفيسة العلم والدين -، الباعة الجائلون هناك يفترشون الشوارع، تكاد المداخل للمسجد خاصة الجزء المخصص للنساء لا ترى من حالة العشوائية التى يمارسها هؤلاء. ليس هناك من ينظم حركة السيارات والمركبات أمام المسجد، فترى سيركًا غريبًا يحيط بمسجد السيدة نفيسة! أتمنى أن يضع محافظ القاهرة هذا الأمر على رأس أولوياته ليس فقط خلال شهر رمضان، وإنما طوال شهور السنة، تلك المساجد تمثل جزءًا أصيلًا من السياحة الدينية، والتاريخية فى مصر، لسنا فقط الذين نحرص على زيارتها والصلاة فيها، لكن أشقاءنا العرب، والمسلمين من إفريقيا وغيرها من قارات العالم. أعود إلى رمضان الحبيب، الذى أتمنى أن يعيده الله علينا جميعًا بالخير والبركة، وأن يخفف من معاناة أشقائنا الفلسطينيين الذين يكابدون من ظروف قاسية وغير إنسانية، وأن نحرص جميعًا على أن يكون رمضان هذا العام محطة تغيير نفسى وذاتى، يقف فيها كل منا مع نفسه، ويستدعى كل الجميل داخله، يخرجه ويراه جليًا، ويحرص على أن يظل نصب عينيه إلى الأبد، روعة رمضان، إنه بالنسبة لى وللكثيرين هو تلك المحطة المهمة التى نخرج منها أفضل وأنقى مما دخلنا. كل سنة ونحن جميعا طيبون. أول الغيث أخيرًا تحقق واحد من أحلامى الكبيرة التى سعيت بإخلاص وإيمان وحب لتحقيقها، أن يتم تعديل قانون الإجراءات الجنائية فى بلدى مصر، أن تراجع بعض مواده ويحذف منها ما لم يعد يتماشى مع العصر الذى نعيشه، ويضاف ما لابد أن يضاف من أجل تحقيق العدالة لكل المصريين، وكل من يعيش على أرضنا من جنسيات أخرى. رحلتى مع السجينات وأطفالهن طويلة وممتدة حتى الآن، مشوارى فى هذه القضية الشائكة التى وهبت حياتى للدفاع عنها علمنى الصبر، الاستمرار وعدم اليأس. فالله يستجيب لمن يحاول بلا ملل أو كلل حتى يصل إلى مبتغاه. وقد حاولت وعملت بجدية وإيمان من خلال جمعيتى «جمعية أطفال السجينات» التى اعتبرها أكبر إنجازاتى فى الحياة، أن أسلط الضوء على عدد من مواد القانون التى تقف حائطًا منيعًا فى وجه الخلاص أمام عدد من النساء اللاتى قابلتهن فى السجون، أولى تلك المواد موجودة بالفعل فى القانون الحالى، لكنها لم تكن وجوبية، أى أن الحكم فيها يترك للقاضى إما أن يفعلها أو لا، حسب القضية المعروضة أمامه، تلك المادة تقضى بتأجيل الحكم على أحد الأبوين المحكوم عليهما فى قضية واحدة حتى يكمل أحدهما مدة العقوبة ويخرج لأطفاله إذا كان عمر أحدهم أقل من خمس سنوات. باعتبارى مهمومة بقضية أطفال السجينات، كنت أرى بنفسى كم المآسى التى تنجم عن عدم تنفيذ هذه المادة المهمة جدًا فى القانون، رأيت أطفالًا مشردين، يعيشون فى قلب الخطر، تلتقطهم أيادى العصابات وتجار الشر ويستغلهم أقرب الناس، فقط لأنهم بلا حماية، بلا رعاية، لا أب يسندهم ولا أم تضلل عليهم. لذلك ناديت بالتعديلات القانونية فى تلك المادة، ومادة أخرى تقضى بتأجيل تنفيذ الحكم على الأم الحامل حتى تلد، وترضع وليدها، أى لمدة سنتين بعد الولادة. جمعت خبراء القانون وأعضاء البرلمان المصرى العظيم فى أكثر من مائدة مستديرة، وورش عمل تبحث وتقدم الحلول، وتحدد البنود المطلوب تعديلها، أو تفعيلها. وها أنا أرى الحلم يتحقق بعد سنوات من الكفاح، ويبدأ مجلس النواب فى مناقشة تلك المواد التى طالبت بتعديلها ضمن مراجعة شاملة للقانون. فرحت وخفق قلبى بالشكر والحمد لله، وقلت: إن الله لا يضيع أجر من أحسن عمله. شكرًا لمجلس النواب المصرى العريق وقيادته الواعية الحكيمة معالى المستشار الدكتور حنفى جبالى، رئيس مجلس النواب. ثنائية الحب والحزن يستوقفنى العنوان «مئة لو.. ولم»، يغرينى بالإبحار فى سطور بين عوالم القصائد. هذا ما يفعله الشعر بى دائمًا، إما أن يجذبنى بسرعة إلى بحوره، فأغوص بكاملى فى أعماق المعانى والمشاعر التى تحملها الكلمات، وإما أن أطوى الغلاف من أول صفحة ولا أعود إليه أبدًا!. «مئة لو.. ولم» كان بالنسبة لى من النوع الأول أخذتنى قصائده، احتلت مشاعرى تلك التجربة الشعرية بصدقها الشديد، وتعبيراتها وصورها الشعرية المشبعة بالمعنى والإحساس. برع الشاعر نادر عيسى فى أن يشيد من أبياته قلعة مهيبة للحب.. الحزن.. والألم. تدور معظم القصائد حول تلك الثنائية (الحب.. الحزن) تنطق بصدق إنسانى مدهش، تجعلنا نتوقف مع أكثر من مقطع، نتأمل الصور الفنية البديعة لمعانٍ عميقة تلمس مشاعرنا، نحسها كما لو أننا عشناها. أسماء القصائد موحية، ملهمة: رهان العمر الأخير، آخر تقرير من غرفة الإنعاش، الأسبوع الحالى على مر السنوات، إعلان وفاة على ثلاثة أعمدة، رهاب الأسئلة، يا أنا، كلمات متقاطعة، حديث عيون على سلم متحرك، صباح عينيك، سايكو، النبوءة، أثر فراشتى، سيزيف يعشق، أحبك رغم كل حزن العالم. أعجبنى أن بناء الديوان متماسك، يشكل عالمًا واحدًا متناغم الإيقاع، وإنه يرصد تجربة إنسانية عميقة، يوثقها فى سطور حية، نابضة، بلغة قوية، وصور ناطقة تحفز على الغوص والسؤال. فى قصيدة رهاب الأسئلة يقول الشاعر: لا تسألينى.. كيف حالك؟ فأنا مستلب.. ومغتال.. ولا أقوى وفى زحام مع نفسى أبحث عن إجابات.. فيك. وهذا الإنسان القديم انقطعت خطاباته وما عاد يزورنى.. وكما ترين.. أقتل نهارى.. وفى قصيدة «إعلان وفاة على ثلاثة أعمدة» يقول: ثقيلة تلك الساعات.. ونحن نتأمل بعضنا.. نسير على سلك شائك.. وسط حقول الملل الشاسع». وفى قصيدة «مئة لو.. ولم» يقول الشاعر: لو لم أرك يومًا.. ولم أنطق اسمك يومًا.. ولم أشتق يومًا.. لو لم تتصافح يدانا يومًا.. ولم أندهك يومًا.. وتندهينى بكل خجل.. لو لم أتخيلك فى الصحو.. يطوف الكون حولك والشموس.. الكواكب والنجوم.. لو لم تنثرى ابتساماتك فى صحن الليل وتشربى من عين السماء اشتياقًا وجنونًا.. لو لم أجدك مرفأ.. ومظلة.. لو لم تجهشى يومًا بالبكاء.. ديوان «مئة لو ولم» يمنحنا عالمًا من الحب والخيال، صدر عن دار العين للنشر والتوزيع فى 164 صفحة من القطع الصغير.