ولأن «فيس بوك» أصبح متنفسا حتى إشعارٍ آخر، فقد لجأ إليه البعض لتفريغ شحنات همومهم. تأتى التعليقات عادة مثل «طبطبة» على قلب صاحب الوجع، وربما تُسهم فى تخفيف ألمه عندما يشعر بنسمات التعاطف، لكن عبارات الدعم تمضى فى أحوال كثيرة مثل سحابة صيف، لا تُمطر ولا تُطفىء نارا بالقلب. وسط كل ذلك، يحدث أن يظهر ثقيل ظلٍ أو مستظرف، يمارس سماجته ببرود منقطع النظير، دون أن يُدرك أن تأثير كلماته قد يكون عاصفا. ظلت التأثيرات السلبية تقف على حافة الأذى النفسى، ثم انتقلت إلى مرحلة بالغة البؤس، تحوّل فيها التعليق إلى قاتل حقيقى. هذا ما حدث واقعيا، عندما بثّ أحدهم همّه فى منشور. وبين تعليقات تحاول التخفيف عنه، نصحه أحدهم بتناول حبة الغلة السامة والتخلص من حياته. فما كان من الشاب اليائس إلا أن ردّ عليه بعبارة «اتقِ الله». مرّتْ أيام وزادتْ حدة اكتئاب الشاب فانتحر باستخدام الحبة الملعونة، وكأن النصيحة المدمرة تسلّلت إلى لا وعيه وعبثتْ به. على الفور حذف صاحب التعليق ما كتبه، من باب الخوف من المساءلة على ما أعتقد، وليس من قبيل الإحساس بالذنب. الواقعة السابقة دعمت ما ذكرتُه أكثر من مرة، عن استنكارى لعشرات المنشورات وآلاف التعليقات، لأنها تُعبّر عن جهل من يكتبونها، وعدم رغبتهم فى بذل الحد الأدنى من التفكير، حتى أن التعليقات أحيانا تكون عديمة الصلة بالمنشور، المهم أن يقذف صاحبها مخلفات كلماته، ويُقنع نفسه بأنه المُفكّر الأعظم. قبل سنوات تتبّع الراحل سيد عويس فى كتابه الرائد «هتاف الصامتين»، العبارات التى دوّنها المهمشون على السيارات، وقد فكرتُ فى اتباع أسلوبه ورصْد تعليقات «فيس بوك» وتحليلها، وأعتقد أن النتيجة ستكون صادمة، لأن هذه التعليقات انحدرت إلى ما هو أدنى من مفردات المقاهى وعبارات الشوارع. لقد أصبحنا باختصار أمام مقلب ضخم لنفايات الأفكار!