بخطة حرب جديدة، تستعد أجهزة الأمن والحكومة الفرنسية لمواجهة موجات الهجرة غير الشرعية خلال 2025، والتي اجتاحت مختلف مناطق التراب الفرنسي، وتسببت في موجات عنف غير مسبوقة بالبلاد، حيث يأمل الإليزيه من خلال التدابير الجديدة أن يتمكن من كبح جماح تلك الظاهرة المتصاعدة. وعلى مدار السنوات الخمسة عشرة الماضية، ارتفع عدد المهاجرين المقيمين في فرنسا بنسبة 35%، حيث كانت تتركز في عدد معين من الأقاليم «الرمزية»، مثل باريس والمناطق الحضرية الكبرى وساحل الأبيض المتوسط، وعدة مناطق صناعية أخرى في الأقاليم. لكنها باتت الآن منتشرة على نطاق واسع في جميع أنحاء فرنسا في الآونة الأخيرة، مما أعاد بحسب لوفيجارو، خلط أوراق جغرافيا الجمهورية، ووفقا لبيانات المعهد الوطني للإحصاءات والدراسات الاقتصادية، لم يكن هذا العدد بهذا القدر من قبل، سواء من حيث القيمة المطلقة أو الحصة النسبية. وتعد افريقيا هي القارة الرئيسية للمهاجرين في فرنسا، بواقع 48% من المهاجرين، ورغم أن أغلبية هؤلاء المهاجرين الأفارقة ما زالوا يأتون من المغرب العربي، إلا أن عدد القادمين من منطقة الساحل أو غينيا أو افريقيا الوسطى تضاعف منذ عام 2006. وفي تقييمه للهجرة غير الشرعية في عام 2024 كشف كزافييه ديلريو، رئيس مكتب مكافحة الإتجار غير المشروع بالمهاجرين في فرنسا، أن عمليات عبور المانش إلى إنجلتراوفرنسا زادت بنسبة 24% عن عام 2023، وتم القبض على أكثر من 4 آلاف مهرب طوال ال 12 شهرا الماضية. وأكد المسئول الفرنسي أن تلك المنظمات الإجرامية التي أطلق عليها لقب المافيا الحقيقية للمتاجرين بالبشر ومهربي المهاجرين، تجبر الأفراد الذين يحلمون بالسفر إلى فرنسا أو إنجلترا، على دفع مبالغ مالية ضخمة مقابل الوعد بنقلهم لإحدى البلدين. عقب ذلك يتولى المهربون مهمة العثور على القوارب التي ينقلون فيها المهاجرين إلى غياهب المحيطات والبحار، قبل أن يتركوهم لمصيرهم المحتوم في عرض البحر، مشيرًا إلى أن ال 4 آلاف مهرب الذين ضبطوا خلال العام الماضي، منهم 500 تم القبض عليهم في الخارج بالتعاون مع الانتربول. شبكات المافيا الحقيقة وحول المنظمات الإجرامية أو شبكات المافيا الحقيقية، تبين أنه تم تفكيك 269 شبكة العام الماضي، مقسمة إلى 66 شبكة للدخول إلى الأراضي الوطنية الفرنسية، و132 شبكة للمساعدة في البقاء في الأراضي، والباقي مقسم بين شبكات المساعدة في العبور وتلك الخاصة بالإتجار بالبشر، والتي تمثل وحدها 26 شبكة تضم صينيين وأمريكيين جنوبيين ونيجيريين على وجه الخصوص. كما سجلت أقسام الشرطة الفرنسية ما يقرب من 1066 قضية احتجاز للمهاجرين، أكثر من نصف المتهمين فيها وقفوا أمام قضاة التحقيق، وسجلت السلطات أيضا أكثر من 600 رحلة عبور بالقوارب الصغيرة خلال العام، حيث يختلف سعر الرحلة بحسب المجتمعات القادمين منها. وتبين من التحقيقات مع المهاجرين أن سعر الرحلة في المتوسط للعراقيين والأفغان نحو 1500 يورو، وأكثر من 3 آلاف يورو للفيتناميين الذين يملكون أموالا أكثر، حيث يعد الشمال الفرنسي هو الوجهة الأساسية لهم منذ سنوات بغرض محاولة العبور من القناة للاستقرار في انجلترا. خسائر بشرية فادحة ولكن تلك الرحلات التي وصفها المسئولون بالفوضوية أدت إلى خسائر بشرية فادحة، حيث سجلت ما يقرب من 78 حالة وفاة في عام 2024، إما بسبب الغرق المرتبط على وجه الخصوص بجودة القوارب، التي تنكمش في البحر، أو بسبب الاختناق، أثناء حركات الهلع الناجمة عن محاولات اقتحام القوارب التي تبحر في المناطق الوعرة. ولكن هناك بعدا آخر، وفقا لوزارة الداخلية الفرنسية، تسببت فيه تلك الموجة من الهجرة إلى الأحياء المختلفة، حيث أكد قائد شرطة باريس لوران نونيز، أن نسبة كبيرة من الأجانب المهاجرين متورطين في الجرائم والمخالفات في العاصمة الفرنسية ومحيطها. وبحسب البيانات، يوجد 36% من المتهمين في منطقة العاصمة باريس هم أشخاص يحملون جنسية أجنبية، كما أن الأطفال يتواجدون أيضا في واحدة من كل جريمتي سرقة، وفي واحدة من كل جريمتي سطو عنيف، وفي 40% من حالات العنف الجنسي، وفي عمليات النشل في نحو 8 إلى 9 حالات من أصل 10. أما في دائرة منطقة الرون الشهيرة، فكشفت رئيسة الشرطة فابيان بوتشيو عن أن الأجانب يمثلون 57% من المتهمين في قضايا الانحراف العام، و30% من الانحراف العام في الدائرة، مع زيادة ملحوظة بشكل خاص في جرائم القتل بنسبة 42%، وهي نتيجة مباشرة للصراع على نقاط الإتجار بالمخدرات وشبكات الاتجار. تعليمات جديدة كل ذلك دفع الحكومة الفرنسية لإطلاق خطة جديدة أطلقها وزير الداخلية الفرنسي برونو ريتيللو بتعليمات جديدة، لمكافحة المهربين والمافيا الحقيقية، وذلك بهدف وضع حد لما وصفه بالسذاجة الموجودة الآن، وشن حرب شاملة ضد هذه الشبكات الإجرامية، التي يرى أنها أصبحت أكثر عنفًا وخطورة عما مضى. تلك الخطورة التي تفرضها مافيا الهجرة، جعلت الشرطة تعمل على تغيير نطاق عملها لتكون أكثر فعالية في مواجهة تلك المنظمات خلال عام 2025، حيث لأول مرة سيتم إنشاء «مجموعة عمل مالية» من وحدة مكافحة غسيل الأموال والاستخبارات المالية، وأجهزة مكافحة الهجرة غير الشرعية في الداخلية الفرنسية. وتدعو الخطة أيضا إلى زيادة استخدام التكنولوجيات الجديدة، عن طريق القراءة التلقائية للوحات الترخيص، والمركبات، وأجهزة اعتراض البيانات الرقمية، حيث تسعى الجهود الحكومية من خلال ذلك لضرب اقتصاد تلك المنظمات للتأكد من عدم قيامها مرة أخرى. وأرسل وزير الداخلية الفرنسية، تعميمًا جديدًا إلى جميع المحافظين في فرنسا، يهدف إلى تعزيز السيطرة على تدفقات الهجرة غير الشرعية، وخاصة مكافحة المنظمات المشبوهة، وفي الوقت نفسه تعزيز اندماج الأجانب في فرنسا. ومن المنتظر أن يتم التركيز على مكافحة الهجرة غير النظامية من خلال هذا التعميم، بجانب تعزيز اندماج الأجانب في فرنسا، من خلال عدة أدوات تتعلق بمدة الإقامة في البلاد، ومدى إتقان اللغة الفرنسية، بخلاف الوظائف المطلوبة في المهن التي يعمل فيها المهاجرون. تهديد النظام العام ويتطلب تسوية وضع الموظفين الحاليين في المهن ذات الطلب المرتفع أن يكونوا متواجدين في فرنسا منذ 3 سنوات على الأقل، و12 شهرا من الأقدمية في الوظيفة، ولكن التعميم الجديد جعلها تصل من خمس سنوات إلى سبع سنوات، بالنسبة للأجنبي أو المهاجر الذي يطلب أوراق القبول الاستثنائي للإقامة. كما أن السماح الاستثنائي بإقامة الأجانب غير الشرعيين لن يتم إلا في حالة عدم وجود تهديد للنظام العام في فرنسا، وإذا رفض الطلب، سيتعين على حكام الولايات إرفاق رفض الإقامة بشكل منهجي بإجراء يلزم الشخص مغادرة الأراضي الفرنسية من تلقاء نفسه. وينص التعميم الجديد أيضا على أن طلبات التأشيرات المؤقتة غير المنفذة تبرر رفض إصدار تصريح إقامة مؤقت، طالما أن إجراء الإبعاد قابل للتنفيذ تلقائيًا، حيث يقع على عاتق الأجنبي أو المهاجر تقديم أدلة على وجود وقائع أو قوانين جديدة منذ الإخطار بالرفض. وسيتم أيضا الاهتمام بإتقان اللغة الفرنسية، من خلال إثبات الحصول على دبلوم فرنسي أو شهادة لغوية صادرة عن هيئة معتمدة بشكل صحيح، أو أي دليل آخر على إتقان اللغة، حتى يتم الموافقة على تصريح الإقامة، بجانب أن تسوية الأوضاع لن تكون ممكنة إلا إذا احترم المهاجر قيم الجمهورية، والمتمثلة في حرية التعبير والضمير والمساواة بين الرجل والمرأة وكرامة الإنسان. ومن المتوقع أن يجعل هذا التعميم الجديد، كل التعقيدات المتعلقة بتصاريح الإقامة والتأشيرات بسيطة، ومنحت الحكام حرية كاملة لتقييم موقف المهاجر دون مواجهة حقوقه الأساسية، كما سيقلل تدفق عمليات تسوية الأوضاع بنحو الثلث، لينخفض مع طلبات التسوية من نحو 30 ألف طلب سنوي إلى ما يقرب من 20 ألف طلب فقط إذا تم تحقيق أهداف التعميم الجديد وخطة مواجهة مافيا الهجرة. اقرأ أيضا: البرلمان العربي يؤكد أهمية وضع تشريعات تكافح عمليات الاتجار بالبشر والهجرة غير الشرعية