باتت الهجرة غير الشرعية مشكلة كبيرة تؤرق الحكومات الفرنسية المتعاقبة والتي تستغلها المعارضة في تأجيج الشارع الفرنسي، وخلال الأيام الماضية اشتعلت الأمور داخل جدران الإليزيه وخارجه بسبب الوفيات المأساوية للمهاجرين والأرقام القياسية الجديدة التي حققها ما يسمى بقوارب المهاجرين. وكانت مأساة المهاجرين الأربعة الذين ماتوا اختناقًا ومتجمدين بينهم طفل داخل قاربين خلال عبورهم من منطقة بادو كاليه الفرنسية على الحدود الفرنسية البريطانية، هي السبب في فتح الحديث عن الهجرة غير الشرعية، والذين كانوا على متن زورقين محملين بأكثر من طاقتهما يوم السبت الماضي. وكشف المدعي العام في مدينة بولوني سور مير، أنه فتح تحقيقان منفصلان في تهمتي «القتل غير العمد» و»التآمر الجنائي» للحادثين، وتبين من التحقيقات أن المهاجرين الأربعة كانوا على متن قاربين مكتظين فوق طاقتهما، حيث تعرض القارب الأول لعطل في المحرك قبالة ساحل بولوني. وأشارت التحقيقات الأولية بحسب المدعى العام أن سيدة صومالية - والدة الطفل - تركت ابنها الصغير البالغ من العمر عامين، إلى أحد الأشخاص ليحمله طوال الرحلة، وبسبب حركة الأشخاص المتواجدين في القارب والتدافع سقط الرجل أسفل أقدام المهاجرين بينما كان يحمل الطفل بين ذراعيه وسط القارب، واختنق بسبب الزحام الشديد، حيث انتشلته سلطات الطوارئ وهو متجمد ولم يكن من الممكن إنقاذه. أما القارب الثاني، فأكد المدعي العام أنه كان محملا أيضا بأكثر من طاقته وغادر ساحل كاليه بطريقة غير قانونية، ولكن بسبب عدة أعطال في المحرك أصيب الركاب بحالة ذعر، وحدث تدافع وهرج ومرج، مما أدى إلى سحق 3 مهاجرين رجلين وامرأة يبلغون من العمر حوالي 30 عاما أسفل أقدام المتواجدين. وجاءت في التحقيقات بحسب صحيفة لوفيجارو؛ أن القارب كان يستقر في قاعه مياه بارتفاع 40 سم، وعندما سقط المهاجرون الثلاثة تعرضوا للاختناق والغرق، وعندما وصلت سلطات الطوارئ لإنقاذ القارب، عثروا على الأشخاص الثلاثة في قاع القارب متجمدين أيضا. ولم تتمكن السلطات من القبض على أي شخص خلال التحقيقات الجارية؛ حيث توعد المدعى العام شبكات التهريب التي وصفها بأنها تعرض الناس لخطر أكبر من أي وقت مضى، ليس فقط البالغين ولكن المزيد من الأسر الكاملة التي لديها أطفال باتوا هدفًا لجشع هؤلاء المجرمين الذين أكدوا أنهم يستخفون بحياة البشر. أرقام قياسية وفي الوقت الذي كان المدعى العام يشكو من المنظمات التي تهرب البشر، ما لا يقل عن 973 مهاجرًا للوصول إلى المملكة المتحدة بشكل غير قانوني على متن القوارب المؤقتة، وفقًا للأرقام التي نشرتها وزارة الداخلية البريطانية، حيث سجل هذا الرقم بأنه الأعلى في الأرقام المسجلة للعبور هذا العام، وكان الرقم القياسي السابق يعود إلى شهر يونيو الماضي، بأكثر من 882 حالة عبور. وسجل عام 2024 سلسلة من الحوادث المأساوية التي جعلته العام الأكثر دموية لظاهرة عبور البحر على متن قوارب مطاطية مؤقتة تسمى القوارب الصغيرة، منذ بداية عام 2018، وهو الأمر الذي أرجعه الخبراء إلى الإغلاق المحكم بشكل متزايد لوصول المهاجرين إلى النفق تحت القناة وميناء كاليه بسبب التعاون بين فرنساوبريطانيا، مما دفعهم للجوء إلى طرق بديلة خطرة. ليس العبور وحده قد سجل أرقامًا قياسية، ولكن وفقا لمنظمة الهجرة الدولية فإن عدد الوفيات بين المهاجرين غير الشرعين خلال محاولات العبور السرية للقناة بين باريس ولندن سجل أيضا رقما قياسيا جديدا خلال العام الحالي، حيث تم تسجيل 52 حالة وفاة بداية من 2024، بينما في 2023 تم تسجيل وفاة 10 فقط، بينما كانوا 11 وفاة في 2022 ، و5 وفيات أيضا في 2021. وحتى الآن كان شهر سبتمبر بحسب التقرير هو الشهر المميت بين كافة الشهور خلال عام 2024، حيث شهد عدة حوادث منها يوم 15 عندما فقد 8 مهاجرين حياتهم في البحر، وقبله عشرة أيام، غرق 12 شخصا آخرين، بينما غرق 12 مهاجرًا في 3 من نفس الشهر بعد غرق قاربهم. وحول أسباب تلك المآسي أرجع فنسنت ماسيلوت، رئيس الجمعية الوطنية للإنقاذ البحري، السبب إلى أنه للأسف لم يعد يتفاجأ رجال الإنقاذ عندما يعثرون بكل سهولة على قارب مصمم لاستيعاب 20 شخصًا يجدون بداخله 80، لافتًا إلى أن هذا الأمر يخلق توترات رهيبة بين الركاب. وأكد أن معظم المهاجرين لا يعرفون السباحة، بجانب أن القوارب لا تحتوي على سترات نجاة، ومع الاكتظاظ تبدأ الحوادث خاصة أن مضيق بادو كاليه خطير للغاية، مع وجود رياح شديدة وحركة مرور كبيرة للقوارب التجارية، وهو ما يعرض القارب للغرق والركاب لأحداث مأساوية. وترتبط الزيادة في عدد الضحايا في البحر بزيادة في عدد عمليات العبور غير الشرعية، فبحسب وكالة الحدود وخفر السواحل الأوروبية، فرونتكس، سجل زيادة بنسبة 13% في عدد محاولات العبور بين فرنساوبريطانيا، مقارنة بالعام الماضي، حيث رصد عبور41.078 حالة خلال الفترة من يناير إلى أغسطس 2024. صدام وغضب وتسببت هذه الأرقام القياسية والوفيات المأساوية في غضب بالشارع الفرنسي بدعوات من المعارضة، وخرجت مسيرات في الشوارع لتكريم المتوفين المهاجرين، ووصل الأمر إلى صدام بين الحكومة وبين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حول فكرة المهاجرين وأهميتها لفرنسا من عدمه. وأعلن وزير الداخلية الفرنسي؛ أن الهجرة ليست فرصة لفرنسا لاستغلالها وإنما مواجهتها، مؤكدًا نيته بإعادة العمل بجريمة الإقامة غير الشرعية، وتمديد المهلة الزمنية في مركز احتجاز الأجانب الذين هم في وضع غير قانوني لمدة تصل إلى سبعة أشهر أو حتى تعزيز الرقابة على الحدود. كما أعلن ميشيل بارنييه عن رغبته في «السيطرة» على الهجرة، عبر تقليص الحقوق الاجتماعية للمهاجرين حتى «يكونوا أقل جاذبية لمن يفكر في الهجرة إلى فرنسا، ولكن الرئيس الفرنسي ماكرون كان له رأي آخر ورد على وزير داخليته ورئيس الوزراء بأن الهجرة ليست بالضرورة «سيئة». وفي تعارض واضح وفقًا لوسائل الإعلام، أكد ماكرون أن فرنسا دولة مفتوحة وتصريحات وزير الداخلية تتناقض مع الواقع الذي يقول إن فرنسا لم تكن لتتقدم في الفيزياء النووية بشكل كبير بدون البولندية المهاجرة ماري كوري، كما أنهم لم يكن ليكون لديهم موسيقى متطورة خاصة لولا وجود المهاجر شارل أزنافور. وأكد ماكرون أن هناك الملايين من مزدوجي الجنسية في فرنسا، والفرنسيون من خلفيات مهاجرة على الأقل بنفس العدد، وأشار إلى أنهم يعدون الثروة والقوة لفرنسا، مشددا على أن الصعوبة في الوقت الراهن هي كيفية مكافحة المتاجرين بالبشر، وشبكات الهجرة غير الشرعية. ويرى ماكرون عكس ما يريده رئيس وزرائه؛ حيث لفت إلى أن فرنسا تحترم حق اللجوء والحفاظ على حسن الضيافة واستقبال المهاجرين بشكل جيد والحصول على المواد المادية والظروف التعليمية التي تمكنهم من بناء حياتهم والعيش في منظومة الإقتصاد الفرنسي. جنسيات مختلفة تحمل القوارب المؤقتة بشكل متزايد، وفقا للسلطات البريطانية، حيث تحمل 52 راكبا في المتوسط مقارنة ب 13 فقط في عام 2020، وبين يونيو 2023 ويونيو 2024، كان 18٪ من الأشخاص الذين وصلوا بهذه القوارب من أفغانستان، وهو رقم في انخفاض حاد، تليها إيران 13% وفيتنام 10%. وعلى الرغم من أن عام 2024 كان داميا للمهاجرين إلا أنه وفقا للإحصائيات سجل نجاحًا للتعاون بين فرنساوبريطانيا لإحباط عمليات التهريب، ووفقا للإحصائيات سجل عدد المهاجرين الذين وصلوا إلى الشواطئ الإنجليزية هذا العام 26612 شخصا، معظمهم من فرنسا، بين بداية يناير ومنتصف سبتمبر 2024 على متن 428 قاربا. بينما وصل العام الماضي 22440 مهاجرًا إلى بريطانيا مقارنة ب 23103 مهاجرين على 492 قاربًا العام قبل الماضي في نفس الفترة و28013 عام 2022 على 758 قاربا، والذي تم وصفه بأنه العام الذي سجل أرقامًا قياسية في عبور القناة، كان من بينهم العديد من الأفغان والسوريين والإيرانيين. وأشارت إحصائيات الحكومة البريطانية هذا العام إلى وصول أعداد كبيرة من جنسيات أخرى من المهاجرين الذين يرغبون في الوصول إلى بريطانيا العظمى، ومن بينهم أتراك وفيتناميين أيضا، ويمثلون أكثر من 5000 شخص. ومن أجل مواجهة تلك الظاهرة تسعى الدول الأوروبية لزيادة التعاون فيما بينها بهدف شل حركة شبكات التهريب وفي الأسبوع الماضي اتفق على بدء تحقيقات قضائية مشتركة بين معظم الدول، تهدف إلى تفكيك الشبكات التي تنظم التدفقات غير القانونية عبر إيطاليا إلى جميع دول الاتحاد. اقرأ أيضا:القوات البحرية تنجح في إنقاذ مركب هجرة غير شرعية على متنها 45 فردًا