صلاح جاهين حالة خاصة وصلت للناس في كل مكانٍ في بر مصر. وشكراً لكل من فكر في أن يُذكِّرنا بهذا الإنسان الجميل خرجت من بيتي صباح الأربعاء الماضي مُبكِّراً جداً متوجهاً إلى دمنهور. ولها في حبة قلبي حنينٌ لا تصفه الكلمات. فكاتب هذه السطور ابن البحيرة. وُلِدتُ ونشأت وترعرعت في قرية الضهرية مركز إيتاي البارود من مراكز البحيرة. كنت ذاهباً للمشاركة في ندوة أقامتها كلية الآداب بجامعة دمنهور عن صلاح جاهين «25 ديسمبر 1930 - 21 أبريل 1986». وذلك استجابة للحالة التي تعيشها مصر. والتي أطلقها وزير الثقافة أحمد فؤاد هنو، ووزير التعليم العالي أيمن عاشور، ووزير التربية والتعليم محمد عبد اللطيف. للاحتفال قومياً على مستوى مصر كلها بذكرى صلاح جاهين. وطبيعة الندوة التي سافرت لها لم تُعطني فرصة في المرور على الدكتورة جاكلين عازر محافظ البحيرة. والتي قدَّمت لها ما لم يحدث من قبل من جهدٍ وعرقٍ وعمل وبناء. أقيمت الاحتفالية تحت رعاية رئيس جامعة دمنهور الدكتور الهامي ترابيس ونائب رئيس جامعة دمنهور الدكتورة مني مبروك وتحت رعاية وزارة الثقافة برئاسة الدكتور أحمد فؤاد هنو، وبحضور الدكتورة منال مصطفي نائب رئيس الجامعة. والدكتورة سماح الصاوي عميد كلية الآداب. والدكتور محمد شحاتة عضو لجنة الشباب بالمجلس الأعلي للثقافة. وبتنسيق الدكتورة شيماء حلمي دكتورة في كلية الآداب جامعة دمنهور وعضو لجنة الشباب بالمجلس الأعلي للثقافة ومنسق الحدث لوزارة الثقافة. وهذه السفرية المُحببة إلى نفسي لم تُمكني من حضور ندوة كُبرى أقامها المجلس الأعلى للثقافة في نفس اليوم احتفالاً بصلاح جاهين. وسفري إلى دمنهور حرمني من حضور الندوة المهمة عن صلاح جاهين التي أقامها الدكتور أشرف العزازي أمين عام المجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة. كنتُ سعيداً بالحضور الكثيف للطالبات والطلبة من أبناء الجامعة بدمنهور، والحرص على المشاركة بالجدل والنقاش حول شعر صلاح جاهين الذي تذكرناه وكأنه لم يرحل إلا بالأمس. فالرجل قادر على الاستمرار رغم غيابه. وكلما قرأت لنجله بهاء جاهين مقالاته بالأهرام تذكرت الشاعر الجميل الذي فقدناه وما زلنا نُعايشه للآن. سعدتُ كثيراً لأن الطالبات والطلبة يذكرون صلاح جاهين وأشعاره. كأنه قالها بالأمس، وكانت هناك رغبة في الحديث بين كل الطلبة رغم أن تلك الأجيال لا تميل كثيراً للكلام. لكن صلاح جاهين حالة خاصة وصلت للناس في كل مكانٍ في بر مصر. وشكراً لكل من فكر في أن يُذكِّرنا بهذا الإنسان الجميل. وما زلت أذكر حكايات نجيب محفوظ عنه. فقد كان يعرفه بعد أن تزاملا في جريدة الأهرام وسمعتُ منه عنه الكثير. وأيضاً كان لصلاح جاهين دورٌ مهم في حياة النجمة الجميلة سعاد حسني التي أقرأ كتاباً مهماً وفريداً وعذباً عنها الآن كتبته الناقدة السينمائية ماجدة موريس. وما زالت هذه الفنانة البديعة والتي لم تتكرر لها حضور في وجدان المصريين والعرب وبعض من يعيشون في دولٍ أجنبية أخرى. ومن المعروف أن لصلاح جاهين دوراً مهماً في حياتها الفنية التي سطعت فيها وكان عُنصُراً بنَّاء في موهبتها. كثيراً ما سمعتُ نجيب محفوظ يتحدث عن صلاح جاهين وعن مواهبه وعن حضوره الفذ والفريد في حياتنا. وفي مرات قليلة رأيته وتحدثت معه وأدركت أن سر عبقرية هذا الشاعر والإنسان الكبير والرسام الجيد هو بساطته ومصريته. وأعتقد أن الهيئة المصرية العامة للكتاب التي تعيش أمجد وأحلى أيامها برئاسة الدكتور أحمد بهى الدين طبعت بعض أعمال صلاح جاهين، ربما تكون قد نفدت. ولكن أعتقد أن المصريين والعرب متشوقون لكي يقرأوا نتاج مواهب صلاح جاهين النادرة وغير القابلة للتكرار. اهتمام طلاب جامعة دمنهور بالأدب والفن والفكر جعلني أعيش حالة من الاطمئنان الجميل، وأرد بمودة نابعة من حبة القلب على كل التساؤلات التي طرحوها حول مشروع صلاح جاهين الشعري. وهو مشروع مهم ويُشكِّل جُزءاً من تُراث مصر الشعري في القرن العشرين. كان هناك شعراء غيره يقولون الشعر منهم: عبد الرحمن الأبنودي، وسيد حجاب، وغيرهما ممن قالوا شعر العامية الذي لا حد لجماله. أيضاً لا يمكن نسيان أحمد فؤاد نجم وأشعاره التي غناها الشيخ إمام عيسى. من شعر جاهين الجميل: يا عندليب ما تخافشى من غنوتك/ قول شكوتك واحكي على بلوتك/ الغنوة مش حتموتك/ إنما كُتر الضنا هو اللى حيموتك. ليرحم الله الجميع.