ارتبطت كرة القدم بالعصر الحديث، إلا أن الاكتشافات الأثرية تكشف جانبًا آخر من القصة، حيث يبدو أن المصريين القدماء عرفوا هذه اللعبة قبل آلاف السنين. وإحدى الدلائل المهمة على ذلك هي الكرة المصنوعة من الكتان والمغلفة بحبال من ألياف النخيل، التي تعود لعصر الدولة القديمة، وتحديدًا إلى الأسرة السادسة، كما ذكره الباحث الأثري الدكتور حسين دقيل، المتخصص في الآثار اليونانية الرومانية. اقرأ أيضا|أصل الحكاية| «مري رع وإينيوي».. أشهر قصص الحب عند المصريين القدماء وتم العثور على هذه الكرة في جبانة طرخان، وهي معروضة حاليًا في متحف جامعة بريستول، ما يفتح باب التساؤل حول طبيعة الألعاب الرياضية التي مارسها الفراعنة، ومدى ارتباطها بكرة القدم التي نعرفها اليوم. ** الرياضة في مصر القديمة.. جزء من الحياة اليومية لم تكن الرياضة مجرد وسيلة للترفيه في الحضارة المصرية القديمة، بل كانت عنصرًا أساسيًا في الحياة اليومية، حيث اهتم الفراعنة بتطوير الأنشطة البدنية سواء لأغراض ترفيهية، دينية، أو حتى عسكرية. وقد أظهرت الجداريات والنقوش داخل المقابر والمعابد مشاهد متعددة لرياضات مختلفة مثل المصارعة، الجري، الرماية، ورياضات تعتمد على الكرة. كانت هذه الألعاب جزءًا من نظام تدريب الشباب، حيث آمن المصريون القدماء بأن اللياقة البدنية تعزز القوة وتحافظ على الصحة. ** كرة القدم المصرية.. بين الدلائل الأثرية والتفسيرات العلمية تعد الكرة المكتشفة في جبانة طرخان واحدة من أقدم الكرات في العالم، وهي مصنوعة من الكتان، ومغلفة بحبال من ألياف النخيل، مما يعكس استخدام المواد الطبيعية المتاحة آنذاك لصناعة أدوات اللعب. هذا الاكتشاف يطرح تساؤلًا هامًا: هل كان الفراعنة يلعبون كرة القدم بشكلها البدائي؟ وفي الواقع، لم يترك المصريون القدماء نصوصًا صريحة حول قوانين لعبة مماثلة لكرة القدم، لكن بعض الرسومات الجدارية في مقابر بني حسن وسقارة تصور مشاهد لشباب يركلون الكرات، مما يعزز الفرضية القائلة بأن ألعاب الكرة كانت جزءًا من التقاليد الرياضية لديهم. إضافة إلى ذلك، نجد إشارات لألعاب مشابهة في نصوص تعود إلى الدولة الوسطى، والتي تذكر ممارسة الفراعنة لأنشطة ترفيهية تشمل استخدام الكرات. ** هل كان المصريون القدماء يعرفون اللعب الجماعي؟ من المثير للاهتمام أن بعض النقوش تُظهر مجموعات من اللاعبين يتفاعلون مع الكرة، مما يوحي بأنهم قد يكونون قد مارسوا شكلًا من أشكال اللعب الجماعي، ربما لأغراض ترفيهية أو احتفالية. هناك أيضًا بعض الأدلة التي تشير إلى أن هذه الألعاب ربما كانت تُقام خلال المهرجانات الدينية، حيث كان المصريون القدماء يعتبرون الحركة البدنية جزءًا من الطقوس التعبدية، خاصة عند الاحتفال بالآلهة أو الملوك. ** علاقة اللعبة بالمعتقدات الدينية لم يكن كل نشاط رياضي في مصر القديمة مجرد وسيلة للترفيه، بل كانت للرياضة أبعاد دينية أيضًا. فقد ارتبطت بعض الألعاب الطقسية بمراسم العبادة، حيث كانت بعض الممارسات الرياضية تُجرى كجزء من الطقوس الخاصة بتكريم الآلهة. من هذا المنطلق، من الممكن أن يكون استخدام الكرة جزءًا من تلك الطقوس، سواء من خلال العروض المقدسة أو كجزء من مهرجانات معينة. ** الكرة في الحضارات الأخرى.. هل تأثرت مصر أم كانت الرائدة؟ في الوقت الذي تشير فيه الدلائل إلى أن المصريين القدماء استخدموا الكرات في ألعابهم، نجد أن حضارات أخرى مثل المايا والإغريق والرومان كانت لديها أنشطة مشابهة. على سبيل المثال، عرف الإغريق القدماء لعبة تسمى "إبسكيروس"، التي كانت تعتمد على ركل الكرة بين فريقين. كذلك، عُرفت لعبة "هارباستوم" عند الرومان، والتي كانت تقترب في قواعدها من كرة القدم الحديثة. ولكن يبقى السؤال: هل انتقلت هذه الألعاب إلى مصر أم أن المصريين هم من بدأوا هذا التقليد الرياضي؟ بالنظر إلى أن الكرة المكتشفة في جبانة طرخان تعود إلى الألفية الثالثة قبل الميلاد، فإن ذلك يجعلها واحدة من أقدم الكرات التي عُثر عليها، مما يرجح أن المصريين القدماء كانوا من بين أوائل الشعوب التي مارست ألعاب الكرة. ** الرياضة في المدارس والمعابد كانت ممارسة الرياضة جزءًا أساسيًا من نظام التعليم في مصر القديمة، حيث كان الأطفال يتعلمون الرياضة ضمن مناهج المدارس، خاصة في بيوت الحياة التي كانت مخصصة لتعليم الكتابة والدين والرياضة. كما اهتم الملوك والأمراء بتشجيع النشاط الرياضي، حيث تشير النصوص إلى أن الملك أمنحتب الثاني كان رياضيًا ماهرًا، واشتهر ببراعته في الرماية وسباقات القوارب. أما في المعابد، فكانت بعض الطقوس تشمل ممارسة ألعاب رياضية، خاصة في الأعياد الدينية الكبرى، حيث كان الملوك والكهنة يشاركون في مسابقات رياضية تبرز قوتهم الجسدية وتؤكد مكانتهم الروحية. ** تأثير المناخ والبيئة على تطور الرياضة بفضل المناخ الدافئ لمصر، كانت ممارسة الرياضة أمرًا شائعًا في الهواء الطلق. وكانت المساحات الواسعة المحيطة بالمعابد والمقابر أماكن مثالية لممارسة الألعاب الرياضية. أما المواد المستخدمة في صناعة الكرات، فقد كانت مستوحاة من البيئة المحيطة، حيث استخدم المصريون القدماء الكتان وألياف النخيل والجلد لصنع أدوات اللعب. ** هل يمكن اعتبار الفراعنة رواد كرة القدم؟ على الرغم من عدم وجود دليل قاطع على أن المصريين القدماء لعبوا كرة القدم بالمفهوم الحديث، فإن الأدلة الأثرية تشير إلى أنهم مارسوا ألعابًا تعتمد على الكرة، وربما كانت هذه الألعاب شكلاً أوليًا من كرة القدم. إن وجود كرة مصنوعة من الكتان وألياف النخيل، مع مشاهد جدارية تصور الشباب يركلون الكرات، يدفعنا لإعادة النظر في الفكرة القائلة بأن كرة القدم رياضة حديثة. يبقى اكتشاف الكرة في جبانة طرخان شاهدًا على مدى تقدم المصريين القدماء في مجال الرياضة والتسلية. سواء كانت لعبة كرة القدم بالشكل الحديث قد نشأت في مصر القديمة أم لا، فإن وجود هذه الكرة يؤكد أن الفراعنة سبقوا عصرهم في ممارسة الرياضة وتقدير قيمتها في الحياة اليومية. وربما يكشف المستقبل عن المزيد من الأدلة التي تثبت أن المصريين القدماء كانوا من أوائل الشعوب التي مارست هذه الرياضة، بل وربما وضعوا أسسها الأولى قبل آلاف السنين.