وترى أن مُبدِعاً كبيراً مثل نجيب محفوظ يُشيِّد عالمه الفنى مُستجمعاً موهبته وثقافته ورؤاه لكى يتخلَّق عالمه على الورق وفق قوانين جمالية يبتكرها أهدانى الدكتور أحمد بهى الدين رئيس مجلس إدارة هيئة الكتاب، دار النشر الرئيسية فى مصر والوطن العربى، كتاباً جديداً للمثقفة العربية المعروفة الدكتورة اعتدال عثمان، عنوانه: فى بهاء الكتابة، وعدد صفحاته 450 صفحة من القطع المتوسط. وثمنه 140 جنيهاً. وأعتقد أنه ثمن معقول رغم أن إيقاع الرقم يشعرنى بأنه ربما كان مرتفعاً بالنسبة للقارئ العادى. والكتاب عبارة عن مقالات نشرتها صاحبته ثم جمعتها مع بعضها البعض لتُشكّل هذا العمل الجميل الذى كانت حريصة على أن تُسجِّل السنة التى كتبت فيها كل مقال. وتقول عن نفسها: - عندما أتأمل تجربتى النقدية أجد أننى توصلت مبكراً لقناعة أن النقد بالنسبة لى عملية إبداعية تنطلق من النص المنقود، وتطمح إلى محاورة المشهد الثقافى العربى المعاصر من خلال تجسيدها أدبياً فى أعمال روائية وقصصية وشعرية. صدرت على امتداد الساحة العربية، تنتمى إلى أجيال مختلفة ورؤى إبداعية وفكرية متنوعة. وتبدأ بنجيب محفوظ «11 ديسمبر 1911 - 30 أغسطس 2006» فى مقالة كتبتها عام 2018 أى منذ سبع سنواتٍ. وذلك بعد حصوله على جائزة نوبل فى الآداب عام 1988 بسنوات. تقول فيها إنها تتوقف عند ملمحٍ واحد فى نجيب محفوظ يتمثل فى المرحلة الأخيرة من مشروعه الإبداعى السامق، وتتوقف عند عبارة لعبد الجبار النفَّرى التراثى العربى المعروف: كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة. وتعترف أن هذه البداية كانت مهمة بالنسبة لها فى الدخول فى قلب عالم نجيب محفوظ الروائى. وتتوقف أمام عمليه الأخيرين: أصداء السيرة الذاتية التى نُشِرت طبعتها الأولى عام 1995، وأحلام فترة النقاهة التى بدأ نشرها أسبوعياً عام 2002، وهو العمل الذى كتبه بعد نجاته من محاولة الاغتيال الفاشلة التى جعلت نجيب محفوظ يُقبل على هذا الشكل الجديد من الكتابة. وترى أن مُبدِعاً كبيراً مثل نجيب محفوظ يُشيِّد عالمه الفنى مُستجمعاً موهبته وثقافته ورؤاه لكى يتخلَّق عالمه على الورق وفق قوانين جمالية يبتكرها. أما الناقد المُبدِع فإنه ينطلق من النص المنقود ليدخل فى صميم التجربة الإبداعية نفسها. كاشفاً جذورها فى علاقاتها الفلسفية والاجتماعية والنفسية. ومحللاً الأدوات الفنية التى استخدمها المُبدع الأول لتجسيد رؤيته. وموضحاً مواطن الأصالة والإحكام الفنى فيها، ومقدراً مدى قيمتها الفنية والجمالية. والكتاب من المستحيل تلخيصه. فقد تعرَّضت المقالات لأمورٍ كثيرة جداً، ولم تتوقف عند نجيب محفوظ وحده. فقد كتبت عن يحيى حقى، ويوسف إدريس، وسيزا قاسم، وجمال الغيطانى، وهالة البدرى، وعزة بدر. كما أنها ألقت النظر على إبداعاتٍ عربية كثيرة جداً. وعادت مرة أخرى لتكتُب عن نوال السعداوى، وإدوارد سعيد، وإبراهيم فتحى، ورضوى عاشور. وتتوقف أمام قضية العامية والفُصحى فى الكتابة الأدبية، وهى قضية قديمة استمرت معنا كل هذه السنوات. وفى كتابها تُحاول أن تحتفظ ذاكرتها الأدبية بعلاماتٍ تتوارى أحياناً فى دهاليز النسيان أو التهميش أو الاستبعاد من سجل التاريخ الأدبى. إحدى هذه العلامات تتمثل فى كتاب صدر حديثاً للكاتب والمؤرخ الأدبى والشاعر شعبان يوسف بعنوان: مصطفى مشرَّفة قنطرة الذى كفر، ونصوص أخرى، وهو منشور فى دار بتانة سنة 2019. ويستعيد المؤلف معركة صلاحية اللهجة العامية للكتابة الأدبية، وهى التى واكبت نشر مصطفى مشرَّفة نتاجه بالعامية المصرية عام 1965، والتى تأجل نشرها نحو ثلاثين عاماً وأثارت وقت صدورها عاصفة ردود فعل متباينة. يتخذ منها شعبان يوسف مُنطلقاً فى مقدمة الكتاب لمناقشة واسعة يُعيد بها إثارة القضية مرة أخرى. مُنقِّباً عن معلوماتٍ مجهولة، ومستقصياً فى الوقت نفسه أبعاد الآراء التى تراوحت بين رفض الموقف الرافض، والمُتحفِّظ، والإشادة النقدية. وهى معركة عاصرناها وعشناها، وكنا أطرافاً فيها، وإن كان غول النسيان يلتهم منا أحداثا كثيرة مرت بنا وتركت آثارها فينا وما زالت تتركه حتى الآن. فكتابة رواية بالعامية المصرية من الألف إلى الياء مسألة تستحق التوقف أمامها فى كل زمانٍ ومكان، فى كل أقطار الوطن العربى من مشرقه إلى مغربه، ومن شماله إلى جنوبه. وتتناول الكاتبة ثلاثية المماليك لريم بسيونى، وهى رواية تاريخية مكتوبة بوعى معرفى وهندسى وبحس بنائى أشبه ما يكون بتغطية المدن الأثرية القديمة. وتقوم برحلة نقدية مهمة مع عالم ريم بسيونى الروائى.