في سن الرابعة عشر أجادت الفنانة نادية لطفي قيادة السيارات، ونظرًا لكثرة تعطل السيارة التى تعلمت عليها باتت هوايتها المفضلة إصلاح السيارات، وحين ذاعت شهرتها كنجمة سينمائية عمدت إلى اختيار سياراتها بنفسها، وعلى الرغم من اقتنائها العديد من السيارات إلا أنها كانت تفضل الأمريكية الفارهة طراز "شيفروليه" ولارتفاع ثمنها اقتنعت بفكرة التأمين عليها، واضطرت لاحقًا إلى بيعها عام 1977 بعد أن قرر الأطباء سفرها للخارج جراء إصابتها بنزيف فى المخ لإجراء جراحة عاجلة بمستشفى "كانتون" بمدينة زيورخ السويسرية. اسمها بولا محمد مصطفى شفيق ولدت بحى عابدين بالقاهرة فى 3 يناير 1937، وكانت صرختها الأولى بعد ولادة متعسرة بالمستشفى الإيطالى، حيث قامت الراهبة "بولا" بقطع حبلها السرى، ومنح الأب ابنته الوحيدة اسم الممرضة، فيما ورثها الكثير من المبادئ والقيم والاعتزاز بالنفس كرجل صعيدى ينتمى إلى مدينة البلينا بمحافظة سوهاج، أما جدتها لأبيها فسيدة تركية محافظة، فيما تنتمى أمها فاطمة هانم خيرى إلى محافظة الشرقية، وهى سيدة شديدة الالتزام ذات شخصية قوية لم تكن تشجعها على ولوج عالم الفن، بل كانت ترفض ذهابها إلى السينما أو الاحتفاظ بصور النجوم وقتها، ومن بينهن "فاتن حمامة" نجمة "بولا" المفضلة، وكان والدها أيضًا يعارض عملها بالسينما، ولولا زواجها المبكر فى سن 17 عامًا من القبطان "عادل البشاري" ذلك المثقف المستنير وأول حب فى حياتها ووالد ابنهما الوحيد "أحمد" ما قدِّر لها أن تكون "نادية لطفي" نجمة السينما وحلوتها الجذابة. فصلت من المدرسة الألمانية -التى لعبت دورًا بارزًا فى تكوين شخصيتها- قبل أن تحصل على الشهادة الثانوية، جراء الذهاب إلى المدرسة بفستان عيد ميلادها الأحمر، وعلى الرغم من جماله إلا أن إدارة المدرسة اعتبرت ذلك خروجًا على أعرافها الراسخة، ومن رواية "لا أنام" لإحسان عبد القدوس اختارت "بولا" اسمها الفنى من شخصية "نادية لطفي" التى أدتها سينمائيًا نجمتها المفضلة "فاتن حمامة" عام 1957، وكان المنتج الكبير "رمسيس نجيب" التقاها عام 1958 بمحض الصدفة فى حفل أقامه المنتج "جان خوري" صديق والدها، ورأى فيها وجهًا سينمائيًا يصلح لأداء دور بطلة فيلمه الجديد "سلطان" أمام ملك الترسو "فريد شوقي" واقترح عليها تغيير اسمها، ودشنت انطلاقتها المتفردة عبر أفلام: "حب للأبد" 1959، "عمالقة البحار، حبى الوحيد" 1960، "نصف عذراء، مع الذكريات، لا تطفئ الشمس، عودى يا أمى، السبع بنات" 1961، "من غير ميعاد، مذكرات تلميذة، قاضى الغرام، صراع الجبابرة، أيام بلا حب، الخطايا" 1962، وغلب عليها لقب "الحلوة" بعد أن غنى لها العندليب أغنية تحمل الاسم ذاته، وبدا من أفلامها الأولى تمتعها بتلقائية نادرة، وكانت قد ألمحت إلى يوسف شاهين عن رغبتها فى السفر للدراسة بالولايات المتحدة لاستكمال ما ينقصها، لترقى إلى مستوى صديقتها "فاتن حمامة" فقال لها: "إن فاتن "حرفجية" وأنت "تلقائية" ولكل منكما مدرسة متفردة، وأن الزمن كفيل بتحقيق مرادك شريطة الاستمرار" وهو ما قد تحقق وبسرعة مدهشة. عاشت لنحو ست سنوات فى كنف زوجها الثاني المهندس "إبراهيم صادق شفيق" شقيق الدكتور حاتم زوج هدى كريمة الزعيم جمال عبد الناصر، ولم يدم زواجها من المصور الصحفى محمد صبرى طويلًا، وفى بيتها بحى "جاردن سيتي" أقامت صالونًا يضم بين جنباته مشاهير الإعلام والفن والسياسة ما أكسبها ثقافة موسوعية بمخالطتها: "كامل الشناوى، زكى طليمات، أحمد مظهر، أحمد رجب، يوسف إدريس، أنيس منصور، شادى عبد السلام" بالإضافة إلى أصدقائها المقربين: "عبد الحليم حافظ وسعاد حسنى وحسين كمال وسميحة أيوب وأحمد رمزي" وغيرهم، ممن لمسوا صدق مواقفها وحرصها على مساعدة المرضى والمحتاجين من زملاء مهنتها وغيرهم ماديًا ومعنويًا، وجمعها الكثير من الأموال لدعم صندوق الفنانين، فضلًا عن مواقفها الوطنية مع أسر الشهداء عام 1967، وزيارتها لجبهة القتال فى حرب الاستنزاف، ودعمها لمصابى حرب أكتوبر 1973، وتفرغها لأعمال التمريض بمستشفى المعادى العسكرى وقصر العينى، كما عرفت بمساندة القضايا العربية وبمواقفها ضد التطبيع وضد مهادنة الأعداء، وقامت بزيارة الزعيم الفلسطينى ياسر عرفات أثناء فترة الحصار الصهيونى، وكرمها "أبو عمَّار" لاحقًا بزيارتها فى بيتها وأهداها "شاله" الفلسطينى، كما زارت ساحات المقاومة فى بيروت وبغداد، وسجلت شهادتها على فشل الإخوان فى إدارة حكم مصر، وفندت منطقهم السقيم فى إعلاء مصالح الجماعة الإرهابية على مصلحة الشعب، وحرصت على حضور حفل تنصيب الرئيس عبد الفتاح السيسى بقصر القبة فى الثامن من يونيو 2014. تقول نادية المقاوِمة الشرسة: "التاريخ لدينا بدأ حقيقة مع ثورة يوليو، ومن قرأ التاريخ جيدًا لا يلتفت لأقوال المغرضين، فعالمنا يعيش بكل أسف "سايكس بيكو جديدة" والشعوب يتم استهدافها بترويج المخدرات بين الشبان، وتغييب الوعى وإهمال الدور الثقافى، وإغفال دور الكتاب والصحف فى عملية التنوير، وتنميط التدين وحصره فى فكر جامد، بالإضافة إلى تراجع دور السينما فى نشر ثقافة تصحح المفاهيم المغلوطة، فضلًا عن معاناتها من المنتج الجاهل الباحث عن التربح من "العيال بتوع المطاوي" ولا أدرى هل هناك من يدعم أولئك المنتجين فى الخفاء، لتقديم نوعية من الأفلام التى تستهدف بلادنا" وترى أن النقد الذى يدفع الفنان للإبداع والإجادة ضرورة، وهو ما يجعلها تقول: "الدنيا حلوة" وأنا أفضل المقاومة على الشكوى، وأتمثل دائمًا قول الشاعر الكبير كامل الشناوي: "أنا لا أشكو ففى الشكوى انحناء.. وأنا نبض عروقى كبرياء". قدمت مسرحية واحدة هى "بمبة كشَّر" غير أنها ترى أن السينما منطقة نفوذها الآسرة، ولا ينسى لها الجمهور والنقاد معًا أداءها المبهر لشخصيات "مادي" بفيلم "النظارة السوداء" ولويزا ب "الناصر صلاح الدين" وسلوى في "هارب من الحياة" وإلهام فى "للرجال فقط"، ونانى فى "المستحيل"، وإلهام فى "الخائنة"، وزوبة العالمة "قصر الشوق"، ونادية فى "عدو المرأة"، وريرى فى "السمان والخريف"، وزينة في "المومياء"، وفردوس فى "أبى فوق الشجرة" علاوة على أدوارها المتميزة بأفلام: "رجال بلا ملامح، عشاق الحياة، الإخوة الأعداء، على ورق سوليفان، بديعة مصابنى، أبدًا لن أعود، وسقطت فى بحر العسل، وراء الشمس، الأقمر"، تقول نادية لطفى بفخر: "ليس فى حياتى ما أخفيه أو أخجل منه.. عشتها بشرف، وأتحدث عنها بكل صراحة، ومسئولة عن كل ما فعلته ولو عشت من جديد فسأفعل ما فعلته" وتضيف إنها على الرغم من خضوعها للعلاج بمستشفى المعادي - قبل أن تلقى ربها فى 4 فبراير 2020- تمارس حياتها كما تريد وتلتقى الناس ولا تهرب منهم لتقدم العمر بها، فليست ممن يخافون الزمن وتقلباته: وتختم: "أنا امرأة جميلة الفكر أمتلك حرية الروح والإرادة والاختيار".