دول العالم تتسارع وتتنافس من أجل بيئة استثمارية وتجارية وخدمية مستدامة أكثر تنافسية، وذلك على مستوى بيئة استثمارية وتجارية أكثر سهولة وأفضل أداء، وهنا تأتي أهمية ميكنة بيئة الاستثمار والتجارة. واستكمالاً للمقالات السابقة التى تحدثنا فيها عن ميكنة إجراءات الاستثمار والتنويه عن المقالة اللاحقة في استكمال الحديث عن ميكنة الموانيء والجمارك والتجارة عبر الحدود والمنافذ الجمركية براً وبحراً وجواً. يحضرني هنا التساؤل التالي: لماذا موانئ سنغافورة وغيرها من الموانيء الأسيوية والأوروبية وموانيء دبي تحتل مراكز متقدمة فى عمليات إنهاء الإجراءات الجمركية فى أسرع وقت ممكن؟ الحل في تبسيط إجراءات الموانيء وميكنتها على مستوى الميناء ذاتها ومستوى إجراءات الجمارك ومستوى إجراءات التصدير والاستيراد.. إذن هي منظومة فى مصرتحتوى على ثلاث جهات يجب أن تعمل معا (وزارة المالية ممثلا فى مصلحة الجمارك- وزارة الاستثمار والتجارة حالياً ممثلاً فى هيئة الرقابة على الصادرات والواردات وكل الأجهزة المتعلقة بالتجارة الخارجية- ووزارة النقل ممثلاً فى الموانيء التابعة لها.. وبعض الموانىء الأخرى التابعة للهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس). الموضوع أيضاً يحتاج إلى إرادة عليا لفض التشابكات وعدم البحث عن إنجاز فردى وبالبعد عن العمل فى جزر منعزلة..بل بروح الفريق وتجنيب المجد الشخصي. خلال الأعوام 2005-2008 كانت هناك خلية عمل من القطاع الحكومي (من الجهات الثلاثة التى تحدثنا عنها وزارة الصناعة والتجارة الخارجية حينها ووزارة النقل ووزارة المالية) وإشراك القطاع الخاص من المصريين والمخلصين الجمركيين للعمل كفريق عمل لتبسيط مؤشر التجارة عبر الحدود ضمن مؤشرات سهولة أداء الاعمال الذي يصدر بتقرير يسمى بيئة ممارسة الأعمال Doing Business Report عن مؤسسة التمويل الدولية IFC التابعة لمجموعة البنك الدولى، وبدراسة منهجية التقرير والمطلوب عمله استطاعت مصر من خلال هذه الوزارات تحت إشراف وزارة وهيئة الاستثمار حينها التى كانت تدير فرق العمل لتحسين ترتيب مصر الوصول إلى أفضل ترتيب لمصر بالوصول إلى الدول العشرين الأولى على مستوى هذا المؤشر.. ثم بدأ التراجع بعد 2011 إلى أن وصل لمراتب متأخرة حتى 2020، حيث توقف صدور التقرير فى 2020.. ومازالت الشكوى مستمرة من طول وتكلفة إجراءات الموانيء والإفراجات الجمركية على الشركات. تعد سنغافورة ونيوزيلندا الأفضل من حيث بيئة الاستثمار عموماً ثم تتنافس باقي الدول من حيث المؤشرات الفرعية الأخرى، وفى مجال التجارة عبر الحدود كانت سنغافورة وهونج كونج وكوريا الجنوبية كانت الأفضل على مستوى دول شرق آسيا والعالم، وذلك على مستوى الموانيء والإفراجات الجمركية والتجارة عبر الحدود، وفى أوروبا كانت الدنمارك وهولندا وإسبانيا.. وفي الأمريكتين كانت كندا ضمن الدول الأفضل، ومنطقة جبل علي الحرة على مستوى الدول العربية من خلال موانيء دبي. إن سنغافورة وهونج كونج وكوريا الجنوبية أفضل دول العالم من حيث تطبيق النافذة الواحدة الممكينة Electronic Single Windowفى مجال تبسيط منظومة التجارة والجمارك عبر الموانيء. يكفي إنك تشاهد السفن من البرج العالي فى ميناء سنغافورة عندما زرته فى 2008 مع وفد حكومي رفيع المستوى مع مجموعة من رجال الأعمال كرحلة وزارية استهدافية لسنغافورةوماليزيا، والتى خلالها رأينا كيف يراقب السفينة منذ دخولها الميناء والتفريغ حتى خروجها من الميناء بطريقة مميكنة (من غير كلاكيع وتدخل بشري).. وكذلك من خلال التعليم المتميز لديها وتوفير التعامل بلغات متعددة. دول لديها تجارب على أرض الواقع هي الأفضل على العالم.. فماذا ينقصنا لنكون ضمن الأفضل؟!.. ولاسيما وأن لدى مصر مزايا تنافسية واستثمارية عديدة تمكنها لتكون ضمن الدول الأفضل. وهنا أشير إلى تمنياتي أن يخرج إلى النور المركز اللوجيستي المميكن المزمع تشغيله فى منطقة السخنة الصناعية بدعم كامل من شركة اجيليتي الكويتية من واقع تجربتها فى دولة ماليزيا؛ لنتمكن من تقييم التجربة على منطقة السخنة كميناء ومنطقة صناعية.. هل ستكون فعلا باكورة للتطوير أم ستكون هناك معوقات!! نتمنى لمصرنا الحبيبة الأفضل دومًا ولاسيما وأن لها قيادة سياسية حاليا تسعى لتحقيق الأفضل لمصر رغم كل التحديات.