الكلمة يمكن أن تُشعل نيران الغضب الساطع، أو تطفئ ألف حريق.. والكلمات تظلّ ضعيفة، حتى نسكب بنزين الأهواء عليها، فتصير شراراتٍ تستحضر شرور العالم فى لحظات. هكذا بدأ الأمر بعباراتٍ تستدعى عادة روح السخرية، لكن الأمر اختلف هذه المرة، لأنها انطلقت من داخل البيت الأبيض، فأخرجت من قلوب الأعداء المُزمنين سواداً يليق بها، بعد أن شعروا بأن الفرصة سانحة للاصطياد فى مياهٍ عكرة. أفكار التهجير ليستْ جديدة، كثيراً ما انكسرتْ على صخور مقاومة أصحاب الحق، وانحازت الأرض لأصحابها رغم أنف الطغيان، غير أن الموجة الأخيرة جاءت عالية، لأن الجنون يسعى لفرض سطوته على الكوكب، الذى خرج من ينظر إلى خريطته كأنه يراها لأول مرة، ويقول بإن منطقتنا تبدو مثل سطح مكتب فخم، بينما الأرض التى اغتصبها الكيان المحتل لا تتجاوز مساحة سن قلم! من هذه العبارة المراوغة انطلقت فكرة البحث عن وطن بديل لأصحاب الحق، مقابل تفريغ الأرض لصالح المُحتلّ. ولأن الفكرة عبثية، فقد أفرزت نوبات جنون هستيرية أخرى تعتمد على ترويج الأكاذيب وتصريحات الهلوسة، وكأن حل المشكلة يتمثل فى الإسكان البديل! لا يُدرك هؤلاء أن الأوطان فى منطقتنا تسكن أهلها، وتظل تعيش فيهم حتى لو ابتعدوا عنها، وأن أحلام العودة تنتقل عبر الجينات من جيل إلى جيل، ويبقى الحنين ممتداً، إلى أن يتحوّل نتيجة الضغوط لقنابل موقوتة، مصيرها الانفجار ولو بعد حين. الثابت أننا نعيش مرحلة تاريخية فارقة، اختلفتْ فيها أساليب الاستعمار، تماماً مثلما تطور الوعى لدى شعوب العالم، وما حدث مع الهنود الحمر سجله التاريخ كوصمة عارٍ تلاحق مرتكبى الجريمة ولو نظرياً، بينما يوثق الحاضر حالياً ما يجرى على الهواء مباشرة، وهو ما يمنح الرفض الغاضب حضوراً أكثر قوة، يتحول إلى مقاومة شرسة من القادة والشعوب. وذات يوم سيدرك محاولو العبث بالجغرافيا، أن سِن القلم المزعوم يؤدى إلى سَن سكاكين العنف الغاشم!