الهدف من هذه الفكرة هو الحفاظ على الأسرة التى فقدت عائلها، وحماية أبنائها من الانحراف أو التشرد فى أقصى صعيد مصر، وعلى بعد 120 كيلو شمال أسوان، قرية صغيرة، بلا رجال .. قرية تسكنها المطلقات والأرامل فقط مع أبنائهن، قرية المرأة فيها بمائة رجل، تعمل طوال النهار فى زراعة الأرض وحرثها، بينما تتفرغ ليلاً لرعاية الأبناء. قرية كانت صحراء، وتحول جزء كبير منها بأيدى النساء، والنساء فقط، إلى جنة خضراء.. هى قرية «السماحة»، تجربة نموذجية فريدة، بدأت منذ أكثر من 25 عاماً، وحققت نجاحاً كبيراً، لتؤكد للجميع أن النساء حينما يتحملن المسؤولية يكن على قدر الثقة، ويحققن نتائج مذهلة. الحكاية بدأت عام 1998 بتخصيص قرية للنساء المطلقات والأرامل، بمشروع وادى الصعايدة بأسوان . الفكرة بدأتها وزارة الزراعة بإنشاء القرية وتفعيلها، ومنح كل امرأة معيلة منزلاً وقطعة أرض مساحتها ستة أفدنة، وبعد ذلك تولت محافظة أسوان مسئولية القرية. التجربة نموذجية بالفعل، فالمرأة فى قرية السماحة تعتمد على نفسها، وتدبر معيشتها، وتدير كل شئون بيتها وأبنائها، دون الاعتماد على الرجل، فهى تزرع الأرض وتربى الماشية والطيور ، وتأكل هى وأبنائها من الخبز و منتجات الألبان التى تصنعها بيديها، وفوق كل ذلك ترعى الأبناء وتتابع دراستهم، بينما يساعدها الأبناء فى الزراعة خلال فترة الإجازات. باختصار ، المرأة فى قرية السماحة امرأة قوية ، تلعب دور الأب والأم ،وفى حال زواج أى امرأة يسحب منها التخصيص،لأنها أخلت بشروط الانتفاع والإقامة بالقرية، كان الهدف من هذه الفكرة هو الحفاظ على الأسرة التى فقدت عائلها، وحماية أبنائها من الانحراف أو التشرد، وذلك من خلال دعم الأم، ومساعدتها فى توفير مصدر رزق ، يمنحها الثقة فى قدرتها على استكمال الرسالة وتحمل المسئولية وحدها. تجربة رائدة وفريدة من نوعها، نجحت فى توفير بيئة داعمة للنساء اللاتى يواجهن تحديات اجتماعية واقتصادية، ليتحولن إلى نساء منتجات، ولكن رغم تميز التجربة، إلا اننى لا اعرف لماذا لم تنل قرية السماحة ما تستحقه من الشهرة طوال هذه السنوات ، ولماذا لم يتم استغلالها سياحياً واقتصادياً ، ولماذا لم يتم تكرار الفكرة فى محافظات أخرى، لتصبح تجربة مصرية رائدة يتحدث عنها العالم . أتصور أن التجربة كانت تستحق دعما أكبر، وتطويرا مستمرا ، واهتماماً أكبر بتوفير فرص و برامج تدريب حديثة ومتنوعة لمساعدة نساء القرية فى تطوير مهارات جديدة، تناسب تحديات العصر، وتساعدهن فى توسيع نطاق وحجم إنتاجهن. التجربة رائعة، وتستحق التعميم، وأهم ما يميزها أنها ترسخ ثقافة العمل بدلا من «مد اليد»، فتشجيع الفقير على الإنتاج، ودعمه بالمهارات، ومنحه قروضاً صغيرة، أو أرضاً كما فى قرية السماحة، أو أى نواة لمشروع صغير، كل هذا، أفضل كثيراً من فكرة «الدعم» ، سواء كان مالياً أو عينياً، فالدعم يجب أن يوجه فقط لغير القادرين على العمل، سواء بسبب المرض أو السن، أما الأسر التى تضم أفراداً قادرين على العمل، ولا يجدون فرصاً لزيادة الدخل، فيجب أن تكون هناك آلية لمساعدتهم وتوجيههم وتشجيعهم على العمل والإنتاج . «قرية السماحة» ،تجربة يجب استنساخها فى محافظات عديدة، بل يجب دعمها كفكرة اقتصادية ذات بعد اجتماعى، ويجب أيضا استغلالها سياحياً . أتمنى أن يكون تعميم هذا المشروع واحداً من أولويات خطة الحكومة، على خريطة مصر 2030.