في هذه الجريمة اختلطت الأوراق؛ فلم تعد تعرف من الجاني ومن المجني عليه، بلا شك أخطأ المتهم في حق نفسه حينما سلم كل ما يملك لصديقه دون أن يضمن حقه، بحجة مساعدته في السفر للخارج، ولم يحصد غير الخيانة والغدر، بعدما نصب عليه فكانت النتيجة هي ارتكابه جريمة قتل. وقف المتهم داخل قفص الاتهام وطلب أن يتحدث ويبوح عما يدور بداخله، قبل أن يسمع بأذنيه حكم المحكمة وجزاء ما اقترفت يداه من جريمة قتل بشعة راح ضحيتها صديقه، فسمح له رئيس المحكمة بالتحدث، فقال بصوت يعتليه الحزن: «أنا شاب عندي 25 سنة، كان حلمي ابني شقة وأعمل أسرة، المجني عليه أخد مني دهب زوجتي وشقى عمري، أوهمني أنه هيساعدني أسافر للخارج، صدقته لأنه صديقي وعشرة عمري، ظللت سنة و3 شهور مستني السفر، وأبني أحلامي الوردية، طالت المدة ولا شيء يتحقق، الناس قالت لي انه نصب عليا، قلت استحالة ينصب عليا ده صاحبي وعشرة عمري، بدأت أدور لحد ما تأكدت أنه نصب عليا، بدأ يتهرب مني ماكنش في نيتي قتله، ذهبت له لأتحدث معه بالحسنى، اشتد الخلاف، فجأة تهجم عليا وكان هيموتني بالكوفية، تماسكت ودافعت عن نفسي وخنقته بها، قولتله اتشاهد، وأول ما لاقيته بيترعش خوفت وبعدت عنه وفجأة مات، قرأت عليه الفاتحة وسلمت نفسي للشرطة، أنا ماكنتش عايز اقتله.. أنا حياتي ادمرت بسببه»، ثم دخل المتهم في نوبة من البكاء.. تفاصيل مثيرة ومأساوية عن تلك القصة التي دارت أحداثها داخل محافظة البحيرة، وتحديدا كوم حمادة.. ولا تزال في القضية تفاصيل مثيرة. الحكاية المتهم، شاب يدعى أنس، يبلغ من العمر 25 عاما، يعيش مع أسرته في بيت صغير بإحدى قرى مركز كوم حمادة، بمحافظة البحيرة، يعمل سائقًا، لكنه كان يحلم بالثراء والسفر للخارج، حتى أقنعه صديق له يدعى أيمن أنه سوف يساعده في السفر، فرح أنس وراح يلبي كل طلباته، فباع كل ما يملك حتى ذهب زوجته، لكي يحقق حلمه، وبدأ ينسج أحلامه الوردية بالسفر وتعويض زوجته عن الذهب الذي أخذه منها، لكن فاق من أحلامه الوردية على كابوس وواقع مرير عندما وجد صديقه نصب عليه في تحويشة عمره، لم يكن أنس يتوقع ولو لحظة واحدة أن صاحبه الذي استأمنه على أمواله سينصب عليه، جن جنونه، ظل يبحث عنه هنا وهناك، ذهب لوالده وقص عليه الحكاية فوعده أنه سيحل المشكلة ويرد له أمواله، لكن لم يحدث شيء، فاتخذ أنس قراره بالذهاب بنفسه لصديقه وطلب أمواله، فاشتد الخلاف بينهما ووصل حد التشابك بالأيدي، فوجد أنس نفسه ارتكب جريمة قتل راح ضحيتها صديقه، خنقه بالكوفية ولم يتركه إلا بعدما أصبح جثة هامدة، جلس بجواره لا يدري ماذا يفعل، يبكي تارة ويتذكر حياته الهادئة التي انقلبت رأسًا على عقب تارة أخرى بسببه، في لحظة خسر كل شيء؛ أمواله، أسرته حتى حياته، وتلوثت يداه بالدم، فاق من شروده وقرأ الفاتحة على روح صديقه الذي مات بين يديه، وذهب ليسلم نفسه للشرطة، وبدأت النيابة في تحقيقاتها ووجهت للمتهم تهمة القتل من غير سبق إصرار أو ترصد، وتحولت القضية للجنايات. مرافعة النيابة والحكم ويوم جلسة النطق بالحكم، أفصح المتهم عما بداخله بشأن جريمته، بعدما ألقى المستشار عمرو المعتصم، ممثل النيابة العامة، مرافعة قوية خلال جلسة المحاكمة، فأكد أن أعمق الانفعالات البشرية وأشدها قتامة، حين ينقلب الحزن إلى غضب، والتروي إلى اندفاع. وأضاف ممثل النيابة العامة خلال المرافعة؛ أن تحول القانون إلى شرعية الانتقام يفسح المجال لسيادة قانون الغابة، والذي يسود فيه البقاء للأقوى بالقوة وليس للمقتص.. جئناكم بالقاتل ليسلك طريق المجتمع السليم بعدما أصر على طريقه الخاطئ بعناد في الحق واهٍ، فقصاص مشوه ثم قتل للنفس البشرية التي حرم الله قتلها». ثم بدأ ممثل النيابة العامة، في سرد تفاصيل القضية، فقال: «بدأت وقائع الدعوى منذ تعارف المجني عليه على المتهم، ونشأت بينهما علاقة صداقة استمرت على مدار عامين، موضحا بأنه خلال هذه الفترة قدم المجني عليه عرضًا على المتهم لتسهيل إجراءات سفره للعمل بالخارج مقابل مبلغ مالي، حيث وافق والده على الأمر، وباع المتهم مجوهرات زوجته الذهبية ليسدد تلك المبالغ، فوالد المتهم اقترض مبالغ مالية من اليمين واليسار ليكمل تلك الأموال للمجني عليه، وذلك قبل وقوع الجريمة بعامين، والمتهم استمر في الثقة بالمجني عليه بحكم صداقتهما، ودفع مبالغ مالية على دفعات على أمل أن ينفذ وعده، وتوطدت علاقتهما خلال تلك الفترة من خلال الزيارات المتبادلة بين منزل القتيل ومنزل المتهم، وبعد طول مدة السفر، بدأ المتهم في الشك في الأمر برمته، ما جعل الأمور تأخذ منحى مختلفًا». وأضاف: «المتهم بعد أن تأكد من كذب ادعاءات المجني عليه، وجد نفسه أمام خيارين الأول هو اللجوء إلى القضاء للحصول على حقوقه، والثاني هو المطالبة بحقوقه بناء على علاقة الصداقة التي كانت تجمعه بالمجني عليه، فاتجه المتهم نحو والد القتيل للمطالبة بدين ابنه، حيث لم ينكر الوالد حقه، ووعده بحل المشكلة، لكن الأمور لم تسر كما كان متوقعًا، فالمتهم قضى ليلة كاملة مع المجني عليه، حيث واجهه بمشاعره، وأكد له أنه سيعيد الأموال في صباح اليوم التالي، لكن صباح اليوم التالي شهد تصاعدًا في التوتر؛ إذ سيطرت مشاعر الانتقام على المتهم، وفي مشادة كلامية بينهما، اندفع المتهم محمولًا برغبة الانتقام، وعبّر عن مشاعره بكلمات غاضبة: «لقد سلبت مني أحلامي وأموالي، واليوم سأنتزع حياتك وروحك»، فلم يكن المتهم يهتم بالقانون أو بالعلاقة السابقة بينهما، بل كان يسعى للانتقام.. بدأت الأحداث تتصاعد عندما اعتدى المتهم على المجني عليه بشكل وحشي، حيث استخدم كوفية القتيل لخنقه، مصممًا على إنهاء حياته، ومع تصاعد الغضب، استمر المتهم في الاعتداء على ضحيته حتى فارقت روحه الحياة». وبعدما انتهى ممثل النيابة العامة من مرافعته، والاستماع لمرافعة محامي المتهم والمجني عليه، أسدلت محكمة جنايات دمنهور الستار على تلك الجريمة، فقضيت برئاسة المستشار وائل حسن الشربيني، رئيس المحكمة، وعضوية المستشارين خالد رمضان جعفر، وأحمد حسين الحداد، وزكريا رمضان عامر، وسكرتارية مصطفى محمد قاسم، بحبس المتهم 15 سنة. اقرأ أيضا: بسبب الخلافات .. مقتل تاجر على يد 3 جزارين بالجيزة