تخيلوا معى قوات عسكرية مدججة تقتحم مخيمات اللاجئين فى غزة، وتضرب الفلسطينيين بالبنادق الآلية والصواعق، وتحشرهم فى طائرات نقل ثقيلة إلى الصومال أو مناطق صحراوية غير مأهولة. ستكون نقطة سوداء وعاراً لن يمحوه الزمن، وسجلات مسطرة بدموع الأطفال وذعرهم، وصرخات الأمهات ودموع العجائز، ودعوات المظلومين التى يهتز لها عرش السماء، فليست هناك آلام فى الحياة تفوق التهجير القسرى وترك الأهل والجيران والأوطان. وتكتمل فصول المأساة بقرار وزير الدفاع الإسرائيلى لجيشه، بإعداد الخطط العاجلة لتنفيذ أوامر ترامب بتهجير الفلسطينيين، إزاى وفين وإلى أين.. وهل من السهل أن تقتلع شعباً من أرضه وتذهب به الى المجهول؟. المسألة ليست سكيناً يمضى بسهولة فى قطعة جاتوه، والشعب الذى ذهب بمئات الآلاف عبر الجسر الى الشمال بعد وقف إطلاق النار، سوف يكون أهون عليه أن تخلع عيونه ولا تمس أرضه، ينامون فى العراء وفى عز البرد أو الصقيع، تحت أهوال الغارات والقنابل والصواريخ، ولا تختفى من وجوههم نظرات الأمل. هذا الشعب يستحق كل جوائز نوبل السلام، وأن يخلع له الغرب الجاحد القبعة ثناء واحتراماً، وليس أن يكافأ بعد خمسة عشر شهراً من القتل والترويع، بأن يُفرض عليه التهجير القسرى. الفلسطينيون الذين لم يتركوا غزة تحت النار، لن يرحلوا عنها بعد وقف إطلاق النار، شعب يودع شهداءه بالدعاء والهتاف والصبر والإيمان بالله، لن يستسلم أبداً ولن يخاف، فقد ارتكبوا ضده كل الجرائم وظل واقفاً على قدميه. والسؤال: هل هذه هى أمريكا التى تروج نفسها كرمز للحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، ويتجسد ذلك بشكل رمزى فى تمثال الحرية، الذى قُدم كهدية من فرنسا عام 1886 ليكون علامة على القيم الإنسانية النبيلة؟. وتحت أى قانون أو شريعة يمكن ان يُنتزع سكان غزة من بيوتهم وشوارعهم ومساجدهم وكنائسهم، ومن ذكرياتهم الجميلة فى وطنهم، ويذهبون الى الشتات، وكأنها غزة قطعة أرض ليس لها أصحاب، وتُقدم هدية لمن يفعل ما يشاء بها. نظرت مراراً لملامح الوجوه وهى تقدم فى المؤتمر الصحفى مبررات الجريمة الكبرى، ولم تخرج عن كونها صدمة سعيدة لنتنياهو، الذى ذهب الى أمريكا طالباً أسلحة إضافية للقضاء على حماس، ففوجئ بأن العطية أكبر مما توقع، إنها غزة كلها. ولم يكن سيناريو ذبح غزة مُحكماً أو مُعداً بدقة، بل مجرد مجرد مقترح جاء على استعجال، ولن يرى النور مهما كانت التضحيات، ولا أتخيل أن التاريخ الأسود للحروب تضمن مثل هذا الإجحاف، غزة التى يتم تعميرها دون أن تساهم أمريكا، لن تسمح أمريكا بعودة الفلسطينيين إليها بعد الإعمار. اعتقادى الراسخ أن أمريكا سوف تراجع حساباتها بعد أن شاهدت ردود الأفعال الرافضة والغاضبة.