هناك في واشنطن كانت الأعين محدقةً نحو أرض غزة.. وعودٌ في الهواء أطلقها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كرمادٍ اشتدت به الريح في يومٍ عاصفٍ، ليتذرع من خلالها لتنفيذ مخططه، الذي يصح أنه يُوصف ب"الشيطاني"، بتفريغ قطاع غزة من أهله بدعوى تمكينهم من العيش بسلام في مكان آخر، ولكن في الحقيقة هو مقترحٌ ظاهره قبل باطنه هو تهجير شعبٍ بأكمله من أرضه لصالح أطماع سيد البيت الأبيض ورغبات حلفائه في تل أبيب. "ريفييرا الشرق الأوسط".. هكذا نسج الرئيس الأمريكي لأهل غزة أمنيةً "معسولةً" لكنها في حقيقتها أشبه بسراب رآه أهل غزة من قبل في أعين آبائهم وأجدادهم، الذين هُجّروا من أرضهم وديارهم منذ عشرات السنوات ولم يقرعوا أبوابها بعد مرةً ثانيةً بعد أن استعمر المحتلون عنوةً أرضهم وبيوتهم التي خوت من أصحابها الأصليين. وقبل أكثر من قرنٍ من الزمان أسدى وزير الخارجية البريطاني آرثر بلفور وعد "من لا يملك لمن لا يستحق"، وبيّت أهل فلسطين منذ 1948 في "نكبة مستمرة"، ليأتي الآن ترامب ليخرج علينا بمقترح يريد من خلاله في أرض غزة أن يستأثر ب"ما لا يملك ولا يستحق". ردة الفعل الغاضبة سواء في غزة وما حولها كانت حاضرةً دون غياب، وبدا عند الغزيين التشبث بالأرض التي أحرقتها الحرب وجعلتها مجدبةً فوق الركام هي السطر الأوحد والعنوان الرئيس، الذي يفي بكل المعاني دون استرسال في متنٍ أو تأويلٍ في أحرف وكلمات. اقرأ أيضًا: تحقيق| «عائدون إلى المنزل».. كيف وجد الغزيون ديارهم «المتهالكة» بين أطلال الحرب؟ اتفاق مع ترامب «في نقطة واحدة» وفي أعقاب مقترح ترامب، الذي خرج خلال تصريحات أدلاها وإلى جواره رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، قالت الحكومة الفلسطينية في غزة إنها تتفق مع تصريحات ترامب ولكن "في نقطة واحدة فقط". وقال المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، في بيانٍ صدر عنه، حصلت بوابة أخبار اليوم على نسخةٍ منه، "في ظل التصريحات الصادرة عن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن أفكار تهجير شعبنا الفلسطيني، فإننا نود التأكيد على أننا نتفق مع الرئيس ترامب في نقطة واحدة فقط، وهي أن سكان غزة لا يرغبون في العودة إلى مخيماتهم المدمرة، لأنهم لم يختاروا هذه المخيمات يومًا، بل تم تهجيرهم قسرًا من قراهم ومدنهم الأصلية عام 1948". وأضاف المكتب الإعلامي الحكومي: "وعليه، فإن الحل الحقيقي والعادل لا يكون بإعادة تهجيرهم أو فرض مخططات تصفوية، بل بتمكينهم من العودة إلى ديارهم التي هُجروا منها قسرًا وفقًا للقرارات الدولية. وإلى حين ذلك، نطالب بإدخال كافة المساعدات ومواد الإعمار إلى قطاع غزة دون قيود أو شروط". وأكد المكتب الإعلامي الحكومي رفضه بشدة التصريحات العنصرية التي تعكس نظرة استعلائية تجاه الشعب الفلسطيني، وكأنه مجموعة من العبيد يمكن ترحيلهم أو التصرف بمصيرهم وفق أهواء السياسة الأمريكية. وشدد المكتب الإعلامي الحكومي على أن هذه العقلية الاستعمارية لم ولن تجدي نفعًا، فشعبنا الفلسطيني صاحب الأرض، ومتجذر فيها، مضيفًا أنه "إذا كان هناك من يجب أن يرحل، فهم المحتلون الغرباء الذين اغتصبوا أرضنا بقوة السلاح والدعم الخارجي منذ 77 سنة من القتل والتهجير القسري المخالف للقوانين الدولية". حديث حكومة غزة أبان عن تأكيدٍ واضحٍ لحق الفلسطينيين في أرضهم وللفتٍ للانتباه إلى أن عددًا كبيرًا من سكان غزة، والذي يعيشون بالفعل في المخيمات هم بالأساس تم تهجيرهم من أرضهم في الداخل الإسرائيلي المحتل واضطروا للعيش في المخيمات داخل قطاع غزة كلاجئين هناك. غزة «العنيدة» لأهلها وعلى الصعيد الشعبي بعيدًا عن حديث حكومة غزة، قال التجمع الوطني للقبائل والعشائر والعائلات الفلسطينية في غزة إن "ترامب يهذي وإن غزة العنيدة ستبقى لأهلها". وقال التجمع الوطني للقبائل والعشائر، في بيانٍ صادرٍ عنه، حصلت "بوابة أخبار اليوم" على نسخةٍ منه، "خرج علينا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمس بتصريحات مستهجنة، يدعو فيها الغزيين للهجرة والمغادرة من أرض غزة المعمدة بدماء الشهداء الأبطال، ليشتت شعبنا في منافي الأرض والشتات، تنفيذاً لرؤية خبيثة خططت لها الصهيونية الدينية، ولينتقل بعدها لضم الضفة المحتلة وإنهاء القضية الفلسطينية لتكون فلسطين وطنًا خالصًا للصهيونية، ومن ثم التمدد والانطلاق منها لتحقيق حلمهم وأسطورتهم الخيالية بإقامة ما يسمى بإسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل". وأكد التجمع الوطني للقبائل والعشائر والعائلات الفلسطينية أنه يدرك خطورة مخطط ترامب، الذي يرى في المنطقة العربية كلها "سوقًا لطموحاته التجارية الجشعة مستغلًا الحالة العربية الراهنة". وشدد التجمع الوطني على الموقف الأصيل والرافض لمؤامرة التهجير، وقدّر عاليًا موقف مصر والأردن ودورهما وموقفهما الداعم لحق الشعب الفلسطيني في وطنه وعدم التجاوب مع ضغوط ترامب في المشاركة في جريمة التهجير، داعيًا جميع الدول العربية للوقوف سدًا منيعًا في وجه المؤامرة. ووجه التجمع الوطني رسالةً إلى ترامب مفادها: "على ترامب أن يقرأ جيدًا تاريخ غزة التي هزمت كل غازٍ ومعتدٍ، ولا زال أرشيف التاريخ يحفظ كيف هزمت غزة التتار والمغول ونابليون من قبل، فغزةوفلسطين لأهلها، وهذا وطننا نحميه بدمائنا وأشلائنا جيلاً بعد جيل". مطمع ترامب وفي أحدث ما قاله الرئيس الأمريكي حول مخططه في غزة، ذكر ترامب أن إسرائيل ستُسلم قطاع غزة إلى الولاياتالمتحدة بعد انتهاء القتال، حسب قوله. وأضاف ترامب، في منشور له على منصته "تروث سوشيال" أن "الفلسطينيين سيكونون قد تم توطينهم بالفعل في مجتمعات أكثر أمانًا وجمالاً، مع منازل جديدة وحديثة في المنطقة"، حسب قوله. وأشار ترامب إلى أنه "لن تكون هناك حاجة لجنود أمريكيين" وأن الاستقرار سيعود إلى المنطقة، موضحًا أن الفلسطينيين سيكون لديهم "فرصة للعيش في سعادة وأمان وحرية"، حسب تعبيره. استنكار وفعاليات غاضبة وفي الأثناء، لم تغب ردة الفعل بين أهالي قطاع غزة، فيقول الصحفي الفلسطيني منذر الشرافي، المقيم في قطاع غزة، إن موضوع تهجير سكان غزة هو مطروح بالأساس منذ 55 عامًا وباء بالفشل، مضيفًا: "فإذا كان أمر التهجير قبل 55 سنة وفشل فما بالكم اليوم والفلسطيني متشبث بأرضه وترابه ووطنه أكثر من الأعوام السابقة". ويضيف الشرافي، ل"بوابة أخبار اليوم"، "كانوا يقولون إنه سيموت الكبار وينسون الصغار، ولكن أصبحت المقولة الآن يموتون الكبار ويبقى الصغار متشبثين بالأرض الفلسطينية". ويذكر الشرافي إلى أن ردود الأهالي في قطاع غزة كانت عبارة عن شجب واستنكار لهذه الدعوات لتهجيرهم من أرضهم، وكان هناك عدة فعاليات ترفض هذا وتندد بهذا المطلب. دعم لموقف مصر وينوه الشرافي إلى أنه إضافةً إلى ذلك كانت هناك فعاليات نصرة لمواقف الحكومة المصرية المتمثلة في الرئيس عبد الفتاح السيسي والشعب المصري الشقيق، الذي كان لا يزال ويحافظ على قضية اللاجئين الفلسطينيين والقضية الفلسطينية ككل. ويشير الشرافي إلى أن الفاعليات كانت في مدينة غزة، وأيضًا في مدينة خان يونس، وفي شمال قطاع غزة أيضًا، إلى جانب فاعلية دعم الموقف المصري في منع تهجير الفلسطينيين. ويؤكد الصحفي الفلسطيني أن "لسان حال أهل غزة هي أن هذه الأرض أرضنا وليرحل المحتل عنها.. وهذه أرض فيها جذور أجدادنا وهي بالأصل فلسطينية، وهم الدخلاء وهم المحتلون لهذه الأرض، وقد باءت جميع المخططات الصهيو أمريكية منذ عام 1948 في اقتلاع الشعب الفلسطيني من أرضه بالفشل". صوت واحد.. «لن نرحل» ومن جانبه، يقول سامي شحادة، المصور الصحفي من غزة، إنه " يزداد الشعور بالقومية والارتباط بالوطن أكثر عندما يشعر الإنسان أن هويته في خطر". ويضيف شحادة، ل"بوابة أخبار اليوم"، "عجبًا لمثل هكذا رئيس أبله، ألم يخبره مستشاروه بخطورة ما يقول؟ وأن هكذا أقوال وتصرفات لن تزيد الناس إلا إصرارًا على البقاء"، وذلك حسب تعبيره. ويتابع شحادة، "وقال لنا أحد زملائنا الصحفيين في غزة: منذ الصباح أجريت أكثر من عشرين مقابلة صحفية مع أناس من مختلف الشرائح.. فلم أسمع سوى صوت واحد، رغم كل الدمار والنزوح والقصف والقتل والتجويع.. لن نرحل.. هنا باقون.. فهل سمع ترامب الجواب؟". ويمضي شحادة قائلًا: "إذا كان الناس في الشمال تحت القصف والجوع والدمار لأكثر من سنة ونصف لم تخرجهم من ديارهم أعتى قوى الأرض.. ويقولون نحن أصحاب الأرض ولن يشاركنا فيها أحد ولن يخرجنا منها أحد أيًا كان.. لا ترامب ولا غير ترامب". ويتابع قائلًا: "هذا حديث جميع من يعيش في قطاع غزة.. حتى من هم خارج غزة يتمنون العودة إليها اشتياقًا وحبًا لها".