علاقة الشعب المصري بأرضه، أكبر بكثير من مجرد تصريح خرج هنا أو هناك، فهى علاقة تاريخية وحقيقة مؤكدة ومجربة، تصل إلى درجة التضحية بروحه من أجل حبة الرمل، كما أن ثقة الشعب نفسه بجيشه وقيادته تصل إلى أعلى مراحلها فى الأزمات أو عند المساس بالثوابت المقدسة للمصريين وفى مقدمتها أرضه وكرامته، والعمل على استمرار الدور التاريخى للقاهرة، فى الحفاظ على كافة حقوق الشعب الفلسطينى الشقيق، وفى العموم عندما يشم أى نذير بالخطر حتى ولو كان مجرد مخاوف، وأعتقد أن كل تلك الحقائق قد نقلتها وأكدتها انتفاضة الشعب المصرى التى امتدت إلى رفح، حيث حدودنا مع فلسطين، بمجرد أن وصلته تصريحات الرئيس الأمريكى بخصوص نقل فلسطينيين من قطاع غزة إلى الدول المجاورة، بعد أن تسببت حرب إسرائيل فى غزة بأزمة إنسانية وفوضى، بما يتيح إعادة ترتيب القطاع بالكامل. ودعونى أبدأ بتحية متعددة المحاور إلى الشعب المصري، الذى وضع هواة الصيد فى الماء العكر فى مكانهم الذى يستحقونه، والحكومة المصرية التى واصلت دورها التاريخى نحو إخوتنا وأهلنا فى فلسطين وكل القائمين على التعامل مع الجانب الإنساني، وتحية للدبلوماسية المصرية بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى على تعاملها الرائع مع كافة مستجدات ملف غزة والقضية الفلسطينية، الذى سيسجله التاريخ بحروف من نور، وأعتقد أن القاهرة قادرة على التعامل مع التحديات المتوقعة خلال السنوات المقبلة، فلن يكون ذلك بحسب توقعى نقطة الاشتباك الأخيرة، وهذا شيء طبيعى فى ملف ساخن مثل فلسطين، وخير شاهد على الجاهزية والقدرة المصرية، هو تلك الأنباء الإيجابية بخصوص الاتصال التليفونى الذى تم بين الرئيسين السيسى وترامب، سواء فى القاهرة أو واشنطن، والقدر الكبير من الاحترام الذى ساد التصريحات المعنية بذلك الاتصال. الأمر المؤكد أن الرئيس الأمريكى أصدر تصريحاته بعد دراسة قد تمت، وليس من قبيل الصدفة، ونفس الشيء يمكن أن نقوله بخصوص الحرب التجارية التى دشنها، التى ستشعل الأسواق العالمية وتشغل لجان منظمة التجارة العالمية، وربما يكون ذلك من قبيل التصعيد بهدف الضغط للحصول على أكبر مكاسب ممكنة فى المفاوضات البعدية لتلك القرارات، ويمكننا أن نتوقف عند اقتراح تهجير أهل غزة من أجل تنظيف القطاع وتحويله إلى مكان قابل للحياة، فى حين تصدر نفس الإدارة الأمريكية تعليماتها للبنتاجون برفع الحظر المفروض على توريد قنابل ال2000 رطل لإسرائيل، وهى القنابل الأمريكية التى أسقطتها طائرات أمريكية الصنع، وسط صمت أمريكى لا إنسانى على جرائم إبادة جماعية، قد يأتى يوم ويحاكم مسئولون أمريكيون عنها، ولماذا لا يكون نقل الفلسطينيين إلى فلسطين نفسها إلى تلك المستوطنات الفارغة فى غزة أو أى منطقة أخرى حتى لو فى فلسطين ماقبل 1948، ولماذا لا يتم نقلهم إلى أمريكا نفسها بحسب ما قال الكاتب الإسرائيلى جاكى خورى فى مقال له قى صحيفة هاأرتس؟! اللهم إلا إذا كان هدف ذلك «الطرح الترامباوى» براجماتى بحت، بحيث ينشغل العالم بمناقشته، ولا يتوقف كثيرا أمام ما سيتم كشفه من ارتكاب قوات الاحتلال، جرائم إبادة جماعية وعمليات وحشية ضد الإنسانية فى غزة وغير ذلك من الأهداف الضمنية، ولا أدرى لماذا تذكرت هنا مبادئ الرئيس الأمريكى العظيم وودرو ويلسون، وتساءلت عن الأسباب التى جعلت العدالة وحقوق الشعوب تحت الاحتلال وحق تقرير المصير، فى آخر اهتمامات الرؤساء الأمريكيين، وهل يمكن أن تتذكر الإدارة الأمريكية إرثها الإنسانى والأخلاقى، وهل يمكن حقن جينات ترامب بمبادئ ويلسون؟! وما أعتقده أن القاهرة ستنجح فى وضع كل الأوراق على الطاولة، وكذلك فى وضع كل الأطراف والقرارات والأفعال فى سياقها الطبيعى والمناسب، وكانت نقطة البداية الاجتماع السداسى العربى الذى أكد بشكل قاطع على رفض تهجير واقتلاع الفلسطينيين من أرضهم، ثم الخطوة المرتقبة المتمثلة فى استضافة مؤتمر بالتعاون مع الأممالمتحدة لإعادة إعمار قطاع غزة ، ودور المجتمع الدولى فى تلك العملية، فضلا عن إمكانية تفعيل الآليات التى تحكم عملية السلام، فلا يمكن أبدا اتخاذ أى إجراء فى غزة بمعزل عن اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل، التى وقعتها معهما أمريكا بوصفها الراعى والضامن لذلك الاتفاق، ومناقشة انتهاكات إسرائيل لبنودها، سواء بسيطرة جيش الاحتلال على الشريط الحدودى «المنطقة د»، وعدم الالتزام باتفاقية فيلادلفيا الموقعة 2005 بمشاركة الاتحاد الأوروبي، وكذلك الخرق الخطير لاتفاقية السلام التى ألزمت الجانبين باحترام الكرامة الإنسانية والحقوق الأساسية للسكان فى الأراضى المحتلة، وبالطبع فإن كل الخيارات مفتوحة أمام الدبلوماسية المصرية المخضرمة لإلزام كل الأطراف بالتزاماتهم، سواء عبر الشراكة الاستراتيجية المصرية الأمريكية، أو عبر آليات اتفاقية السلام نفسها، باعتبار القاهرة هى الأمينة على حقوق الشعب الفلسطيني الشقيق، ذلك الشعب المحتل الأعزل الذى ينقسم قادته فى أوقات يصبح فيها الانقسام هو العار نفسه! ودائما ودوما وأبدا.. تحيا مصر.. وعاش شعبها وجيشها. ◄ بوكس من هو صاحب ميدان رمسيس؟!