خلال تسعة أيام، نجح المعرض في اجتذاب أكثر من أربعة ملايين زائر، وهو عددٌ لو تعلمون عظيم، في ظل تحذيرات متتابعة من تراجُع معدلات القراءة، وفقدان هذه الهواية لمُحبيها. الرقم يدعو إذن للتفاؤل، حتى لو حاول البعض التقليل من شأنه، باحتساب نسبة الزائرين إلى تعداد سكان مصر، غير أن الأمر أيضا يتطلب تحليل بعض الجزئيات. إذا افترضنا أن متوسط مشتريات كل زائر مائة جنيه فقط، فإن ذلك يعني أن المبيعات سوف تقترب من 500 مليون جنيه، إن لم تتجاوزها بفعل زيادة عدد الزائرين في الأيام التالية لهذا الإحصاء، فضلا عن أن المائة جنيه ليست معيارا دقيقا للحساب، لأنه رقم ضئيل، لكن النصف مليار يعني أن لدينا صناعة ثقافية حقيقية، يُمكن استثمار مليونياتها بشكل أفضل، لو اعتمدنا على أساليب إدارة تُجيد استغلال الفرص المتاحة. في مكانه القديم بمدينة نصر، كان المعرض يرفع شعار: «اللي ما يشتري يتفرج»، خاصة أن زوارا كثيرين ليسوا مغرمين بالكتاب، بقدر ما يجذبهم المكان القريب من وسط المدينة، الذي يوفّر رحلة رخيصة، تكفل لأسرة كاملة فرصة الاستمتاع بشمس أجازة نصف السنة مقابل حفنة جنيهات، وهو أمر لا ينطبق على الموقع الجديد، الذي يتطلب استعدادات مسبقة، وتخصيص ميزانية أكبر للانتقالات، مما يعني أن ملايين الحريصين على هذه الزيارة السنوية، صاروا يمثلون جمهورا حقيقيا لصناعة الثقافة، لكن هذا الجمهور يشكو من ارتفاع أسعار الكتب، وهى مشكلة حقيقية لا تُعبّر بالضرورة عن جشع الناشرين، لأن أسعار الورق والطباعة تضاعفت بشكل كبير، وامتدت إلى إصدارات هيئات وزارة الثقافة، غير أن النشر الحكومي حافظ على ميزة نسبية برخص أثمان إصداراته مقارنة بباقي الناشرين. في ظل هذه المتغيرات، أعتقد أنه ينبغي على الوزارة أن تتبنى شراكات مبتكرة مع القطاع الخاص، وتستحدث أشكالا من الدعم، تضمن وصول الثقافة لمستحقيها، باعتبارها أحد أهم أسلحة قوتنا الناعمة، التي تدعم هويتنا وسط عالم مضطرب.