بعيدا عن السلات والطاولات والتعاويذ التى يدعى البعض استحضار أرواح الراحلين من خلالها استطاعت دورة معرض الكتاب هذا العام عبر برنامج طواف استدعاء روح واحد من الأفذاذ المعطائين الذين قدموا لأوطانهم الكثير جدا من الثمرات الناضجة فى أكثر من حقل وميدان هو العالم الأديب الراحل د.أحمد مستجير لتستلهم الأجيال من تجربتها ورحلة عطائها المثال، فقد كان مستجير من هؤلاء الذين نسوا حظوظ أنفسهم فى رحلة بحثهم المضنية عن الحقائق الكاملة وراء الأسئلة الغامضة وبدأ فى أوقات توغله الشاق فى أدغال المعرفة المحيرة يبدو كالنُّساك المنقطعين والمتصوفة الزاهدين العاكفين على بلوغ مراقى الصعود لذا تراهم محنيين على مهامهم منكفئين على رسالتهم لا تلهيهم متع العالم ولا تجذبهم زخارف الدنيا وزهرتها. وقد تفانى فى تحقيق ذلك، لهذا استحق لقب رائد زراعة الفقراء فقد نجحت بحوثه فى توظيف إمكانات الهندسة الوراثية، وقفزات التقنيات الحيوية لزيادة إنتاجية نوعية من القمح والأرز، ولم يكتف بأبحاثه العلمية الرائدة بل اضطلع بدور تثقيفى غاية فى الأهمية بنقل اكتشافات العلم الحديث إلى مجتمعه ومد الجسور بين بلاده وبين أحدث ما توصل إليه العصر من فتوحات عبر الترجمة ونقل إلى العربية التى عاش عاشقا لها وفارسا من فرسانها، المؤلفات التى تشرح طفرات العلم وقفزاته مثل اكتشاف الخريطة الجينية للإنسان وطب الخلايا الجذعية والتكنولوجيا الحيوية وقد برزت ترجمته لكتاب مكتشف اللولب المزدوج أو الدنا كنموذج للترجمة العلمية البارعة والجميلة فى نفس الوقت، حيث لم تكتف بدقتها بل تميزت بلغة جذابة حسناء، ولم لا وصاحبها شاعر رقيق وأديب مرهف الحس، ويبرز ديوانه «أنات ناى قديم» ممثلا لشاعريته.