جريمة قتل بشعة، اهتزت لها القلوب وتقشعر منها الأبدان، المجني عليهما أم وابنتها، والقاتل هو الزوج؛ الذي انتهك الميثاق الإلهي المقدس، واستبدل المودة بالعداوة والرحمة بالقسوة والأمانة بالخيانة، سكنت إليه زوجته فقابلها بالخسة والندالة.. تجرد من كل معاني الإنسانية وانجرف وراء براثن أفكاره الضالة ونفسه الآثمة، لم يحفظ ما بينهما من فضل أو معروف، ولم يسع المتهم لإصلاح علاقتهما بل تخلى عن مروءته وسلك دربًا شيطانيًا حتى أفضى به إلى أن قرر قتلها هي وابنته فلذة كبده.. حول بيتهم لسلخانة تعذيب ثم قتلهما بأبشع طريقة.. تفاصيل مثيرة ومأساوية نسردها في السطور التالية. ◄ رئيس المحكمة: لإعلاء كلمة الحق.. الإعدام للقاتل الحكاية بدأت قبل عشرين عامًا من الآن، داخل قرية الدير التابعة لمركز إسنا بمحافظة الأقصر، حينما تقدم سيد أحمد، عامل أجري، للزواج من وردة سيد رزق؛ التي توسمت فيه الشهامة والأخلاق والطيبة، ووافقت على تلك الزيجة وتم الزواج بسرعة وانتقلت للعيش معه في بيتهما الصغير. عاش الاثنان أياما وشهورًا من السعادة والحب، حتى رزقهما الله بابنتهما ياسمين، الحياة كانت طبيعية وهادئة، سيد يخرج للعمل لكسب قوت يومه بالحلال يحاول قدر استطاعته أن يجلب لهما كل شيء يحلمان به، عاشت وردة معه 18 عاما، يوم مر وآخر حلو، فجأة عرفت المشكلات طريقها للزوجين، انقلبت حياتهما رأسًا على عقب، تحول سيد من شخص طيب لزوج وأب قاسٍ وجاحد، تناسى عشرة تلك السنوات، تقاذفته الأفكار السوداء وبدلا من الانفصال بالمعروف عن زوجته بعدما استحالت العشرة بينهما، قرر أن يرتكب جريمة قتل ويلوث يده بالدماء؛ أقام سلخانة تعذيب في عش الزوجية ظل يعتدي على زوجته وابنته بالضرب المبرح مستخدمًا خرطوم، ولم يكتف بذلك بل أعد مبيدًا حشريًا ووضعه لهما في كوبين من العصير وأجبرهما على شربه، ووقف كالشيطان ينظر لهما وهما يتعذبان من آثار الضرب ومن السم الذي ينهش جسدهما بل حاول خنق زوجته بيديه، ولم يتركهما إلا بعدما أصبحتا جثتين هامدتين، ثم تركهما وخرج يمارس حياته بشكل طبيعى وكأنه لم يفعل شيئا في محاولة منه لإبعاد الشبهة عنه. ◄ اكتشاف الجريمة وبعدما عثر الأهالي على الجثتين أبلغوا الشرطة؛ التي انتقلت فورا لمحل البلاغ، وبعمل التحريات تبين وجود خلافات أسرية بين الزوج والزوجة بسبب مصروفات البيت، في البداية أنكر المتهم معرفته بالجريمة، لكنه لم يصمد طويلا وانهار واعترف بتفاصيل جريمته كاملة. ووسط حراسة أمنية مشددة، اصطحبته قوة لتمثيل جريمته، وأثناء تمثيل الجريمة انهار باكيًا قائلا: "مكنتش في وعيي ومعرفش عملت كده إزاي"، أحيل المتهم للنيابة بتهمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد. ووفق قرار الإحالة للجنايات الذي أعده المستشار عبدالمنعم محمد، محامي عام نيابة الأقصر الكلية؛ فإن المتهم في يومي 2 و3 يناير 2024 بدائرة مركز إسنا محافظة الأقصر، وحال كونه بالغًا ووالد الطفلة المجني عليها "ياسمين سيد أحمد"، والتي لم تبلغ من العمر 18 سنة ميلادية كاملة، قتلها ثم أنهى حياة زوجته المجني عليها وردة سيد رزق، عمدًا مع سبق الإصرار والترصد بأن بيت النية وعقد العزم المصمم على قتلهما، وأعد لذلك الغرض مادة سامة "الأمونيا" وأداة مخصصة للتعذيب "خرطوم" وما أن ظفر بهما حتى أجهز عليهما بالضرب بالأداة سالفة الذكر، فاستقرت بأنحاء متفرقة من جسدهما، وجثم على جسد المجني عليها الثانية- زوجته- وأمسك بعنقها بكلتا يديه محاولًا خنقها. وقالت النيابة في قرارها: "إن المتهم أعد تلك المادة السامة وأفرغها بكوبين ومزجها بالماء، لإجبارهما على رشف ذلك المشروب تنفيذًا لذلك الغرض وما أن أيقن من أنه شل مقاومتهما وانعدام إرادتهما حتى أذعنتا لذلك وتجرعت كل منهما عنوة ذلك المشروب، قاصدًا من ذلك قتلهما، فأحدث بهما الإصابات التي بينها تقرير الطب الشرعي والذى عزى سبب وفاتهما إثر التسمم بمادة الأمونيا الكافية بحد ذاتها لإحداث تلك الوفاة مصحوبة بمادة بنزيميدازول، وما أحدثته من هبوط حاد بالدورة الدموية والتنفسية والتي أدوت بحياتهما. وتحولت القضية للجنايات وظلت متداولة داخل ساحة المحكمة على مدار سنة كاملة حتى جاءت اللحظة الحاسمة، لحظة النهاية والقصاص لتلك الجريمة البشعة. ◄ اقرأ أيضًا | مذبحة بسبب إدمانه المخدرات.. رجل يقتل زوجته وحماه وحماته أمام طفليه بميت غمر ◄ النطق بالحكم أثناء جلسة النطق بالحكم، امتلأت قاعة المحكمة بأهالي الضحايا، بينما داخل القفص الحديدي جلس المتهم، شارد الذهن في جريمته التي ارتكبها. اعتلى المستشار باسم عبدالمنعم دسوقي رئيس المحكمة، وعضوية كل من المستشارين أحمد محمد عبد الفتاح، ومحمد سمير الطماوي، ومحمد فتحي بدر، منصة الحكم ليصدر الحكم في تلك القضية البشعة التي راحت ضحيتها زوجة وابنته على يد الزوج الذي تجرد من كل مشاعر الرحمة والإنسانية، وتلذذ بتعذيبهما، وأجبرهما على تناول السم، وتركهما يصارعان الموت ويتألمان من التعذيب والسم الذي يأكل أحشاءهما، وقبل النطق بالحكم، قال رئيس المحكمة: "بسم الله الرحمن الرحيم قال الله تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾، لقد اتبع سيدنا أبو بكر الصديق المنهج الرباني في إقرار العدل وتحقيق المساواة بين الناس وراعى حقوق الضعفاء، فرأى أن يضع نفسه في كفة هؤلاء الوهنة أصواتهم فيتبعهم بسمع مرهف وبصر حاد وإرادة واعية لا تستذلها عوامل القوة الأرضية تحت أقدام قومه ويرفع بالعدل رؤوسهم فيؤمن ويوآمن به كيان دولته ويحفظ لها دورها في حراسة الملة والأمة". وأضاف: "والحمدلله مرت سنون على تلك الجلسة فوق منصة الحكم كنا ومازلنا نستلهم من كتاب الله وسنة رسوله وأفعال الصحابة والتابعين الأخيار ما نحقق به عدل ونصون به حياة ونحفظ به أعراض وأموال، السلطان فيه لضميرنا قط بعد رضا الله سبحانه وتعالى.. اجتهدنا قدر طاقتنا لإعلاء كلمة الحق ويبقى فينا دائما قول الله تعالى ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾". ثم بإجماع الآراء أصدر حكمه على المتهم بالإعدام شنقا ويكون بذلك الحكم عنوان الحقيقة والجزاء الذي يستحقه المتهم على ما اقترفت يداه من جريمة بشعة.