قال لى صديق يعمل فى شركة صينية إن المصريين العاملين فى الشركة يفوقون أقرانهم الصينيين ذكاءً، لكنه كان موضوعيًا، إذ أضاف بنبرة تحمل كل معانى الأسى والحزن: «ومع ذلك، لن نصل أبدا إلى المكانة التى وصلت إليها الصين». لم ينتظر صديقى منى طلبا لتوضيح ما يعنيه، بل استدرك على الفور قائلاً، وقد أصبحت نبرة صوته أكثر حزنًا: «بالأمس واجه مهندس صينى مشكلة، فاجتمع حوله خمسة من زملائه لمساعدته فى حلها قبل أن تتفاقم. أما عندما واجهتُ مشكلة مشابهة، فكان زملائى المصريون حريصين على إظهار إخفاقى، فالعمل الجماعى بالنسبة لهم فريضة، بينما الأنانية وحب الذات بالنسبة لنا مبدأ حياة». حالة الحزن التى بدت على صديقى، أثنتنى عن الدخول فى جدال معه حول أسلوب التعميم الخاطئ. فليس كل الصينيين كما يرى، وكذلك ليس كل المصريين. لكن من واقع تجاربى الشخصية على مدار 15 عاما من العمل الإعلامى فى مجال البحث العلمى، أستطيع أن أجزم بأن لدينا أزمة فى العمل الجماعى، فيكفى أن تقارن بين البيانات الصحفية الصادرة عن المؤسسات العلمية المصرية وتلك التى تصدر عن المؤسسات الصينية وغيرها لتكتشف الفارق. بينما يسيطر على البيان الصحفى فى مصر صوت واحد، وهو صوت الباحث الرئيسى الذى عادة ما يكون الأقل جهدا بين الأسماء التى ساهمت فى إنتاج البحث، تجد فى المقابل أكثر من اسم فى البيانات الصادرة عن المؤسسات الصينية وغيرها، بل فى كثير من الأحيان، يكون البيان محتفيا أكثر بالباحثين الصغار على حساب الأساتذة الكبار. فى تقديرى، يعكس هذا الأمر أسلوب حياة لشعوب أدركت أن تقدمها يأتى من تقديس العمل الجماعى. بينما نحن، أمة يأمرها دينها بهذا الأسلوب، ويحفل تاريخها بالقصص والتجارب التى تؤكد قيمته، ومع ذلك فقد اخترنا طريق حب الذات، الذى لم نجن منه سوى الإخفاق. لذلك، سأختلف معك يا صديقى العزيز فى القول بأننا نفوقهم ذكاء، لأن العالم الكبير ألبرت أينشتاين عرف الغباء بأنه «أن تفعل نفس الشىء مرة بعد أخرى وتتوقع نتائج مختلفة».