بين ظلم الجغرافيا وصراعات أبنائه، عاش لبنان عقوداً صعبة من تردى الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، جعلت البلاد فى حاجة ماسة إلى إعادة الإعمار، كما تضاعفت تلك الحاجة فى العقد الأخير على خلفية استشراء الخلافات السياسية والفساد الذى ترجم فى انفجار مرفأ بيروت، بالإضافة إلى التعقيدات الإقليمية التى أدخلت لبنان فى آتون حرب مع إسرائيل دمرت جنوب البلاد، فيما يأتى رئيسا الجمهورية والحكومة الجديدين محملين بأعباء النجاح فى مهمة إعادة الإعمار الصعبة. وضع الاقتصاد اللبنانى الهش بلغ ذروة الغليان عام 2019، عندما انهار النظام المصرفى وانهارت الليرة اللبنانية أمام الدولار، مما أدى إلى تآكل قيمة المدخرات وتضخم غير مسبوق. ونتيجة لذلك، أصبحت مستويات الفقر مرتفعة للغاية، حيث يعيش أكثر من 80% من السكان تحت خط الفقر بحسب تقارير الأممالمتحدة. أدى هذا الانهيار إلى تعطل القطاعات الحيوية، بما فى ذلك الصحة والتعليم والطاقة. ومع تفاقم الأزمة، أصبح لبنان يعتمد بشكل كبير على المساعدات الدولية، سواء من الدول المانحة أو منظمات الإغاثة الإنسانية. ولكن هذه المساعدات غالبًا ما تتعثر بسبب البيروقراطية والفساد. اقرأ أيضًا | قرارات اليوم الأول ترسم ملامح ولاية ترامب الثانية وبعد الحرب الإسرائيلية على لبنان العام الماضي، يترقب اللبنانيون خطط إعادة الإعمار، بعدما أدت الحرب إلى أضرار فى المبانى تقدر بنحو 2.8 مليار دولار وفق تقرير للبنك الدولي، الذى قدّر تكلفة إعادة إعمار المنازل بما لا يقل عن 5.5 مليار دولار. وضعت الحكومة اللبنانية خريطة طريق لإعادة الإعمار ورفع الأنقاض، واتخذت القرار بتحويل اعتمادات ب900 مليار ليرة إلى مجلس الجنوب و900 مليار ليرة إلى اتحاد بلديات الضاحية الجنوبية و500 مليار ليرة إلى الهيئة العليا للإغاثة. ومع دخول لبنان عهد جديد بتسمية نواف سلام رئيساً للحكومة بعد أيام من اختيار جوزاف عون رئيساً للجمهورية، تتصاعد الآمال بتطبيق خطة لإنقاذ الاقتصاد المتداعى وإعادة إعمار ما خلفته الحرب الإسرائيلية، حيث تعهد سلام فى أول خطاب بعد التكليف بأن تكون الأزمة الاقتصادية وإعادة إعمار على رأس أولويات حكومته الجديدة التى يجرى تشكيلها حالياً. ويحتاج العهد الجديد (عون وسلام) الكثير من العمل لتخطى التحدى الأكبر وهو إعادة هيكلة القطاع المصرفي، واستعادة الثقة بين المواطنين والمستثمرين، وهو ما يتطلب تعاونا مع المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي، الذى تراجع عن الدخول فى خطة إصلاحات اقتصادية مع لبنان قبل عدة سنوات. كما تتضاعف الحاجة إلى وضع خطة لإعادة رسملة البنوك وإدارة الديون السيادية التى تجاوزت 90 مليار دولار. ويتطلع اللبنانيون إلى سرعة تنفيذ إصلاح اقتصادي، حيث يعيش أكثر من 80% من السكان تحت خط الفقر وسط تضخم مرتفع تجاوز فى بعض المراحل 300%، ما أثّر على القوة الشرائية للمواطنين وجعل تأمين الاحتياجات تحدياً يومياً، وذلك وفقا لإحصائيات الأممالمتحدة لعام 2023. لكن طريق الإصلاح لا يبدو سهلاً فى ظل التحديات التى كان قد أوردها صندوق النقد الدولى فى تقرير سابق، ومن أهمها مكافحة الفساد المستشرى فى مؤسسات الدولة، والذى يرتبط بالطابع الطائفى لتوزيع المناصب، وهو ما يقلل من ثقة المجتمع الدولى فى آليات دعم لبنان سواء من خلال المساعدات الإنسانية أو القروض الميسّرة، فقد أعربت الدول المانحة وصندوق النقد الدولى مرارا عن استعدادهم للمساعدة لكن بشرط تطبيق الشفافية ومكافحة الفساد. ولعل الإدراك لأهمية الثقة الدولية فى المرحلة المقبلة هو ما دفع الرئيس جوزاف عون يؤكد خلال المؤتمر الصحفى مع نظيره الفرنسى إيمانويل ماكرون أن ثقة اللبنانيين قد عادت فى بلادهم وأن لبنان يحتاج إلى عودة ثقة العالم فيه، كما أن المؤتمر الدولى لدعم إعادة إعمار لبنان الذى أعلن عنه ماكرون يكون بداية الطريق لمستقبل أفضل للبنانيين.