في ظل التباطؤ الاقتصادي العالمي وتراجع تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر في العديد من الدول، استطاعت إفريقيا أن تحقق قفزة غير مسبوقة في الاستثمارات الأجنبية خلال عام 2024، مسجلة ارتفاعًا قياسيًا بنسبة 84% لتصل إلى 94 مليار دولار. ورغم التحديات الاقتصادية، مثل ارتفاع أسعار الفائدة وتزايد الديون العامة، لا تزال القارة تشهد اهتمامًا متزايدًا من المستثمرين الدوليين، مدعومًا بمشروعات ضخمة، أبرزها مشروع تطوير شبه جزيرة رأس الحكمة في مصر، الذي يعد عاملًا رئيسيًا في هذا النمو. في المقابل، شهدت مناطق أخرى في العالم تراجعًا في تدفقات الاستثمار، مما يعكس التحولات الجيوسياسية والتغيرات في أولويات المستثمرين عالميًا. ◄مشروع رأس الحكمة في مصر . مشروع تطوير رأس الحكمة في مصر يُعد من أكبر المشروعات الاستثمارية في تاريخ البلاد، حيث تم توقيع اتفاقية بين مصر والإمارات في فبراير 2024 لتطوير مدينة رأس الحكمة الجديدة باستثمارات تُقدر بحوالي 150 مليار دولار. ◄الموقع الجغرافي : تقع منطقة رأس الحكمة على الساحل الشمالي الغربي لمصر، وتمتد شواطئها من منطقة الضبعة في الكيلو 170 بطريق الساحل الشمالي الغربي وحتى الكيلو 220 بمدينة مرسى مطروح. ◄أهداف المشروع : يهدف المشروع إلى تحويل رأس الحكمة إلى وجهة سياحية عالمية ومركز مالي وتجاري متكامل، مع التركيز على تطوير البنية التحتية وإنشاء مناطق سكنية وسياحية وتجارية حديثة. ◄أهمية المشروع : من المتوقع أن يسهم المشروع في جذب استثمارات أجنبية مباشرة كبيرة، وتوفير فرص عمل جديدة، وتعزيز التنمية الاقتصادية في المنطقة، مما يدعم الاقتصاد المصري بشكل عام. يُعتبر هذا المشروع خطوة استراتيجية نحو تحقيق التنمية المستدامة في مصر وتعزيز مكانتها كوجهة استثمارية وسياحية رائدة في المنطقة. ◄ رغم التحديات الاقتصادية العالمية، شهدت إفريقيا زيادة ملحوظة في تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر خلال عام 2024. وفقًا لتقرير مؤتمر الأممالمتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد)، ارتفعت هذه التدفقات بنسبة 11% لتصل إلى 1.4 تريليون دولار عالميًا. ومع ذلك، عند استثناء الاقتصادات الوسيطة في أوروبا، التي تُستخدم كنقاط تحويل للاستثمارات، انخفضت التدفقات بنسبة 8%. ◄ في إفريقيا، تصدرت مصر قائمة الدول الجاذبة للاستثمار الأجنبي المباشر، حيث استحوذت على 18.6% من إجمالي الاستثمارات في القارة، بواقع 9.8 مليار دولار في عام 2023. يُعزى هذا النمو إلى توقيع المنطقة الاقتصادية لقناة السويس اتفاقيات لمشاريع الأمونيا الخضراء والهيدروجين الأخضر بقيمة إجمالية تبلغ 10.8 مليار دولار. ◄ وبرزت إثيوبيا كوجهة استثمارية رائدة في شرق إفريقيا، حيث جذبت استثمارات أجنبية مباشرة بقيمة 3.3 مليار دولار في عام 2023. يُعزى هذا النجاح إلى الشراكات بين القطاعين العام والخاص، مثل مشروع طاقة الرياح البرية بقيمة 600 مليون دولار في إقليم الصومال الإثيوبي. ◄اقرأ ايضًا : الممثل الإقليمى للأمم المتحدة: مصر تقوم بالقضاء على الشريان الذي يمد الإرهاب ◄ وعلى الرغم من هذه التطورات الإيجابية، لا تزال هناك تحديات تواجه تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر في إفريقيا، بما في ذلك ارتفاع أسعار الفائدة وزيادة الديون العامة والاضطرابات السياسية والأمنية في بعض الدول. أثار التقرير مخاوف جدية بشأن تأثير تراجع الاستثمار الأجنبي المباشر على تحقيق أهداف التنمية المستدامة (SDGs). وفقًا لتقرير مؤتمر الأممالمتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد)، انخفضت الاستثمارات الموجهة نحو هذه الأهداف بنسبة 10% عالميًا في عام 2023، مع تراجع ملحوظ في مجالات الزراعة، البنية التحتية، المياه، والصرف الصحي. وهذا الانخفاض يُعزى بشكل أساسي إلى تراجع تمويل المشاريع الدولية، الذي يُستخدم في تنفيذ المشاريع الكبيرة في هذه القطاعات. ◄ نمو معتدل وتحولات جيوسياسية تتوقع أونكتاد نموًا معتدلًا في تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر في عام 2025، مدعومًا بتحسن ظروف التمويل وزيادة نشاط عمليات الدمج والاستحواذ. من المتوقع أن تستفيد بعض المناطق القريبة من الأسواق المتقدمة، مثل آسيا، أوروبا الشرقية، غرب آسيا، شمال إفريقيا، وأمريكا الوسطى، من التوجه نحو الإنتاج القريب. ◄عوامل مؤثرة في الاستثمار المستقبلي ◄ التحول في قطاع الطاقة: يشهد قطاع الطاقة تحولًا نحو مصادر الطاقة المتجددة، مما قد يؤثر على تدفقات الاستثمار في هذا المجال. ◄ نمو الذكاء الاصطناعي والتطور التكنولوجي: التقدم في مجالات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي قد يغير ديناميكيات الاستثمار العالمي. ◄ زيادة فحص الاستثمارات في الولاياتالمتحدة وأوروبا: خاصة في قطاعات الدفاع، التكنولوجيا، والبنية التحتية الحيوية، مما قد يؤثر على تدفقات الاستثمار إلى هذه المناطق. ◄تحديات مستقبلية بالرغم من التوقعات الإيجابية، تظل التوترات الجيوسياسية وعدم استقرار الاقتصاد العالمي من أكبر العقبات أمام تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر. هذه التحديات تشكل عقبات كبيرة لكل من الاقتصادات المتقدمة والنامية في السنوات القادمة. بالإضافة إلى ذلك، قد تؤدي السياسات التجارية المتغيرة، مثل فرض التعريفات الجمركية، إلى تقليل تدفقات رأس المال إلى الأسواق الناشئة بنسبة تقارب 25%، مما يزيد من تعقيد بيئة الاستثمار العالمي. وفي الختام، يتطلب تحقيق أهداف التنمية المستدامة جهودًا متواصلة لتعزيز تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، مع التركيز على القطاعات الحيوية مثل الزراعة، البنية التحتية، والمياه والصرف الصحي.