دراسة يكتبها :علي عبد الرحمن في العقود الأولى من القرن العشرين، اجتذبت السينما المصرية جمهوراً متنامياً، حيث برزت صناعة الأفلام كقوة ثقافية ذات تأثير كبير، وكان هذا الازدهار مصحوباً بالاهتمام المتزايد من قبل الجمهور الذي وجد في الأفلام وسيلة للتعبير عن نفسه وفهم محيطه، وبدعم من حكومات متعاقبة، ازدهرت صناعة السينما وظهرت العديد من الأعمال التي تناولت قضايا اجتماعية وثقافية، مما جعلها وسيلة هامة للتواصل الجماهيري. في الأربعينيات والخمسينيات، شهدت السينما المصرية فترة ازدهار غير مسبوق، قدمت تلك الحقبة مجموعة من الأفلام التي أسست قواعد التقاليد السينمائية وطرحت موضوعات تعكس تطلعات الشعب المصري، وتأثرت السينما في هذه الفترة بالأحداث العالمية والمحلية، وبرزت أسماء بارزة في صناعة السينما التي قدمت أفلاماً تنتمي إلى أنواع مختلفة، من الدراما إلى الكوميديا والرومانسية، مما جعل السينما المصرية تواكب روح العصر. ومع نهاية الستينيات وبداية السبعينيات، بدأت السينما المصرية تواجه تحديات جديدة، وتسببت التغيرات السياسية والاجتماعية في تراجع صناعة الأفلام، وبدأت السينما تعاني من تراجع في الجودة والابتكار، وكان هذا التراجع مصحوباً بظهور قوى جديدة في مجال الإعلام والترفيه، مما أثر على مكانة السينما كوسيلة ترفيهية رئيسية. في الثمانينيات والتسعينيات، حاولت السينما المصرية استعادة مكانتها من خلال تجارب جديدة وإعادة تقييم الهويات السينمائية، بينما استمر الصراع مع التحديات الاقتصادية والسياسية، بدأت صناعة السينما تستعيد عافيتها تدريجياً، مع ظهور موجات جديدة من السينمائيين الذين جلبوا أفكاراً جديدة وتجارب مبتكرة. مع دخول الألفية الجديدة، طرأت تغييرات جذرية على المشهد السينمائي المصري، واجتاحت المنصات الرقمية صناعة السينما، وظهرت سبل جديدة لتوزيع الأفلام وعرضها، هذا التحول فرض تحديات جديدة، ولكنه أيضاً أتاح فرصاً كبيرة للابتكار والتواصل مع جمهور عالمي، وأصبحت السينما الرقمية تتيح للأفراد من مختلف أنحاء العالم الوصول إلى محتوى سينمائي غير محدود، مما أعاد تشكيل الطريقة التي يُنتج بها الفن ويُستهلك. في خضم هذه التحولات، تبقى السينما المصرية كما كانت دائماً، مرآة تعكس كل لحظة من لحظات التحولات الاجتماعية والثقافية في المجتمع المصري، ومن بداية التجربة السينمائية إلى عصر الرقمية، تواصل السينما المصرية سرد قصصها وتوثيق تغييراتها، مشيرة إلى أن هذا الفن ليس مجرد ترفيه، بل هو شهادة حية على تطور الأمة وتغييرها المستمر. مشوار المائة عام من الدرب البسيط إلى الثراء الفني في لحظة غامضة من تاريخ الزمن، تحديدًا في يناير 1896، شهدت مدينة الإسكندرية لحظة فارقة في التاريخ الثقافي والفني لمصر، حيث عُرض أول فيلم سينمائي في مقهى زواني، ولم يكن هذا العرض مجرد بداية لتقديم مشاهد مرئية على الشاشة، بل كان مدخلًا إلى عالم جديد مفعم بالتجريد والإبداع. العرض الذي تم بعد 22 يومًا فقط من أول عرض سينمائي في باريس، كان بمثابة الضوء الكاشف لعالم السينما في مصر، حيث انطلقت رحلة طويلة في درب السينما، بدأت بتواضع ولكن انتهت إلى مراحل من الثراء الفني. وفي مطلع القرن العشرين، بدأت السينما تأخذ خطوات أولية في مصر، ولكنها لم تكن موجهة نحو الخيال أو السرد القصصي بقدر ما كانت تهتم بتوثيق الواقع المصري. في البداية، ظهرت الأفلام الوثائقية التي صورت جوانب مختلفة من الحياة اليومية في مصر، مما يعكس ارتباطًا وثيقًا بالواقع والتوثيق، وعُرضت ما يقارب 145 فيلمًا في هذه الفترة، كانت معظمها تدور حول موضوعات توثيقية بحتة، مثل الحياة في المدن، والأسواق، والمهن الشعبية، مما جعل هذه الأفلام وسيلة لتسجيل ملامح الحياة اليومية دون أن تتجاوز حدود النمط التوثيقي البسيط. كانت هذه الأفلام الأولى في تاريخ السينما المصرية ذات طابع محلي بامتياز، حيث سعت إلى تقديم صورة واضحة عن المجتمع المصري وما كان يتسم به من تنوع ثقافي واجتماعي. ومع ذلك، ورغم بساطتها، كانت هذه الأفلام بمثابة خطوة أولى نحو تطور السينما كوسيلة للتعبير الفني والتواصل الاجتماعي، وما يُميز هذه المرحلة هو أنها وضعت الأسس لتطورات لاحقة في عالم السينما المصرية. عصر النشأة فى الثلاثينيات في ثلاثينيات القرن الماضي، دخلت السينما المصرية إلى مرحلة النشوء والتطور، حيث أصبحت تجربة الذهاب إلى السينما طقسًا اجتماعيًا ذا أهمية تضاهي دور المسرح والحفلات الموسيقية في الحياة الثقافية خلال هذه الحقبة، شهدت القاهرة قفزة هائلة في عدد دور العرض السينمائي، إذ أضاءت شوارعها أكثر من 188 دار عرض، مما جعلها واحدة من أبرز مراكز الثقافة السينمائية في العالم. كانت هذه الفترة فترة تحول حاسم في تاريخ السينما المصرية، حيث تزامنت مع الازدهار الاقتصادي والاجتماعي الذي شهدته البلاد، ولم تكن دور العرض مجرد أماكن لعرض الأفلام، بل كانت بمثابة ملتقى اجتماعي يجمع بين مختلف طبقات المجتمع، من الطبقات العليا إلى العامة، مما ساهم في تعزيز دور السينما كوسيلة للتواصل الثقافي والاجتماعي. في هذا العصر، شكلت الأفلام التي سادت في المشهد السينمائي مرآة لآمال وأحلام المصريين، عاكسةً تنوعًا كبيرًا في الأساليب والأنواع. من القصص الواقعية التي تناولت قضايا اجتماعية معاصرة، إلى الكوميديا التي قدمت مواقف فكاهية تتناول جوانب الحياة اليومية، وصولًا إلى الأفلام الغنائية التي احتفت بالتراث الموسيقي والثقافي المصري، كانت السينما تمثل تجسيدًا للروح الوطنية والطموحات الجماهيرية. شهدت هذه الحقبة أيضًا بروز العديد من المبدعين الذين تركوا بصمة كبيرة على السينما المصرية، وكانت أفلامهم تتسم بالابتكار في استخدام التقنيات السينمائية وأساليب السرد، مما أضاف بعدًا جديدًا للتجربة السينمائية وجعلها أكثر جذبًا لجمهور متنوع، وتعكس السينما في الثلاثينيات، مسعىً نحو التعبير الفني الذي يواكب التغيرات الاجتماعية والسياسية، معززةً دورها كوسيلة قوية لتوثيق الهوية الوطنية وتعزيز الشعور بالانتماء. بالإضافة إلى ذلك، شهدت هذه الفترة تزايدًا في التأثير الدولي، حيث بدأت السينما المصرية تجذب أنظار النقاد والجماهير من خارج البلاد، وكانت الأفلام التي تُنتج في القاهرة تسافر إلى مختلف الدول العربية، مما ساهم في نشر الثقافة المصرية وتعزيز مكانتها كقوة سينمائية مؤثرة على الصعيد الإقليمي والدولي. بالمجمل، مثلت السينما في الثلاثينيات بداية عهد جديد في تاريخ الفن السابع في مصر، حيث أثبتت قدرتها على تشكيل الوعي الجماهيري وتوثيق التحولات الاجتماعية والثقافية، وكانت هذه الحقبة نقطة انطلاق نحو التوسع والنضج، مهدت الطريق لعصور لاحقة من الابتكار والإبداع في السينما المصرية. سينما الحرب العالمية الثانية عرفت سينما الأربعينيات بما يُطلق عليه "سينما الحرب العالمية الثانية"، وهي فترة زمنية امتزجت فيها تحديات الحرب مع تجارب فنية جديدة، ورغم تأثيرات الحرب التي أدت إلى صعوبات جمة في الحصول على المواد الخام اللازمة لإنتاج الأفلام، نتيجة انقطاع التجارة البحرية بين الدول، فقد شهدت تلك الحقبة نوعًا من الانتعاش الفني، حيث أُدخلت طبقة جديدة من المستثمرين في صناعة السينما، مثل تجار الحديد والإطارات القديمة، الذين جلبوا معهم استثمارات جديدة إلى عالم الفن السابع. على الرغم من الظروف الصعبة، والتي شملت حالة من الانقسام الطبقي والاضطراب السياسي، إلا أن السينما المصرية في الأربعينيات أفرزت إنتاجًا ملحوظًا من الأفلام بلغ عددها 322 فيلمًا، توزعت على 244 دار عرض في أنحاء مختلفة من مصر. وكان اللون الميلودرامي والكوميدي طابعًا سائدًا في تلك الأفلام، حيث هيمنت الأساليب المسرحية على الإنتاج السينمائي نتيجة ضعف السيناريوهات وقلة الابتكار. هذا التوجه نحو الميلودراما والكوميديا كان موجهًا بالأساس إلى التسلية وتخفيف حدة التوتر والقلق الناتج عن أجواء الحرب، مما جعل الناس يلجأون إلى السينما كملاذ هروب من الضغوط النفسية. في تلك الفترة، كانت أسعار تذاكر الأفلام تتراوح بين 30 إلى 45 مليمًا مصريًا، مما يعكس الاهتمام الواسع بالسينما كوسيلة ترفيهية في زمن الأزمات، هذا الإقبال الكبير على دور العرض يعكس مدى أهمية الأفلام كأداة للتسلية والنسيان خلال تلك الأوقات الصعبة. من بين أبرز جوانب تلك الحقبة، كانت الأفلام الغنائية التي لعبت دورًا مهمًا في الحياة الثقافية، واعتمدت هذه الأفلام بشكل كبير على شهرة المطربين في تلك الفترة، مثل محمد فوزي وليلى مراد وفريد الأطرش، الذين ساهموا في رفع شعبية هذه الأفلام وجعلها جزءًا من النسيج الثقافي للمجتمع المصري، وكانت الأغاني التي قدمها هؤلاء الفنانون بمثابة مكملات لنجاح الأفلام، حيث أضافت عنصرًا موسيقيًا جعل الأفلام أكثر جاذبية. من الجدير بالذكر أن فترة الأربعينيات شهدت أيضًا دخول نمط الفانتازيا السينمائية للمرة الأولى في مصر، وكان من أبرز تجلياته فيلم "طاقية الإخفاء" هذا الفيلم، الذي دمج بين عناصر الفانتازيا والخيال، حقق إيرادات ضخمة بلغت 250 ألف جنيه مصري، رغم أن ميزانيته لم تتجاوز 8500 جنيه مصري، هذا النجاح الملحوظ يعكس قدرة السينما على التكيف والابتكار حتى في أوقات الأزمات، ويبرز أيضًا الاهتمام المتزايد بأنواع جديدة من الأفلام. بالمجمل، تجسد سينما الحرب العالمية الثانية في مصر فترة من التحديات والابتكارات، على الرغم من الصعوبات التي فرضتها الحرب، إلا أن السينما المصرية استطاعت أن تواكب العصر وتقدم أعمالًا فنية تعكس واقع تلك الفترة، مظهرةً التزامها الدائم بالتعبير عن تطلعات وآمال المجتمع المصري. اقرأ أيضا: في السينما المصرية.. الأفلام الرومانسية تنتصر