اختبرت شعوب الشرق الأوسط بنفسها تجربة غياب الدولة، بعدما استسلمت طواعيةً لمخططات التدمير والتخريب التى زعمت التغيير والإصلاح، وفى مصر زَحف الكيان الإخوانى وتحالفت معه تيارات سياسية أخرى؛ لاستهداف مؤسسات الدولة، واستخدم الإعلام لترويج صور مزيَّفة وملفَّقة هدفها صناعة الفجوة بين الشعب ومؤسساته، وفى القلب منها وزارة الداخلية، ولتحقيق هدفه فى التمكين كان يجب أن تستشرى الفوضى وينتشر الإرهاب؛ وذلك لصناعة طبقة عازلة تحمى كيانه الإرهابى، حتى يتمكَّن من بسط سيطرته الكاملة على المجتمع والدولة، وقتها التصق الخوف والقلق والترقُّب بالمصريين مع غياب الأمن واختفاء الأمان، وأصبح المستقبل كلمة غامضة لا محل لها من الإعراب. تصدَّت مصر بشجاعة -ومازالت- لرياح المؤامرة، انتفض شعبها ورفضها، بعدما كانت الدولة قاب قوسين أو أدنى من الضياع، رفض المصريون الاستسلام، قرَّروا مقاومة كل محاولات فرضها عبر صياغات جديدة تتخذ أشكالًا مختلفةً ومتعددةً، وكانت مصر الناجية الوحيدة بفضل التحام شعبها مع قواته المسلحة وشرطته التى استعادت تماسكها بسرعة مذهلة، فكلاهما - الجيش والشرطة - من أبناء الشعب المصرى، اللذان يُشكِّلان الضلع الثالث من الثالوث المصرى المقدس (الأرض والشعب والجيش). ركَّزت المؤامرة على فصل الوحدة بين الشرطة والشعب وفتح الباب أمام اختراقها، ولكن الوعى الجمعى للمصريين كان حاضرًا لرفض المخطط، فكان الالتحام التاريخى بين الشعب والقوات المسلحة والشرطة للتخلُّص من حكم الكيان الإخوانى، وبعد إسقاط حكمهم الإرهابى تصدَّت قوات الجيش والشرطة لإرهاب عناصره، وقامت بإبعاد خطره عن عموم الشعب المصرى، وهى المهمة التى مازالت قائمة حتى اليوم؛ وفق ما كشفته كلمة اللواء محمود توفيق، وزير الداخلية، خلال الاحتفال بالذكرى ال73 لعيد الشرطة من رصد الوزارة مخططًا للكيان الإخوانى الإرهابى يسعى لإحياء نشاطه، وقيام الداخلية بتوجيه ضربة استباقية قطعت خطوط ومسارات تمويله، وضبطها لعناصر تنتمى للجانه الإعلامية، وامتلالكه لكيانات تجارية بلغت قيمتها السوقية (2.4 مليار جنيه)، وهو أمر يؤكد أن مخطط الاستهداف مازال قائمًا، ويستخدم الشائعات لصناعة الغضب والسخط على الأوضاع؛ ليُؤثِّر به على الشباب صغير السن ليُنفِّذ مخططه التخريبى. الإعلان عن ضبط المخطط الإخوانى مع مشاهد الاصطفاف المهيب لقوات الشرطة وأفرعها المتعددة، وما أظهرته من قوةٍ فى التدريب والاستعداد والتطور فى مواجهة كافة أشكال الجريمة أثلج قلوب المصريين، وزاد من منسوب الثقة فى قدرات الشرطة، ودفع بمشاعر الطمأنينة لتحل مكان القلق. لكن هل التصدِّى للجزء الخشن من المخطط يكفى للقضاء عليه؟.. بالتأكيد لا، ولذلك كانت المهمة الأبرز أمام وزارة الداخلية هى تطوير الأداء الشرطى؛ ليتجه نحو صياغة ووضع فلسفة متكاملة لخدمة المواطن، تبدأ بتوفير أقصى درجات الأمن والاستقرار؛ لضمان استكمال الإصلاحات الاقتصادية وتدفق الاستثمارات الأجنبية وزيادة معدلات الإشغال السياحى، وغيرها من الأنشطة التى تُحافظ على أقوات المصريين. وترتكز فلسفة خدمة المواطن على الاقتراب من الناس وخدمتهم عن قُرب، وذلك مع إعلاء الاهتمام بموضوعات حقوق الإنسان والعدالة الإصلاحية، وهو ما تحقَّق فى عددٍ من النواحى؛ فى مقدمتها استبدال السجون القديمة بمراكز الإصلاح والتأهيل، وإعداد نزلائها إلى العودة للحياة مع فرصة جديدة للعيش، وذلك من خلال تدريبهم على مهارات تُمكّنهم من الحصول على عملٍ شريف بعد انتهاء فترة احتجازهم. وارتبطت فى الأذهان مراكز الإصلاح والتأهيل مع مبادرات الإفراج عن الغارمين والغارمات، وهو عمل إنسانى كبير، ترك أثرًا طيبًا لدى المصريين. وكذلك الاهتمام بالبُعد الإنسانى فى العمل الشرطى، عبر التركيز على الجوانب الإنسانية والاجتماعية ضمن المهام الأمنية التى تقوم بها الوزارة، وتعزيز الثقة بين المواطن وجهاز الأمن، وتحقيق التوازن بين تطبيق القانون واحترام حقوق الإنسان، وتجسَّد ذلك فى إطلاق الوزارة للعديد من المبادرات والأنشطة، التى تُساعد فى مواجهة التحديات الاقتصادية، مثل إطلاق مبادرة (كلنا واحد) وإنشاء (مراكز أمان) لمكافحة غلاء الأسعار، وتوفيرها بالتعاون مع السلال التجارية الكبيرة بأسعار تنافسية فى صالح المواطن، مع مبادرات أخرى مثل (شتاء دافىء)؛ لتوفير متطلبات المواطنين الأكثر احتياجًا، سواء من الملابس والبطاطين خلال فصل الشتاء وتوزيعها عليهم مجانًا، كما تزامن بدء العام الدراسى مع مبادرة إنسانية أخرى شديدة الأهمية، هى توزيع الشنط والمتطلبات المدرسية، وهو ما أسهم فى رفع عبء كبير عن كاهل كثير من الأسر. وشارك ضباط الداخلية بأنفسهم فى تلك المبادرات؛ ومن بينها مبادرة التبرع بالدم وتوفير الخدمات الصحية فى القرى والمدن للعمل على توفير الخدمات الصحية ضمن نشاط المبادرات المرتبطة بالصحة. بالإضافة لتحسين الخدمات المقدمة فى الإدارات الحكومية مثل الأحوال المدنية والجوازات والمرور، وتيسير الإجراءات الإدارية وتقليل البيروقراطية، واستحداث إنشاء منافذ لاستخراج الوثائق بكل المراكز والمولات؛ وذلك لتيسير الخدمة على المواطنين، وتوفيرها فى المنازل لخدمة كبار السن وذوى الهمم، مع الاتجاه للتوسع فى الرقمنة لتوفير الخدمة بشكل أسرع وأسهل وأكثر أمنًا باستخدام التكنولوجيا الحديثة. وكانت مبادرة (جيل جديد) من أهم المبادرات التى استهدفت أطفال المناطق الحضرية الجديدة، والذين ودَّعوا العشوائيات الخطرة والتهميش الاجتماعى، ويعيشون حياةً جديدةً فى المساكن الآدمية التى وفَّرتها الحكومة، وأطلقت الداخلية المبادرة لدمج هؤلاء الأطفال فى المجتمع، وتعريفهم بالتجربة والممارسة ماذا تعنى الدولة، وتنظيم رحلات لهم لزيارة المشروعات القومية الكبيرة، وهو ما يُحقِّق عددًا من الأهداف المهمة، على رأسها تعميق الانتماء والولاء للوطن والارتباط بمجتمعهم، هؤلاء كانوا فى السابق هدفًا للتنظيمات المتطرفة، عبر تغذيتهم بألم التهميش والفقر، ومن ثم السيطرة عليهم لتدمير الدولة وتحقيق خططهم التخريبية، لكن الدولة نجحت بالفعل فى إبعادهم عن هذا الطريق، بمثل تلك المبادرات المهمة والمبتكرة. إجمالًا يمكن أن نقول إن فلسفة خدمة المواطن هى جزء من جهود كبيرة تبذلها مصر لتحقيق الأمن الشامل، والتى لا تقتصر على الجانب الأمنى فقط، بل تشمل الجوانب الاجتماعية والإنسانية، بما يُعزِّز من الاستقرار والتنمية المستدامة، وتقطع الطريق أمام تمدد المخططات الخبيثة، وتحمى الوطن والمواطن.