«كنا ..إخواتى وأنا .. نطير من الفرح ونتعجل إنتهاء اليوم الدراسى لكي نذهب إلى السينما !» إخواتى ! لست من نقاد الفن.. رغم دراستى للنقد الفنى من بين ما درست.. وقد آثرت دائماً ألا أكتب نقداً إلا عندما أتذوق «الشيء» فيحركنى ويستفزني، سواء كان عملاً أو فناناً أو نصاً ومعالجة درامية.. أقصد هنا الفن بصفة عامة سواء كان دراما أو فناً تشكيلياً أوعملاً أدبياً او موسيقى وطرب.. ودائماً أكتب بعين المشاهد الجيد، والمتابع بكل الحواس وبكل حياد .. بحيث أنأى عن المدح المبالغ والقدح المذموم.. ولأننى من هواة السينما وتجذبنى هذه الشاشة بسحرها وطقوسها .. وهى التى تجمع كل هذه الفنون فى عمل واحد مكثف على مدى ساعتين عندما يطول.. فتقدم قصة وتمثيلاً وموسيقى فى جرعة واحدة، تعايشها وتتأثر بها.. فقد عشقتها ودخلت قلبى منذ طفولتى .. ربما السبب فى ذلك أمى .. أطال الله فى عمرها .. فهى من عودتنا على إرتياد السينما فى سن مبكرة .. عندما كانت تخبرنا.. إخوتى وأنا .. فى الصباح ونحن نرتدى ملابسنا إستعداداً للذهاب للمدرسة.. وهى مبتسمة ضاحكة بوجهها الصبوح وهى تعرف أنها تزف إلينا خبراً ساراً كانت تقول: «انهارده ما تروحوش بأتوبيس المدرسة .. سأمرّ عليكم لنذهب للسينما».. فكنا نطير بهجة وسعادة .. وتتملكنا حالة من الفرح والتفاؤل .. فهناك مكافأة فى إنتظارنا .. نتطلع إليها ونتمنى سرعة إنتهاء اليوم الدراسى .. ونتعجله.. ! ولا بأس أن أعلن الخبر لصديقاتى فى الفصل .. «انهارده هنروح سينما بعد المدرسة» .. كنوع من الفخر والتباهى !.. فواحدة من أجمل «الفسح» فى إنتظارنا .. هكذا نشأت على حب السينما والتعلق بها .. وربما كان ذلك سبباً رئيسياً أيضاً فى التأثير الأقوى على شقيقتى إيناس الكبري، ودينا الصغري، ليتجاوز حب السينما والتمثيل عندهما حدود المشاهدة، ويعبر إلى الممارسة فى بعض محطات حياتهما .. فلم يكن غريباً أن تبدأ إيناس التمثيل منذ طفولتها .. عندما سنحت لها الفرصة بالمصادفة ..-ولهذا قصة أخرى-.. وتحقق نجاحاً لافتاً قبل أن تتجه للعمل كمذيعة بالتليفزيون المصري، حتى رئيسة لقناة النايل دراما ووكيلاً لوزارة الإعلام .. وأن تحذو دينا حذوها بخطى واثقة راسخة ومتألقة، حتى تقدم برنامجها الناجح حبيب الملايين .. وقد إستطاعت الإثنتان تقديم العديد من الأعمال الدرامية التى أحبها الناس وتعلقت بها قلوب المشاهدين.. فمن منا لا يعرف الطفلة الصغيرة المفعوصة بنظارتها وضفائرها «سوسن» فى فيلم «أم العروسة» والذى لعبته إيناس .. ثم دينا فى دور «رويتر» فى فيلم «الحفيد»، الذى لعبته بخفة ظل منقطعة النظير ببراءة وعفوية، خاصة فى مشاهدها الكوميدية المميزة مع العملاق عبدالمنعم مدبولى ؟!.. وغيرها الكثير والكثير من الأفلام والمسلسلات .. وفى رأيى أن كلاً من إيناس ودينا عبدالله-رغم أن شهادتى فيهما مجروحة-.. قد تمتعتا بموهبة التمثيل والقدرة على تجسيد المشاعر والأفكار بصورة طبيعية بسيطة تدخل القلب .. أما أنا .. فقد ظل التشخيص عندى واقفاً عند حد التذوق والمشاهدة والمتابعة والتقييم .. ولم يلامس التجسيد إلا من باب اللعب واللهو .. مثله مثل الغناء فى الحمام .. والرسم على جدران البيت ! والعزف على البيانو فى وقت الفراغ !.. .. بينما آثرت التعبير «بفن» الكلمة، وطغت على بسطوتها، فعشقت الصحافة والكتابة والقراءة!.. محمد سعد نعود للفن السابع .. السينما بتأثيرها العميق ومساهمتها فى تشكيل وتوسيع آفاق شخصيتى .. فهى تمنحنى لحظات من التأمل والسعادة والحزن أيضاً .. بما يجعلها الوسيلة الفريدة للتواصل مع الذات ومع الآخرين.. ذهبنا إخواتى وشلة من الصديقات بكل حماس لسينما الزمالك القريبة من البيت، حفلة من 6 إلى 9 لمشاهدة فيلم «الدشاش» للنجم الكبير محمد سعد .. إنتظرنا بضع دقائق فى بهو القاعة، وسط عدد ضخم من الجمهور الذى كان معظمه من الشباب .. ضوضاء هنا .. ودردشة وضحك هناك .. بينما طغت رائحة الفيشار اللذيذة لتسيل اللعاب وتغرينا على الشراء.. ! عاد محمد سعد ليطل علينا بعد غياب سنوات، مما جعل الناس أكثر لهفة وفضولاً بما سيقدمه .. وفى رأيى أن أفضل ما صنعه هو تحرره الكامل من شخصية «اللمبي»، بعد أن إستنفدت تماماً، ليصبح شخصاً «طبيعياً» يعتمد فى تجسيده للشخصية ليس على المبالغة واللامعقول .. ولكن على الإمكانيات الاستثنائية والخلطة الفنية الخاصة جداً التى يتمتع بها سعد .. فكم تمنينا سابقاً أن يتمرد على نفسه، ويخرج من هذا القالب الصلب الذى سجن فيه فنه سنوات عديدة .. محمد سعد استطاع أن يضحكنا بكوميديا راقية، وأن يبكينا بتراجيديا مؤثرة .. بعيداً عن الإبتذال!.. فى قصة حبكتها تدور حول شخص خارج على القانون، صاحب ملهى ليلي، ويتمتع بالقوة ولا يخشى أحداً .. حتى يصبح كل من حوله أعداء له، أخته وزوجته وأصدقاؤه ومن يعملون معه .. ويتآمر الكل ضده ويخدعونه .. حتى يصدق أن أيامه فى الدنيا معدودة بسبب المرض، فيقرر التوبة والعيش متقرباً إلى الله .. ثم يواجه تحديات بعد أن يكتشف المؤامرة بالإنتقام منهم جميعاً !.. من المؤكد أن «الدشاش» يمثل عودة قوية لمحمد سعد، أظهرت إمكانياته الحقيقية كفنان يقدم شخصية معقدة بحرفية وموهبة ومهارة .. فى «الدشاش» شاهدنا كيف يمكن للمواقف الصعبة أن تتحول إلى كوميديا بسلاسة، وبعيداً عن المبالغة .. والعكس صحيح .. وهذه القدرة الاستثنائية الفائقة على التحول بين الأسلوبين .. من النقيض إلى النقيض .. هى التى تمنح سعد تفرداً فى الأداء، وتجعل منه نجماً محبوباً ومفضلاً لدى الجماهير .. أما الفنانة «زينة» فقدمت دوراً مميزاً بأداء بسيط.. كما أضفى وجود كل من النجوم «خالد الصاوي»، و«باسم السمرا»، و»نسرين أمين»، عمقاً وثقلاً للفيلم بأدائهم الرائع .. بالإضافة للنجوم «نسرين طافش» و«مريم الجندي» و«أحمد الرافعي» بحضورهم الخاص جداً .. فى قصة سينمائية متماسكة، من تأليف جوزيف فوزي، ورؤية جاذبة للمخرج المبدع سامح عبدالعزيز .. مبروك لمحمد سعد الذى أكد مكانته كأحد أهم نجوم الكوميديا والتراچيديا فى مصر والعالم العربى ! صفاء حجازي على ناصية آخر شارع بيتنا، توجد محطة مترو الأنفاق «صفاء حجازي».. وكثيراً ما سمعت هذا السؤال الاستنكارى عن جهل من البعض: هى مين صفاء حجازى عشان يعملوا محطة مترو باسمها ؟! والإجابة هي: السيدة صفاء حجازى ..هى المصرية الأصيلة والإعلامية المعروفة بنت المنصورة الجميلة .. وكان لى الحظ أن تربطنى بها صداقة زمالة سنوات طويلة.. عرفتها رقيقة زى النسمة.. خجولة .. أنيقة فى مظهرها وراقية فى مخبرها.. فكانت من أبرز وأقوى المذيعات والإعلاميات المصريات .. وكان يطلق عليها فى ماسبيرو «المرأة الحديدية».. وهى التى لعبت دوراً وطنياً مهما فى التصدى لمخططات جماعة الإخوان الإرهابية، ورفضت إذاعة العديد من الأخبار والبيانات الكاذبة، عندما كانت رئيسة لقطاع الأخبار إبان عام حكمهم الأسود .. كانت صاحبة حضور مميز وأداء صوتى كاريزمى جذاب .. وقد عملت سنوات بجامعة الدول العربية، وقدمت برنامجها الشهير «بيت العرب».. وعملت أكثر من 30 عاماً فى الإعلام، من إذاعة وتليفزيون، وتدرجت بكفاءتها فى المناصب، حتى أصبحت رئيسة للتليفزيون المصرى.. حتى أصيبت بمرض عضال بالمخ .. عانت منه حتى وفاتها منذ سنوات. أليس ما قدمته دفاعاً عن بلدها يستحق أن تقدرها الدولة بوضع اسمها على محطة مترو الزمالك حيث كانت تسكن؟!