د. طارق فهمى القضية الفلسطينية مسئولية مصرية بالفعل وركيزة من ركائز الأمن القومى المصرى لا تنتظر مصر أن توجه لها كلمات الثناء والإطراء من أى طرف منخرط فى التعامل مع ما جرى وسيجرى فى قطاع غزة، لاعتبارات أن الطرف الأصيل فى المعادلة الفلسطينية لا توجه له كلمات الشكر على ما بذله المصريون فى التطورات الأمنية والعسكرية والإنسانية فى قطاع غزة، وما زالت مصر حائط الصد تجاه ما يجرى من محاولات إسرائيلية لتصفية القضية الفلسطينية، ولن تتراجع إسرائيل عن مخططها الإجرامى وستتحين الفرصة لإتمام ذلك الأمر كلما سمحت لها الظروف، ما يؤكد على أن المخطط الصهيونى ما زال قائما ويتمدد بصرف النظر عما جرى فى قطاع غزة، والإشكالية الراهنة مرتبطة بالسلوك الإسرائيلى الراهن ومدى ما يتسم به من عدوانية وانقسام وتصميم على إفشال كل ما يجرى ومحاولة تعطيل تنفيذ الاتفاق بالفعل على ارض الواقع، وهو ما تقف الأطراف المعنية فى مواجهته وعلى رأس هؤلاء مصر التى عملت بالفعل على هذا الأمر ولا تزال، وفى هذا الإطار تتحرك القاهرة بمسئولية كبيرة مرتبطة بالفعل بفتح معبر رفح والانتقال تدريجيا إلى تشغيل المعابر وإدخال المساعدات وتنفيذ المرحلة الأولى من الاتفاق والانتقال تدريجيا إلى المرحلة التالية، والمعنى أن القاهرة فى تحركها تعتمد أسلوبا متكاملا بالفعل تجاه الأطراف الرئيسية مع العمل على تفعيل دور السلطة وإعادة تأكيد دورها، وتثبيت طرف فلسطينى على الأرض أيا كان شكله كى لا تترك لإسرائيل الذريعة للتأكيد على أنه لا يوجد شريك سياسى يمكن للحكومة الإسرائيلية التعامل معه أو التفاوض معه، وإذا كانت إسرائيل لا تريد حكم حماس ونجحت فى تدمير قدرات الحركة على الأرض إلا أنها ستضطر إلى التعامل مع سلطة بديلة أيا كانت والتى سبق ان طرحت حكما للعشائر أو بعض التكنوقراط أو ضباط امن سابقين وغيرها من الأفكار التى سبق ان طرحت ودار بشأنها بعض التحفظات، ولهذا فإن مصر ستستمر تعمل فى اطر محددة ومنضبطة وفى اتجاهات أخرى مع تحميل المجتمع الدولى مسئولية مهمة فى توفير متطلبات القطاع من خدمات خاصة المساعدات المطلوبة والإعمار الذى سيحتاج إلى سنوات، وقبل هذا توفير البيئة الأمنية والسياسية المطلوبة كى لا تقوم إسرائيل بتدمير ما قد يشيد بالفعل ويؤدى إلى تبعات، حيث تردد المؤسسات المانحة أنها فى حاجة إلى ضمانات حقيقية كى لا تقوم إسرائيل مجددا بأعمالها الإجرامية فى تدمير ما تبقى من القطاع، وفى إشارات مهمة على ما يمكن ان تقوم به مصر وشركاؤها ليس فقط فى دعم سكان القطاع ولكن الانتقال التدريجى من هذه المرحلة إلى مرحلة أخرى من الخيارات المتسعة والتى تسمح بإعادة تأكيد السلطة الفلسطينية على الأرض ووحدة الأراضى فى القطاع والضفة وهو ما يحتاج بالفعل لجهود كبيرة لإصلاح الأوضاع الفلسطينية وتعويم دور السلطة على الأرض وتطوير مؤسساتها وتطوير بنية النظام السياسى الفلسطينى والاتجاه إلى بناء دستور للدولة الفلسطينية وإصلاح منظمة التحرير الفلسطينية وبناء شرعيات حقيقية لمؤسسات السلطة وإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية وهى أمور تبدو مهمة فى هذا السياق وعدم العمل على جزئيات، وتقوم مصر فى هذا التوقيت بالعمل على تحصين الاتفاق من أى ارتدادات سلبية محتملة وهى واردة ولا تقتصر على الداخل الإسرائيلى المتطرف وهو أمر طبيعى فى إطار ما يجرى من مزايدات حقيقية وردود فعل سلبية ستستمر فى المطالبة بالمواجهة وإنهاء كافة التهديدات والمخاطر المتعلقة بقطاع غزة وتحييد كامل للقدرات العسكرية لحركتى حماس والجهاد بل وسائر الفصائل الفلسطينية الأخرى، حيث لا يزال لهذه الأصوات حضور فى الساحة السياسية والحزبية والتى لا تتوقف على مجموعة محتجزين وإنما بالفعل بقاء الدولة واستمرارها كدولة مقبولة فى الإقليم، خاصة ان تنفيذ الاتفاق لن يحقق لإسرائيل - وفقا لرؤية مغايرة لما يجرى - إعادة الأمور مرة أخرى فى القطاع وبالتالى سيظل الخطر قائما ولن يتوقف أو ينتهى وهو الأهم فى هذا السياق، ومن ثم فإن دور مصر المركزى فى القطاع سيمر بأدوار أخرى غير تقليدية وهو ما تعمل عليه مصر من الانتقال من الإجراءات والتدابير المرحلية والمؤقتة إلى رؤية اشمل وأهم وأكبر ومن ثم فإن تجاوب الأطراف الفلسطينية سواء فى السلطة او خارجها سيؤدى إلى وجود طرف فلسطينى- أيا كانت تحفظات إسرائيل عليه- وهو ما تخطط له مصر وتعمل عليه وتؤكد على ان الأمر سيكون مرتبطا بإعادة ترتيب الأولويات الفلسطينية والاتجاه إلى تبنى سياسات أكثر واقعية، خاصة ان مصر لا تتعامل كوسيط مثلما تتعامل الأطراف الأخرى، بل هى شريك مباشر فيما يجرى من تطورات سيكون لها آثارها فى المديين القصير والمتوسط الأجل، ولهذا فإن نجاح مصر فى طرح المقاربة الاشمل سيؤدى إلى الوصول إلى مرحلة مهمة من الخيارات الفلسطينية والتركيز على ممارسة قدر من الضغوطات على إسرائيل، وسيحتاج ذلك إلى تنسيق مصرى أمريكى خاصة أن الإدارة الأمريكية الجديدة ستختبر على الأرض وسيتم الحكم على سياستها انطلاقا من تأثيرها المباشر على إسرائيل ومحاصرتها بالفعل للوصول إلى تنفيذ الاتفاق أو على الأقل عدم عرقلة بنوده الرئيسية. يقينا، ستستمر مصر فى أداء مهامها الكبرى تجاه القضية الفلسطينية وتطوراتها الصعبة باعتبار أن القضية الفلسطينية مسئولية مصرية بالفعل وركيزة من ركائز الأمن القومى المصرى، ولهذا فإن التأكيد على التوصل لحلول حقيقية للانطلاق من الاتفاق الراهن قد يؤدى إلى مزيد من الخطوات التى يجب ان تعمل عليها الأطراف المعنية لأن أى تقاعس أو الاستمرار فى مخطط دعم إسرائيل سيكون له تداعياته المكلفة على امن الإقليم بأكمله. قدر مصر ودورها ومسئولياتها باعتبارها دولة مسئولة فى الإقليم، أن تتحرك فى هذا الاتجاه من الخيارات الحقيقية والجادة للتوصل لحل شامل للقضية الفلسطينية، وليس العمل على تدابير مؤقتة فقط.. رسالة مصر ودورها الكبير سيحتمان عليها مهام كبيرة بالفعل والعمل مع كل المسارات وفى كل الاتجاهات.