منذ اللحظة الأولى للعدوان الإسرائيلى الشرس على الشعب الفلسطينى فى غزة، وطوال الخمسة عشر شهرا التى استغرقها العدوان، الذى استخدمت فيه كل أسلحة ومعدات القتل والدمار وسفك الدماء، ...، كانت مصر تدرك أن الشعب الفلسطينى يحتاج إلى ما هو أكثر بكثير من مجرد البيانات الحماسية الحنجورية، وصيحات الشجب والإدانة والاستنكار للعدوان، والنداءات الكلامية المطالبة بوقف القتال وتوقف الحرب. كانت مصر ولا تزال كعهدها دائما تدرك أن الكلمات وحدها لن تفيد الشعب الفلسطينى فى شيء، وأن البيانات اللفظية مهما ارتفع صوتها وزادت حدتها وعلت وتيرتها لن توقف العدوان أو تنقذ أهالينا فى غزة من القتل والدمار. كانت مصر تؤمن ولا تزال أن المطلوب والواجب هو العمل الجاد والفعل الايجابى وليس مجرد الكلام، ...، لذلك تحركت مصر بكل الجدية والحكمة والخبرة المتراكمة على جميع الأصعدة وكل المستويات، ومع كل الأطراف وعلى كل المحاور عربيا وإقليميا ودوليا، مع التركيز على الطرفين الفلسطينى والإسرائيلى وبالتنسيق مع الإخوة فى قطر ومع الجانب الأمريكى، للوصول إلى توافق مبدئى حول وقف إطلاق النار فى إطار هدنة شاملة على ثلاث مراحل، تؤدى إلى تبادل الأسرى والرهائن ووقف القتال والانسحاب الإسرائيلى وإدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع. وفى هذا الإطار أحسب أننا لا نحتاج إلى التأكيد على الحقيقة الواضحة والقائمة على أرض الواقع، التى لمسها وأخذ بها العالم كله خلال الأيام الماضية وحتى الآن، ...، وهى أنه دون الجهد المكثف والمتواصل والجاد الذى بذلته مصر بقيادة زعامتها الوطنية، والحكمة البالغة فى التعامل مع كل الأطراف، ما كان يمكن أن يتم التوصل إلى التوافق الحالى. كما لا نحتاج إلى التأكيد كذلك على أنه بالرغم من النجاح الذى تحقق، ...، إلا أن ذلك ليس هو كل ما تسعى إليه مصر بالنسبة للقضية الفلسطينية والصراع الفلسطينى الإسرائيلى. وفى ذلك نشير بوضوح إلى تواصل الجهود المصرية الساعية لتثبيت الاتفاق وفتح الاتصالات أمام العمل السياسى الإقليمى والدولى، بما يؤدى إلى الحل العادل والشامل والدائم للقضية الفلسطينية، بما يوفر السلام والأمن لكل المنطقة، بإقرار وتلبية الحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى فى حقه بالعيش الآمن فى دولته المستقلة، التى تقوم بالضفة الغربيةوغزة وعاصمتها القدس العربية فى إطار حل الدولتين.