هل يغنى المطرب ليرضى مزاجه وذوقه الخاص، أم لإرضاء ذوق الجمهور؟! سؤال طرح نفسه وأنا استمع إلى ألبوم حبيبنا أحدث أعمال الفنان أحمد سعد والذى عاد به لساحة تقديمات الألبومات الغنائية بعد اكتفائه لسنوات ليست قليلة بتقديم الأغانى «السنجل». لا شك أن مسيرة أحمد سعد الفنية شهدت طفرة كبيرة منذ عام 2020، أغانى منفردة ناجحة تواكب موجات المهرجان والراب والتراب، تصدر للتريند، حفلات ضخمة فى مختلف العواصم العربية، وما إلى آخره وربما كان السر فى ذلك التحول هو خضوع أحمد سعد لذوق الجمهور تمامًا بتقديم أغانى راقصة تخاطب جمهور المهرجان، ولكن بعد هذا النجاح قرر أحمد سعد أن يعلن لجمهوره فى الفيديو الدعائى للألبوم أنه سيعود ليقدم ما يرضيه وما يعجبه هو، وقد كان بتقديم ألبوم يحمل الصبغة اللاتينية الخالصة دون أى توازن أو ظهور لألوان موسيقية أخرى، موسيقى إسبانية متشبعة بروح فريق الجيبسى كينج، حتى إطلالته بالشارب الكثيف والقميص المزركش بدت كرجال العصابات الكولومبية! اقرأ أيضًا | محمد سعدل« أخبار اليوم» «الدشاش» خلطة سينمائية تبحث عن رضا الجمهور والنقاد هناك ملاحظات عامة على الألبوم يجب التطرق لها قبل الخوض فى تحليله موسيقيًا، أولى هذه الملاحظات هى أننا أمام 9 أغنيات تنوعت بين موسيقى اللاتين بوب والفلامنكو الإسبانية بتنويعاتها المختلفة بين الهادئ والسريع وهى المهمة التى تولاها الموزعان نادر حمدى وأحمد إبراهيم أكثر الأسماء تميزًا الآن فى تقديم هذه القوالب الموسيقية. يظهر فى الألبوم اسم الثنائى الفنى الأنجح الآن على مستوى الكلمة واللحن وهما تامر حسين وعزيز الشافعى فى ثلاث أغنيات فى أول تعاون لهما مع سعد فى أغنيات (مفتقدنى – عايز سلامتك – أنا مشيت) بينما يتعاون الشاعر تامر حسين مع الملحن مدين فى الأغنية الهيت للألبوم (حبيبنا). من بين الأسماء التى ظهرت فى الألبوم أيضًا منة عدلى القيعى بمشاركة الملحن إيهاب عبد الواحد فى أغنيتى «تيجى نحارب» و«سودا سودا»، بالإضافة إلى الشاعر الكبير نادر عبد الله فى أغنية « بسيط» التى لحنها أحمد إبراهيم، وكذلك الشاعر محمد الشافعى بأغنية «عمرى اللى فات» والتى لحنها أيضًا أحمد إبراهيم. يفتتح أحمد سعد الألبوم بأغنية «حبيبنا» من كلمات تامر حسين ولحن مدين وتوزيع أحمد إبراهيم، وهى الأغنية التى أثارت جدلًا واسعًا حول تشابهها مع أغنية «بتوحشنا» لعمرو دياب وكذلك أغنية «نور العين» وهو ادعاء يمكن تفنيده خاصة أن الأغنية من مقام الحجاز نفس مقام «نور العين»، وتختلف عن «بيوحشنا» المنتمية لمقام الكرد، ولكن ربما التقارب فى البناء الموسيقى للحن فى مقطع «حبيبنا» وتكرارها مثل «بيوحشنا» أوحى للمستمع بذلك، الأغنية متميزة على مستوى التوزيع وقد أجاد أحمد إبراهيم فى رسم قالب الفلامنكو كما قدمته فرقة «جيبسى كينج» على مدار مشوارها، حتى أنه استعان بعازفى جيتار إسبان منحوا الموسيقى مصداقية وحيوية حقيقية بجانب الافتتاحية المطعمة بأصوات بشرية لهتافات يبدو أنها لأشخاص إسبان وليسوا عربا وهو ما يظهر وهم يرددون خلف سعد عبارة «هبيبنا.. هبيبنا»! بعد أغنية حبيبنا تسيطر الدراما على أغلب أغنيات الألبوم وخصوصًا أغنية «أنا مشيت» كلمات تامر حسين ولحن عزيز الشافعى وتوزيع نادر حمدى، وهى أغنية فلامنكو هادئة اعتمدت فى توزيعها على كردات الجيتار المستمرة طوال الأغنية، تميزت كلمات الأغنية بشاعريتها الشديدة وخصوصًا فى شرح أسباب الرحيل، أما اللحن فكان تصاعديًا معتمدًا على جملتين لحنيتين مركبتين. يواصل أحمد سعد الغناء الدرامى فى «عايز سلامتك» التى بدت نسخة توزيعية مكررة من الأغنية السابقة، ويواصل تامر حسين وعزيز الشافعى شرح حالات الفراق وما بعده من خلال كلمات تشرح حالة الحبيب بعد الانفصال، وبنفس الفلسفة بنى عزيز الشافعى لحنًا تصاعديًا معتمدًا على جملتين لحنيتين متصاعدتين ومركبتين. فى أغنية «بسيط» للشاعر الكبير نادر عبد الله يخرج أحمد سعد من الدراما العاطفية ليقدم دراما إنسانية تشرح هموم الإنسان العادى وما يوجهه من متاعب فى الحياة بمفردات مباشرة مثل «مليونير ومش عندى دفتر شيكات»، لحن أحمد إبراهيم جاء معتمدًا على جملتين لحنيتين من مقام الكرد، أما التوزيع فجاء تقليديًا مصحوبًا بصولو كمان حزين يعبر عن الحالة. نأتى إلى أغنية سودة سودة كلمات منة القيعى ولحن إيهاب عبد الواحد والتى بدت أقرب إلى اللون الخليجى فى مطلع اللحن ثم جنحت إلى القالب الإسبانى تمامًا فى بقية اللحن من مقام الحجاز. يسيطر مقام الحجاز بشكل كبير على أغانى الألبوم حيث يظهر مجددًا فى واحدة من أهم أغنيات الألبوم وهى «مفتقدنى» كلمات تامر حسين ولحن عزيز الشافعى، الأغنية تتناول فكرة السخرية من الطرف الآخر بعد الفراق، التوزيع جاء مميزًا إلا أن جملة الفاصل الموسيقى المنفذة بأصوات نسائية بدت متأثرة فى بنائها بجزء من لحن المطلع الموسيقى فى أغنية «سيدى وصالك» لأنغام، لكن بشكل عام تميز لحن الأغنية بجملتين لحنيتين مميزتين الأولى من مقام الحجاز والثانية من مقام الكرد، وأجاد أحمد سعد فى «التلييل» على الطريقة الإسبانية التى يحبها والتى ظهر بها كمطرب لأول مرة منذ عشرين عاما فى أغنية « أشكى لمين» وكأنه جاء فى هذا الألبوم ليذكر الجمهور ببدايات مسيرته وأنه ذوقه الغنائى بعيدا تماما عن كتالوج نجاحاته الضخمة، فهل يستمر فى هذا الرهان الصعب الذى يتجاهل أى معادلات متزنة فى التوازن بين ما يريده الفنان ويعجبه وبين ما يتقبله الجمهور؟!