جاءت الاستراتيجية الوطنية لحماية حقوق الملكية الفكرية التى أطلقتها مصر بتوجيهات رئاسية لتكون البوصلة التى وضعت الجمهورية الجديدة ضمن المنظومة العالمية لحماية الملكية الفكرية، فيما كانت البداية الحقيقية لإنشاء الجهاز المصرى لحماية حقوق الملكية الفكرية برئاسة د. هشام عزمى الذى تولى مهمة حماية الإبداع والابتكار والتنسيق الكامل بين الوزارات والهيئات المختلفة تحت مظلة واحدة لتؤكد ريادة مصر عربيا وإفريقيا فى مجال حماية الملكية الفكرية.. وكان لنا هذا الحوار مع د. هشام عزمي، رئيس المجلس المصرى لحماية الملكية الفكرية: اقرأ أيضًا | د. محمد مسعود مدير المركز القومى لبحوث الإسكان والبناء :«البناء الأخضر».. يُحقق رؤية مصر 2030 ماذا عن ظروف إنشاء الجهاز المصرى للملكية الفكرية؟ جاء إنشاء الجهاز المصرى للملكية الفكرية تجسيدا لاهتمام الدولة المصرية وقيادتها بمنظومة الملكية الفكرية إدراكا لدورها ولتقاطعها وتداخلها فى عديد من القطاعات والمحاور مع رؤية مصر 2030؛ حيث تبرز الملكية الفكرية كأحد الممكنات الأساسية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة؛ وكان لزاما أن يتم تطوير منظومة متكاملة وفعالة لحماية حقوق الملكية الفكرية. ووضع استراتيجية وطنية للملكية الفكرية فى مصر قد جاء متسقا مع أهداف التنمية المستدامة التى وضعتها الدولة المصرية كما انعكست فى رؤية مصر 2030، خاصة فيما بتعلق بتفعيل مردود الملكية الفكرية لدعم الاقتصاد الوطني. هل لدينا التزامات دولية فيما يتعلق بحقوق الملكية الفكرية؟ بكل تأكيد، لدينا التزامات تجاه المجتمع الدولى من خلال انضمام مصر لمعاهدات واتفاقات دولية خاصة بحقوق الملكية الفكرية، وتمتعها بعلاقات تعاون وشراكة مع المنظمات الإقليمية والدولية، وفى مقدمتها المنظمة العالمية للملكية الفكرية (وايبو). منهج علمي ما المبادئ التى اعتمدت عليها الاستراتيجية الوطنية للملكية الفكرية؟ إعداد الاستراتيجية الوطنية للملكية الفكرية قد اعتمد منهجا علميا ضمانا للخروج باستراتيجية تأخذ بعين الاعتبار ما يجرى على الساحة الدولية من متغيرات تتعلق بالملكية الفكرية، وفى الوقت ذاته تراعى البعد الوطنى وخصوصيته.. كما اعتمدت الاستراتيجية على ثلاثة مبادئ رئيسية تتلخص فى احترام الملكية الفكرية: تكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية، والالتزام بمعايير الشفافية، ودعم محاور التنافسية ومنع الممارسات الاحتكارية. وما أبرز الأهداف التى تسعى تلك الاستراتيجية إلى تحقيقها؟ أربعة أهداف رئيسية؛ كان الهدف الأول: حوكمة البنية المؤسسية للملكية الفكرية، ومن أهم الأهداف الفرعية التى يتضمنها هذا الهدف إنشاء الجهاز الوطنى للملكية الفكرية، ودعم التحول الرقمي، وتدريب وتطوير العنصر البشري، إضافة إلى تعظيم دور مصر فى منظومة الملكية الفكرية العالمية، ويتمحور الهدف الثانى فى تهيئة البيئة التشريعية للملكية الفكرية، ويرتبط بهذا الهدف مراجعة القوانين والتشريعات الحالية للعمل على حل المشكلات الجوهرية المتعلقة بمنظومة الملكية الفكرية، وذلك على المدى القصير؛ كما يرتبط بالمراجعة الشاملة للتشريعات الخاصة بالملكية الفكرية على المدى المتوسط، ويرتبط الهدف الثالث بتفعيل المردود الاقتصادى للملكية الفكرية فى تحقيق أهداف التنمية المستدامة، ويتضمن تعزيز وتشجيع ودعم الاستغلال التجارى لأصول الملكية الفكرية، وكذلك الاستفادة من الملكية الفكرية فى البحث العلمى وربطه باحتياجات الصناعة الوطنية، كما يتضمن تطبيق سياسات رشيدة للملكية الفكرية فى مجال الصحة العامة وإتاحة الدواء، إضافة إلى تعظيم المردود الاقتصادى لقطاعى السياحة والتراث باستخدام أدوات الملكية الفكرية. أما الهدف الرابع فيتمثل فى توعية فئات المجتمع المصري، ويشمل هذا الهدف مجموعة من البرامج مثل نشر وتعزيز الوعى العام بالملكية الفكرية ومحاور الاستراتيجية، ودمج مفاهيم الابتكار والإبداع فى العملية التعليمية بمرحلة ما قبل التعليم الجامعي؛ ونشر مفاهيم الملكية الفكرية فى الجامعات والمؤسسات البحثية. متابعة التنفيذ هل هناك متابعة من الجهاز لتحقيق تلك الأهداف؟ إحدى المهام الرئيسية لجهاز الملكية الفكرية هى متابعة تنفيذ هذه الأهداف الاستراتيجية الأربعة وفق الإطار الزمنى المحدد وبما يحقق التطوير المأمول فى منظومة الملكية الفكرية فى مصر. وماذا عن أولويات الجهاز لحماية حقوق الملكية الفكرية فى المرحلة المقبلة؟ أولويات الجهاز فى نشر الثقافة والتوعية بأهمية حقوق الملكية الفكرية المرتبطة بها لدى الجهات الحكومية والشركات والأفراد من خلال عقد المؤتمرات والندوات والدورات التدريبية وإصدار النشرات والمطبوعات المتخصصة فى هذا المجال، وسيتم التنسيق مع وزارة التربية والتعليم والجامعات ومراكز الشباب وقصور الثقافة لتنظيم محاضرات وندوات متعددة لطلاب المدارس والجامعات والشباب ومختلف فئات المجتمع لتعريفهم بالاستراتيجية الوطنية للملكية الفكرية ودور الجهاز المصرى.. وأود أن أذكر أن هناك اهتمامًا بملف الإدارة الجماعية لحقوق المبدعين والمؤلفين من خلال التنسيق مع الجمعيات المنوط بها حماية حق الأداء العلنى مثل جمعية المؤلفين والملحنين، وكذلك دعم الجمعيات الناشئة فى السياق ذاته مثل جمعية أبناء فنانى مصر. وماذا عن تهيئة البيئة التشريعية لحماية حقوق الملكية الفكرية؟ تعديل القانون الخاص بالملكية الفكرية تم ثلاث مرات فقط، أعوام: 2015 و2019 و2020، ونحن نعلم جميعا أن مجال الملكية الفكرية سريع التطور نظرا لاتصاله الوثيق بمنظومة الإبداع والابتكار.. وقامت اللجنة المكلفة بوضع الاستراتيجية الوطنية للملكية الفكرية بالنظر إلى التشريعات الحالية وخلصت إلى ضرورة مراجعة التشريعات على مرحلتين: المرحلة الأولى وتستهدف إجراء تعديلات تشريعية عاجلة فى ظل وجود حاجة أو ضرورة مؤسسية أو مواكبة لتطورات تشريعية أخذت بها بعض الدول الأخرى وحققت من خلال تنفيذها نجاحات ملحوظة، والمرحلة الثانية يتم فيها مراجعة شاملة لكل القوانين واللوائح المتعلقة بالملكية الفكرية وترتبط أساسا بالتشريعات التى تتطلب دراسة متأنية من الناحيتين الدستورية والقانونية، كما تتضمن أيضا دراسة التجارب التشريعية الناجحة فى الدول المتقدمة، مع إعطاء أولوية لتشريعات تتعلق بمجال الإدارة الجماعية لحقوق المؤلف وتنظيم المسئولية المدنية والجنائية لمقدمى الخدمة فى مجال البرمجيات، وتنظيم مهنة وكلاء براءات الاختراع والعلامات التجارية. أولويات الجهاز كيف تؤثر حماية الملكية الفكرية على تعزيز الإبداع والابتكار.. وهل سيكون للقطاع الخاص دور فى هذا المجال؟ من أولويات الجهاز التنسيق والتعاون مع كل الجهات ذات الصلة بالبحث والابتكار خاصة الجامعات والمراكز البحثية من أجل تشجيع الباحثين والمخترعين والشركات الناشئة وأصحاب المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر بهدف حثهم على تسجيل مخرجاتهم البحثية واختراعاتهم وإبداعاتهم وغيرها من حقوق الملكية الفكرية والحصول على وثائق الحماية اللازمة لها؛ لتعظيم استغلالها والاستفادة منها من الناحية الاقتصادية. وسيتم التنسيق مع المجلس الأعلى للجامعات لإقامة ندوات وورش عمل للباحثين فى كل الجامعات على مستوى الجمهورية لتعريفهم بالاستراتيجية ودور الجهاز والإجراءات المتبعة لتسجيل الابتكارات وبراءات الاختراع تحت مظلة الجهاز الجديد. ولقد تضمنت الاستراتيجية الوطنية للملكية الفكرية عددا من المبادرات، ومنها إعداد خريطة محددة لأولويات الدولة فى مختلف مجالات الصناعة، إضافة إلى وضع حوافز والتسهيلات للقطاع الخاص لتوجيه جهود البحث والابتكار إلى هذه الخريطة. ووضع سياسات تقييم أصول الملكية الفكرية المملوكة للدولة واستغلالها بالاشتراك مع الجهات ذات الصلة، وتدريب وتوعية القطاع الخاص على استغلال أصول الملكية الفكرية وكيفية الاستفادة منها من الناحية الاقتصادية. كيف ينظر الجهاز المصرى للملكية الفكرية للتعاون العربى والإقليمى والدولى فى مجال الملكية الفكرية؟ لقد شهدت الأشهر القليلة الماضية، ومنذ تأسيس الجهاز، مشاركات عديدة فى مؤتمرات إقليمية ودولية، فلقد شارك الجهاز المصرى للملكية الفكرية فى المؤتمر رفيع المستوى للملكية الفكرية فى الصين؛ كما شارك الجهاز فى اجتماع رؤساء مكاتب الملكية الفكرية فى مجموعة البريكس فى روسيا أكتوبر الماضي. وعلى المستوى العربي، فنحن على صلات جيدة الهيئات القائمة على أمر الملكية الفكرية وفى مقدمتها المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة حيث يتم تبادل المشورة والخبرات بين الجهاز وهذه الجهات. كما تجمعنا مظلة جامعة الدول العربية فى اجتماعات تنسيقية دورية مع كل الدول العربية. دعم لوجيستى وماذا عن علاقة الجهاز بالتعاون مع المنظمة العالمية للملكية الفكرية؟ علاقات متميزة التى تجمع الجهاز المصرى للملكية الفكرية والمنظمة العالمية للملكية الفكرية (وايبو) والتى تقدم دعما لوجستيا مهما للجهاز خاصة فى مرحلة التأسيس الأولى، ونحن نستشعر مدى اهتمام الوايبو بمنظومة الملكية الفكرية فى مصر منذ تدشين الاستراتيجية الوطنية فى 2022 والذى انعكس فى حرص مدير المنظمة على حضور حفل إطلاق الاستراتيجية، كما عقد عدة اجتماعات مع عدد من الوزراء المعنيين بملف الفكرية فى مصر. وماذا عن مستقبل الملكية الفكرية فى ظل التقدم التكنولوجى الهائل بالعالم؟ ربما يكون التحدى الأكبر الذى يواجه حقوق الملكية الفكرية فى الوقت الراهن هو دخول الذكاء الصناعى بقوة وتقاطعه بقوة مع مجال الملكية الفكرية؛ حيث أضحت أنظمة الذكاء الاصطناعى متطورة بشكل متزايد، فيمكنها إنشاء محتوى إبداعي، مثل الموسيقى أو الشعر، وهذا يثير أسئلة معقدة حول قانون حق المؤلف، من يملك حقوق الطبع والنشر للمحتوى الذى تم إنشاؤه بالذكاء الاصطناعى وغيرها كثير، كما يمكن الآن استخدام الذكاء الاصطناعى لابتكار منتجات وعمليات جديدة، ونشير إلى أن كل القوانين والتشريعات الدولية المنظمة لحقوق الملكية الفكرية حتى الآن لا تحمى إبداعا أو اختراعا إلا إذا كان من صنع البشر. نهج متوازن وكيف يواجه الجهاز تلك التحديات الراهنة؟ فى ظل هذا المشهد الديناميكي، يعتزم الجهاز المصرى للملكية الفكرية أن يكون له دور فى تشكيل مستقبل الذكاء الاصطناعى والملكية الفكرية، وذلك من خلال مجموعة من التدابير والإجراءات من بينها وضع سياسات واضحة وشاملة للملكية الفكرية تتصدى للتحديات الفريدة التى تطرحها الذكاء الاصطناعي، وتضمن اتباع نهج متوازن يشجع الابتكار مع حماية حقوق الملكية الفكرية. كما سيعمل الجهاز على إذكاء وعى الشركات والباحثين والجمهور بأهمية حماية الملكية الفكرية فى عصر الذكاء الاصطناعي، وتعزيز ثقافة الابتكار واحترام الملكية الفكرية، وسيتم التنسيق والتعاون مع المنظمات الدولية وغيرها من مكاتب الملكية الفكرية لوضع معايير عالمية وأفضل الممارسات فى مجال الذكاء الاصطناعى والملكية الفكرية، وضمان اتباع نهج منسق عبر الحدود، وسيعمل الجهاز أيضا على توفير آليات فعالة وكفؤة وفعالة لتسوية المنازعات لمعالجة منازعات الملكية الفكرية الناشئة عن الأنشطة المتعلقة بالذكاء الاصطناعى فى مصر.