■ كتب: محمد نور تحظى كتاتيب تحفيظ القرآن الكريم بمكانة تاريخية متميزة وبارزة في تاريخ التعليم بمصر، واستمرت الكتاتيب على مدار سنوات طويلة تؤدى دورها في تعليم اللغة العربية وتحفيظ القرآن الكريم للنشء، وإيمانًا بقيمتها وأهميتها، وجه الرئيس عبد الفتاح السيسي، مؤخرًا، بدراسة عودة "الكتاتيب" بجميع أنحاء الجمهورية، ضمن المبادرة الرئاسية "بداية جديدة لبناء الإنسان"، والتي تستهدف بناء الشخصية المصرية على أسس راسخة من الأخلاق الرفيعة، والفهم العميق لمعاني الدين الصحيح والانتماء الصادق للوطن، إضافة لإحياء اللغة العربية السليمة في نفوس الأجيال الجديدة، وتعليم القرآن الكريم بأسلوب تربوي سليم. ◄ حشاد: تعلم اللغة التي هى أساس لكل علم ◄ مشعل: مشروع تعليمي تنموي الكتاتيب، كان لها الدور الأكبر في تخريج العديد من العلماء، والمفكرين، والأدباء، والمشاهير، منهم عميد الأدب العربي، الراحل طه حسين، وشيوخ الأزهر السابقون، الدكتور عبد الحليم محمود، والشيخ جاد الحق، والدكتور محمد سيد طنطاوي، وشيخ الأزهر الحالي، الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، وإمام الدعاة الشيخ الشعراوي، إضافة للعديد من مُقرئي القرآن المشهورين، الشيوخ محمد رفعت، وعبدالباسط عبدالصمد، وشعبان عبدالعزيز الصياد، ومحمد صديق المنشاوي، ومصطفى إسماعيل، والطبلاوي. تُشرف وزارة الأوقاف على مكاتب تحفيظ القرآن الكريم، والتي يبلغ عددها 4000 مركز على مستوى الجمهورية، ومن المتوقع أن يصل عددها ل6000، وكان الدكتور أسامة الأزهرى، وزير الأوقاف، قد أكد أن الوزارة تستهدف عودة الكتاتيب إلى القرى بشكل تدريجي بالتنسيق مع مؤسسات الدولة، مُضيفًا أن الوزارة ستفتح بعض مُلحقات المساجد لتكون مقرًا للكتاتيب التى تُساعد وتُعاون وتُكمل عمل وزارة التربية والتعليم. وشدد الوزير، على أن الكُتَّاب سيكون منبرًا للعلم والمعرفة، ويبنى شخصية الإنسان على الخلق القويم، ويرسخ معانى الصلة والود والتقدير بين الصغير والكبير، وبين أبناء الوطن جميعًا، لافتًا إلى أن الوزارة خصصت ميزانية لدعم وتمويل الأنشطة الخاصة بالقرآن الكريم، والمسابقة العالمية للقرآن الكريم، ومعاشات نقابة القراء، كما تتحمل نفقات المدارس القرآنية، ومكاتب التحفيظ، ومكاتب إعداد المُحفظين، لتشجيع حفظ القرآن والتيسير على الحفظة، ومُساعدة الأسر التى تريد تحفيظ أبنائها كتاب الله، حيث يتم التحفيظ بالمجان على أيدى أئمة ودعاة الوزارة، الذين يتم اختيارهم بعناية فائقة لأداء هذه الرسالة، حيث يتم اختبار الراغبين فى العمل بهذه المكاتب بإخضاعهم لاختبارات الحفظ، والتجويد، والأحكام، على يد أعضاء لجنة من إدارة شئون القرآن بالوزارة، فضلًا عن وجود مراكز لإعداد المُحفظين على مستوى الجمهورية. ◄ الفكر المستنير ولا تقتصر المُهمة على الحفظ فقط، وإنما تهدف كذلك لنشر الفكر الوسطى المُستنير، من خلال الاهتمام بفهم المعانى القرآنية، وهو جزء لا يتجزأ من عمل هذه الكتاتيب، لأن الفهم الصحيح لهذه المعانى ضمانة لحماية الشباب والناشئة من الفكر المُتشدد، ويكون الالتحاق بهذه الكتاتيب من خلال إدارات الأوقاف. الدكتور علاء عبد الرازق مشعل، أستاذ أصول اللغة المُساعد بكلية اللغة العربية بجامعة الأزهر، يرى أن عودة الكتاتيب من المشروعات التعليمية التنموية، التى تبنتها الدولة فى هذه الآونة، وتستحق الإشادة، مُشيرًا إلى أنه يتم حاليًا تحت إشراف الدكتور أسامة الأزهرى، وزير الأوقاف، وضع آلية لرجوع الكتاتيب، وكيفية العمل على تطويرها، وقد سبقت هذه المحاولة بخطوة جادة من فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب؛ بعودة الكتاتيب إلى ساحة التعليم المصرى تحت ما يسمى برواق الأزهر أو "رواق الطفل لتحفيظ القرآن الكريم"، ومنذ الوهلة الأولى لإعلان إقامة الرواق الأزهرى، تقدم أكثر من نصف مليون طفل للالتحاق به لتعلم اللغة العربية، وحفظ القرآن، مُضيفًا أن الدعوة إلى عودة الكتاتيب لساحة التعليم المصرى، تُعد من أفضل ما تقوم به الدولة من جهود فى سبيل إصلاح منظومة التعليم؛ لأن هذه الكتاتيب قد أثبتت فى الماضى قدرتها على تحدى الأزمات فى أوقات عصيبة تعرض فيها التعليم بمصر لحروب من قبل المُستعمر الأجنبى، ويكفى أن التعليم فى مصر طوال فترة الاحتلال العثماني "1517 - 1805" ظل مُقتصرًا على التعليم بالمساجد والكتاتيب، وقد رأينا مشايخنا الذين لم يحصلوا من العلم إلا على ما جنوه من تعليم فى الكتاتيب، البراعة فى معرفة قواعد اللغة العربية، والحفظ السليم لكتاب الله بقراءاته، وقد شهد التاريخ المصرى وجود عدد من المفكرين أضحوا قادة للفكر السياسى والدينى والاقتصادي، وهم مع ذلك لم ينالوا قسطًا من التعليم سوى ما تعلموه فى الكتاتيب، إلى جانب بعض التعليم فى أروقة الأزهر. ◄ أهمية عظيمة أشار مشعل إلى أن من أبرز هؤلاء، كان رفاعة رافع الطهطاوى، رئيس البعثة العلمية إلى فرنسا، ورائد النهضة الحديثة فى الفكر والترجمة، وابن النديم، صاحب كتاب الفهرست، الذى كانت له آراؤه الوطنية فى مواجهة الاستعمار، والتى كان يبثها فى الصحف والمجلات، والشيخ على يوسف، صاحب جريدة المؤيد، وقد كان يصدر منها نسختين إحداهما عربية، والأخرى باللغة الفرنسية، وقد أسهم إسهامًا كبيرًا فى توجيه الفكر الوطنى المصرى، والزعيم أحمد عرابى، قائد الثورة العرابية، والشيخ محمد عبده، وغيرهم الكثيرون من الذين أسهموا فى توجيه الفكر المصرى، وبناء الشخصية المصرية. أضاف، أن للكتاتيب أهمية عظيمة فى بناء اللبنات الأولى للطفل، وتتنوع فوائدها ما بين حفظ القرآن، وهو ما يُسهم فى عصمة الأطفال من الوقوع بشباك المجرمين، وتعليم مبادئ القراءة والكتابة تعليمًا صحيحًا، وهو ما يؤدى لتزويد الطفل بالمعلومات الدينية التى يتخذها زادًا له فى معرفة أمور دينه، لافتًا إلى أنه إذا أُقيمت الكتاتيب على طراز الكتاتيب الأولى، لأضحت زادًا للأطفال يتعلمون منه كل ما يحتاجون إليه من معارف باستثناء تعلم اللغات الأجنبية، مُتابعًا أن من فوائد الكتاتيب، استنفاد طاقة الأطفال فيما ينفعهم؛ فكل طفل له طاقة جسدية لابد أن يخرجها كجهد مبذول فى اللعب أو غيره؛ فإذا استغل الطفل طاقته فيما يجدى من تعليم، فقد أفاد واستفاد، فضلًا عن إبعاد الأطفال عن ألعاب الكمبيوتر والفيديو، التى تؤثر سلبًا على العقل بما تؤديه من تشتيت للفكر، وتصل كما نرى أضرارها لحد أن بعضها يؤدى لانتحار الأطفال والشباب. ويُطالب مشعل، الحكومة بتكثيف انتشار الكتاتيب فى القرى والنجوع، التى لا يتوافر لدى سكانها الوسائل التعليمية الكافية، وأن يكون الإشراف المُباشر عليها من قبل وزير الأوقاف أو وكلاء الوزارة، لضمان مسيرة سليمة لهذه الكتاتيب، إضافة للعمل على توعية الناس فى المدن بأهميتها فى إبعاد الأطفال عن وسائل الانحراف والإجرام، وتعليم القراءة والكتابة، ومبادئ الدين، كما يُطالب بصرف مكافآت شهرية للقائمين عليها تشجيعًا لهم؛ وأن يكون المسجد المكان الرئيسى لإقامة الكتاتيب حفاظًا عليها؛ إذ يتعرض بعض القائمين على الكتاتيب لمحاولات إغلاقها بشكاوى مُغرضة، وقيام وزارة الأوقاف بعقد امتحانات للشيوخ، الذين يُباشرون التدريس بهذه الكتاتيب لضمان حفظهم الجيد لكتاب الله، وأن يكون التركيز بهذه الامتحانات على معرفة التوجه المذهبى لهؤلاء المُحفظين؛ لضمان أن يكونوا أصحاب فكر أزهرى وسطى، وأن تكون تنشئتهم على المذهب الأشعرى القويم، وإلا كانت هذه الكتاتيب مفرخة للفكر الوهابى، كما يجب أن يكون هناك كتب أولية لهذه الكتاتيب تتضمن مبادئ القراءة والكتابة وعلوم الدين؛ لنضمن خلوها من أى فكر وهابى. ◄ تنشئة الأجيال من جانبه، يرى الشيخ محمد حشاد، نقيب قراء ومُحفظى القرآن الكريم، أن قرار عودة الكتاتيب، قرار على الطريق الصحيح، لما فيه من تكريم للعلماء وحفظة القرآن، مُشيدًا بهذه الخطوة المُهمة لإحياء روح أصيلة بتاريخ مصر، إضافة لاستعادة الدور الريادى للكتاتيب فى تنشئة الأجيال على قيم وأخلاق القرآن وحفظه وتلاوته، وتعلم اللغة العربية، لافتًا إلى أن الكتاتيب تخرج منها العديد من الأدباء والمفكرين والعلماء والمثقفين، لذلك فقرار عودتها إنجاز يُحسب لوزير الأوقاف، مُضيفًا أن الكُتاب بجانب دوره فى تحفيظ القرآن، يزرع قيم الانتماء للوطن، ويُحصن الهوية القومية، ويُسهم فى تنشئة جيل يحمل بقلبه معانى القرآن وتدبره، والمُساهمة فى إحياء اللغة العربية السليمة، باعتبارها لغة القرآن. وأوضح حشاد، أن الكتاتيب تُعلم الأطفال الصلوات الخمس والمُحافظة عليها، وتُعلمهم الخط، والإملاء، والحساب، واللغة العربية، التى هى أساس كل علم، مُشيدًا بجهود الرئيس السيسى، ورئيس الوزراء، ووزير الأوقاف، فى قرار عودة الكتاتيب، تحت إشراف الدولة، مُشيرًا إلى أن الرئيس يولى اهتمامًا كبيرًا بحفظة القرآن، وبنشر الفكر الوسطى المُعتدل، مُطالبًا بأن تعتمد الكتاتيب على رؤية جديدة تتماشى مع مُتطلبات العصر، وأن تكون بعيدة عن الأفكار المُتطرفة المُتشددة أو المُنحرفة. ◄ أدوار مختلفة شهيرة إبراهيم، مُعلمة لغة عربية ومُحفظة قرآن، ترى أن مُبادرة عودة الكتاتيب ستؤدى لإحياء حفظ القرآن الكريم للنشء وتعليم اللغة العربية الصحيحة، مُشيرة إلى أن دور الكتاتيب لا يقتصر على حفظ القرآن وتعليم اللغة العربية فقط، بل يشمل الخط والإملاء والحساب، فضلًا عن ترسيخ القيم والأخلاق فى زمن تتسارع فيه التطورات التكنولوجية، مُضيفة أن عودة الكتاتيب ستكون منبرًا لنشر الثقافة والمعرفة وترسيخ القيم الأخلاقية، وتجعل النشء أكثر وعيًا وارتباطًا بهويته العربية والإسلامية، بعيدًا عن التطرف والتشدد، فضلًا عن زرع قيم القرآن وأخلاقه لدى الطفل، وإبعاده عن الوقوع فى يد أصحاب الفكر المُتطرف، موضحة أن الكتاتيب لها أهمية فى تأسيس الأطفال فى تعليم القراءة والكتابة، كما أنها تستقبل كبار السن لتحفيظهم القرآن، وتعريفهم بأمور دينهم، لذلك أرى أن هذه المبادرة ستكون بمثابة مصباح لإنارة الطريق أمام الأجيال القادمة.