على الرغم من صعود الدكتور محمد زكريا جاد، العميد السابق لكلية الصيدلة بالجامعة الألمانية، إلى منصات التتويج فى العديد من المحافل العلمية الدولية والإقليمية، إلا أن جائزة الدولة تظل لها مذاق خاص. هذا المذاق تذوقه فى مراحل مبكرة من حياته البحثية والأكاديمية عندما حصل على الجائزة التشجيعية عام 2002، وبعد نحو 22 عاماً، كان على موعدٍ جديد مع الجائزة التقديرية التى فاز بها العام الماضي. ويختلف استقبال الجائزتين عند الدكتور جاد، ففى الجائزة الأولى، كانت مشاعر باحث يسعى لتلقى كلمة تشجيع تمنحه الوقود لاستكمال مسيرته العلمية، بينما فى الثانية، كان أستاذًا قد وصل إلى قمة النضج البحثي، باحثًا عن التقدير المعنوى لمسيرة امتدت عبر سنوات، غير أن العامل المشترك بين الجائزتين هو «لذة النجاح»، التى يتمنى أن يتذوقها كل أعضاء فريقه البحثي. وعندما طلبنا من أستاذ الصيدلة أن يقدم «روشتة نجاح» للباحثين الشباب، قال بحماس: «نصيحتى لكل باحث هي: الجدية والاجتهاد فى العمل، بحيث لا يمر يوم دون أن يضيف سطراً جديداً لسيرته الذاتية، سواء من خلال نشر بحث، أو المشاركة فى مؤتمر، أو القيام بأنشطة اجتماعية وأكاديمية». ويشكل النشر البحثى النصيب الأكبر من معايير تقييم الباحثين الشباب المتقدمين لجائزة الدولة التشجيعية، بينما فى الجائزة التقديرية يكون هناك توازن بين هذا المعيار ومعايير أخرى تتعلق بالأنشطة الأكاديمية، وقد كان هذا التوازن سبباً فى ترجيح كفة الدكتور جاد للفوز بالجائزة الأخيرة. ويقول بثقة: «سيرتي الذاتية مليئة بالمساهمات، من إنشاء مراكز علمية ومعامل أبحاث، إلى المشاركة فى تحرير دورياتٍ علمية، إلى جانب نشاط بحثى غزير بدأ بعد عودتى من أمريكا عقب حصولى على الدكتوراة من كلية الطب بجامعة بنسلفانيا فى مجالٍ جديد، وهو الناقلات الغازية البيولوجية». ◄ ما هى الناقلات الغازية؟ - طلبنا من الدكتور جاد شرح مفهوم الناقلات الغازية البيولوجية ، فأخذنا فى رحلة علمية يحاول خلالها تبسيط المفاهيم. ويقول: «الناقلات الغازية البيولوجية هى جزيئات غازية تعمل كوسائط كيميائية تساعد فى نقل الإشارات بين الخلايا العصبية أو بين الخلايا العصبية والأنسجة الأخرى، دون الحاجة إلى مستقبلات تقليدية على سطح الخلايا، وبخلاف الناقلات التقليدية التى تُخزن فى الحويصلات وتُفرز عبر نقاط التشابك العصبي، تنتشر هذه الناقلات بسرعة عبر الأغشية الخلوية، مما يسمح لها بالتأثير على عدة خلايا مجاورة». ولتقريب هذا المفهوم، يستخدم العلماء مثال «الغرف المترابطة»، فإذا تخيلت خلايا الجسم مثل غرف متصلة، فإن فتح نافذة فى غرفة يؤدى إلى انتشار الهواء بسهولة إلى الغرف المجاورة، وهكذا تنتشر الناقلات الغازية البيولوجية عبر الخلايا المجاورة. وكان فوز ثلاثة علماء بجائزة نوبل فى الطب عام 1998 بعد اكتشافهم أدوار «أكسيد النيتريك»، إحدى هذه الناقلات، بمثابة إعلان ميلاد مجال بحثى جديد، انضم إليه الدكتور جاد وأصبح أحد أسمائه اللامعة. يشرح الدكتور جاد أهمية أكسيد النيتريك قائلاً : «أبحاث الحاصلين على نوبل أثبتت أن أكسيد النيتريك يعمل كموسع طبيعى للأوعية الدموية، مما يساهم فى تنظيم ضغط الدم وتحسين تدفقه، وقد مهدت هذه المعرفة لتطوير العديد من الأدوية، مثل: الفياجرا.» ◄ أدوار مزدوجة واستمر الدكتور جاد فى هذا الاتجاه، حيث نشر دراسة فى عام 2000 حول العلاقة بين أكسيد النيتريك والالتهابات فى الجسم حيث يقول: «أثبت أن أكسيد النيتريك يعمل ك «سيف ذى حدين»، فتركيزه المتوازن يساعد فى تخفيف الالتهابات وحماية الأنسجة، لكن الإفراط فى إنتاجه يساهم فى تفاقم الأمراض الالتهابية والمناعية». ومن بين الناقلات الغازية البيولوجية التى تناولها الدكتور جاد فى أبحاثه، «كبريتيد الهيدروجين». ويوضح أن هذا الغاز يُنتج بشكل طبيعى فى الجسم وله تأثيرات واسعة فى توسيع الأوعية الدموية، مما يساعد فى تحسين الدورة الدموية ويُخفض ضغط الدم، وهو تأثير مفيد لمرضى القلب والأوعية الدموية. وكما أن لأكسيد النيتريك أدواراً مزدوجة، فإن كبريتيد الهيدروجين له أيضاً تأثيرات سلبية تتعلق بتعزيز نمو الخلايا السرطانية في بعض الأورام. ويقول الدكتور جاد: «إنتاج كبريتيد الهيدروجين فى بعض الأورام السرطانية يعزز نمو الخلايا السرطانية من خلال تحسين التغذية الدموية لها.» ◄ حلم علاج السرطان ويأمل فى أن تقود هذه الأبحاث إلى علاجاتٍ للسرطان، والذى لا يوجد له علاج جذرى حتى الآن، لأنه مرض شديد المراوغة، ويقول: « هناك تطور كبير حدث فى العلاج الذى يساعد على زيادة مدة البقاء على قيد الحياة، ولكن التخلص النهائى من المرض لم يتحقق بعد لأسبابٍ كثيرة غير معروفة». ويلفت الدكتور جاد النظر إلى أن الأبحاث المتعلقة بالعلاج المناعى تُعد من أكثر الآمال الواعدة، لكنه يشير إلى أن تحدى التكلفة العالية لهذه العلاجات سيجعلها غير متاحة للجميع. وفى ختام الحوار، يوضح الدكتور جاد: «أن مستوى التعليم الصيدلي في مصر على مسافة قريبة من التطورات العالمية، لكنه يشير إلى أن العدد الكبير لخريجى كليات الصيدلة يفوق حاجة سوق العمل، والشيء الإيجابي، هو أن الكثير من المجالات الجديدة أصبحت تستوعبهم».