فتحت استقالة رئيس الوزراء الكندي، جاستن ترودو، الباب أمام تكهنات حول مستقبل كندا السياسي. ورغم أن الاستقالة كانت متوقعة نتيجة التراجع الكبير في شعبيته، إلا أنه لا يمكن فصلها عن تصريحات الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، الذي دعا خلال فترة رئاسته إلى ضم كندا إلى الولاياتالمتحدة. اقرأ أيضا: ترامب يقترح ضم كندا لتصبح الولاية الأمريكية رقم 51 مجلة «ذا نيويوركر» الأمريكية أرجعت استقالة ترودو إلى فشله في الاستجابة لاحتياجات المواطنين، حيث اعتُبر ممثلًا للنخب السياسية، وسط تصاعد المخاوف من ارتفاع تكاليف المعيشة، خصوصًا أسعار الإسكان التي بلغت مستويات غير مسبوقة. كما أن تخفيف قيود الهجرة أثناء جائحة كورونا أدى إلى زيادة كبيرة في أعداد المهاجرين، مما تسبب في ربط أزمة الإسكان بالمهاجرين، رغم أن هذا الربط يُعتبر خاطئًا في جوهره. الولاية 51 الأمريكية وبعد ساعات من استقالة ترودو، أعرب ترامب مجددًا عن رغبته في اندماج كندا مع الولاياتالمتحدة. وكتب ترامب على منصة «تروث سوشيال»:«يحب العديد من الناس في كندا أن تصبح الولاية رقم 51 الأمريكية. لم يعد بإمكان الولاياتالمتحدة تحمّل العجز التجاري الهائل والإعانات التي تحتاجها كندا لتبقى واقفة على قدميها». وأضاف: "كان جاستن ترودو يعلم ذلك واستقال. إذا اندمجت كندا مع الولاياتالمتحدة، فلن تكون هناك تعريفات جمركية، وستنخفض الضرائب بشكل كبير، وستكون كندا آمنة تمامًا من تهديد السفن الروسية والصينية التي تحيط بها. معًا، سنكون أمة عظيمة". نهاية مرحلة سياسية بعيدًا عن تصريحات ترامب المثيرة للجدل، تظل كندا نموذجًا فريدًا في التعددية الثقافية والسياسية. وتشكل المرحلة المقبلة اختبارًا لرؤية البلاد لمستقبلها السياسي والاقتصادي، خاصة أن استقالة ترودو تُعد نهاية لمرحلة بارزة في السياسة الكندية. على الرغم من تأثير ترودو في الهوية الليبرالية الحديثة لكندا، فإن التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي واجهها تعكس واقعًا معقدًا تواجهه الديمقراطيات حول العالم، وفقًا للمجلة الأمريكية. المدة الزمنية لزعامة الديمقراطية ترى المجلة أنه لا ينبغي أن يكون هناك مفاجأة كبيرة في الانقلاب المفاجئ على زعماء ديمقراطيين مثل ترودو. إذ قضى في السلطة أكثر من 10 سنوات، وهي الحد الأقصى تقريبًا لعمر زعيم شعبي في نظام ديمقراطي. وسلطت المجلة الضوء على أمثلة مشابهة، مثل توني بلير الذي فقد ثقة البريطانيين بعد فترة مماثلة، ومارغريت ثاتشر التي خسرت دعم حزبها بعد أكثر من عشر سنوات في الحكم. حتى القادة الذين أسسوا أنظمة جديدة، مثل شارل ديغول، لم يُسمح لهم بالبقاء أكثر من عقد في السلطة. عناوين انتقامية في الصحف رغم الانتقادات الحادة التي واجهها ترودو مؤخرًا، بما في ذلك عناوين مثل «القصة الملحمية لفشل ترودو السياسي»، فإن استقالته تبدو امتدادًا طبيعيًا لدورة الحياة السياسية في النظام البرلماني الكندي. على غرار أسلافه، قضى ترودو فترة تقترب من الحد الأقصى المعتاد لزعماء الحكومة الكندية. فقد شغل سلفه المحافظ، ستيفن هاربر، المنصب لمدة تسع سنوات و271 يومًا، مقارنةً بترودو الذي استمر تسع سنوات و63 يومًا، بينما تجاوز جان كريتيان بالكاد عقدًا من الزمن. مخاوف صعود المحافظين ما يجعل استقالة ترودو مقلقة هو أن زعيم حزب المحافظين الجديد، بيير بوليفير، يُعتبر من أكثر قادة الحزب توجهًا نحو اليمين في تاريخ كندا. حتى المحافظون التقليديون أبدوا دهشتهم من التحولات الكبيرة في الحزب. وأشارت المجلة إلى أن بوليفير قاد عملية "ترامبنة" للمحافظين الكنديين، من خلال هجماته المتكررة على هيئة الإذاعة الكندية (CBC)، وتهديده بإلغاء تمويلها، ما يجعلها "كيانًا ميتًا يمشي"، وفق وصف بعض المراقبين. انتقادات سياسات ترودو في نظر أنصار بوليفير، يمثل ترودو نموذجًا للنخبة الليبرالية المنفصلة عن الواقع. وتعرضت سياساته البيئية والاجتماعية لانتقادات، بما في ذلك خفض الأعلام حدادًا على ضحايا المدارس الداخلية للسكان الأصليين. كما اعتُبر ضعيفًا في التعامل مع الأزمات، خاصة خلال جائحة كورونا، ما دفع بوليفير إلى دعم احتجاجات سائقي الشاحنات على القيود الوبائية، وهي خطوة لقيت انتقادًا شعبيًا لكنها عززت مكانته داخل الحزب. صراع شرق-غرب يزداد الصراع بين الغرب الكندي، حيث قاعدة بوليفير الشعبية، والشرق الكندي، معقل النفوذ الليبرالي. ويتركز الخلاف على مشروعات الطاقة، إذ يدعو الغرب إلى توسعتها بينما يفضل الشرق تقييدها حفاظًا على البيئة. مهمة تاريخية مهددة لطالما كانت مهمة الحزب الليبرالي الكندي هي الحفاظ على كيبيك ضمن الاتحاد الكندي. ويبدو أن هذه المهمة قد تواجه تهديدًا جديدًا مع احتمال صعود حكومة محافظة. قد يجد سكان كيبيك الدافع لإجراء استفتاء جديد حول الاستقلال، وهو سيناريو يُهدد وحدة كندا، بحسب المجلة.