في جنوب سقارة، المنطقة الغنية بآثار الدولة القديمة، جاء اكتشاف جديد ليؤكد مرة أخرى عظمة الحضارة المصرية القديمة. أعلنت البعثة الأثرية الفرنسية السويسرية المشتركة عن العثور على مقبرة ملكية مذهلة تعود لطبيب ملكي من كبار رجال الدولة القديمة. تمتاز هذه المقبرة بألوانها الزاهية ونقوشها المتقنة التي صمدت آلاف السنين وكأنها نُقشت بالأمس. هذا الكشف لا يقتصر على الجوانب الأثرية فقط، بل يقدم رؤية عميقة عن الحياة الاجتماعية والثقافية في زمن الفراعنة، مما يجعل مصر دائمًا مهدًا للحضارات. ** اكتشاف مقبرة ملكية مذهلة في سقارة اقرأ أيضا: 2025 يفتح أبوابًا جديدة لاكتشافات أثرية مبهرة في سقارة * أهمية سقارة كموقع أثري تعتبر سقارة، الواقعة جنوب غرب القاهرة، من أبرز المواقع الأثرية في مصر القديمة، حيث تضم أقدم الأهرامات مثل هرم زوسر المدرج ومجموعة هائلة من المصاطب والمقابر التي تعود إلى مختلف العصور الفرعونية. هذه المنطقة كانت مركزًا جنائزيًا هامًا يعكس تطور العمارة والفن في الحضارة المصرية. الكشف الجديد في سقارة، الذي أجرته البعثة الفرنسية السويسرية، يعزز مكانة هذا الموقع كأحد الكنوز الأثرية التي لا تزال تحمل أسرارًا عن حياة المصريين القدماء. * المقبرة المكتشفة: نظرة على الجمال والعظمة اكتشفت البعثة الأثرية مصطبة مبنية من الطوب اللبن تعود لطبيب ملكي يُدعى "تيتي نب فو"، عاش خلال عهد الملك بيبي الثاني (حوالي 2278-2184 ق.م)، المقبرة تضم بابًا وهميًا مزينًا بنقوش ورسومات ملونة تُظهر مناظر فنية للحياة اليومية والممارسات الطقسية، مما يعكس مكانة صاحبها كأحد أهم الشخصيات في الدولة القديمة. النقوش المرسومة على الجدران صُورت بألوان زاهية تجسد جمال الفن المصري القديم، حيث تظهر مشاهد للأثاث الجنائزي، قائمة القرابين، وصورًا للطقوس الدينية. * تفاصيل الكشف الأثري بدأت البعثة الفرنسية السويسرية عملها في منطقة سقارة عام 2022، وحققت العديد من الاكتشافات المهمة. في هذا الكشف الأخير، تم العثور على: 1- باب وهمي: نقوش تصور حياة "تيتي نب فو"، مع قائمة بالألقاب الملكية التي حملها مثل "كبير أطباء القصر" و"عظيم أطباء الأسنان". الرسومات تعكس تقاليد الحياة اليومية والممارسات الدينية. 2- تابوت حجري: مزين من الداخل بخط هيروغليفي يحمل اسم وألقاب صاحب المقبرة. 3- سقف مزين: طُلي السقف باللون الأحمر ليحاكي شكل أحجار الجرانيت، وفي منتصفه نقش يُبرز اسم صاحب المقبرة. * الأهمية التاريخية للكشف هذا الكشف يقدم إسهامًا جديدًا في فهم حياة المصريين القدماء، خاصة في عصر الدولة القديمة. الألقاب التي حملها "تيتي نب فو" تعكس مكانته البارزة كطبيب ملكي وكاهن للإلهة سركت، مما يُظهر أهمية الطب وعلاقته بالمعتقدات الدينية. * تاريخ المنطقة المصطبة المكتشفة تقع في منطقة مقابر موظفي الدولة خلف المجموعة الجنائزية للملك بيبي الأول وزوجاته. هذا الكشف يُضاف إلى سلسلة اكتشافات سابقة مثل مقبرة الوزير "وني"، الذي اشتهر بأطول سيرة ذاتية لرجل دولة في التاريخ الفرعوني، والمحفوظة على جدران مقبرته في أبيدوس بسوهاج. * القيمة الثقافية والعلمية 1- تاريخية: الكشف يُلقي الضوء على الألقاب والوظائف في عصر الدولة القديمة، يُبرز أهمية الطب وكهنة الإلهة سركت في معالجة اللدغات السامة. 2- علمية: النقوش والألوان تتيح دراسة تقنيات الرسم والنقش لدى المصريين القدماء، الطلاء الأحمر للسقف يُظهر براعة المصريين في محاكاة المواد الطبيعية. 3- سياحية: الاكتشاف يعزز أهمية سقارة كمقصد سياحي عالمي ، يُضيف بُعدًا جديدًا لجولات السائحين في المنطقة. * رسالة الحضارة المصرية للعالم يُعيد هذا الكشف تأكيد العبارة الشهيرة "مصر جاءت ثم جاء التاريخ". النقوش التي بقيت صامدة تحت الرمال لأكثر من 4500 عام تُبرز الفن والإبداع المصري القديم. الألوان الزاهية ليست مجرد جمال بصري، بل تحمل رسائل عميقة عن الحياة الاجتماعية والدينية لدى المصريين القدماء. يعتبر اكتشاف مقبرة "تيتي نب فو" في سقارة هو شهادة حية على عظمة الحضارة المصرية القديمة. النقوش والألوان التي صمدت لآلاف السنين تعكس براعة المصريين القدماء في تخليد إرثهم. هذا الكشف ليس مجرد اكتشاف أثري، بل هو نافذة جديدة لفهم الحضارة التي ألهمت العالم على مر العصور. ستظل مصر، بحضارتها العريقة ومواقعها الأثرية المذهلة، مصدر إلهام للعالم بأسره، حيث تحمل كل قطعة أثرية قصة عظيمة تنتظر من يرويها.