■ بقلم: د. طارق فهمي ويؤسس الواقع العسكري الذي تعمل عليه إسرائيل لوجود استراتيجي يمتد لسنوات أعلن وزير الدفاع الإسرائيلى يسرائيل كاتس عن تطوير التعامل العسكرى فى عمق قطاع غزة والبدء في تنفيذ مخطط أشمل لإعادة انتشار الجيش الإسرائيلي مع بدايات العام الجديد 2025 ما يؤكد أن إسرائيل ماضية فى خطها العسكرى فى القطاع وأن ما سيجرى سيبقى الأوضاع فى القطاع لأطول مدة معينة لإسرائيل وبقائها في القطاع. من الواضح أن الإجراءات الإسرائيلية الراهنة فى القطاع تنتقل إلى أهداف وسياسات جديدة انطلاقا لسعى الجيش الإسرائيلى إلى تفتيت أوصال قطاع غزة عبر استحداث محاور عرضية وطولية عزلت المدن عن بعضها البعض، لإحكام سيطرته على جميع نواحى الحياة، الأمنية والاقتصادية، ما يزيد من معاناة النازحين، حيث يستخدم الجيش الإسرائيلى خمسة ألوية فى شمال القطاع وفرقة أخرى فى المحور وفرقة أخرى فى رفح وأعداد كبيرة من المقاتلين والوسائل. لزمن طويل، حجم قوات كهذا يصعب على الجيش الإسرائيلى البقاء بنجاح فى كل جبهات القتال. ركزت القوات الإسرائيلية على توسيع «ممر نتساريم»، على حساب أراضى وأنقاض منازل الفلسطينيين، بخاصة فى حى الشيخ عجلين، وحى الزيتون شمالاً، وأجزاء من مخيمى البريج والنصيرات، وبلدة المغراقة من جهة الجنوب، ووصل طول الممر بعد التوسعة إلى 8 كيلومترات، من الحد الفاصل بين القطاع وإسرائيل شرقاً، وحتى شاطئ البحر غرباً، وبعرض يصل إلى 7 كيلومترات وقد جرفت القوات الإسرائيلية جميع المنازل والأراضى المحيطة بالمناطق التى يقطعها ممر نتساريم الذى يتقاطع مع شارع صلاح الدين غربًا، وهو الطريق الرئيسى الممتد من مدينة بيت حانون شمالًا إلى رفح جنوب القطاع، وهذا الهدم والتدمير كله من أجل توسعة المحور «الذى تتجاوز مساحته الكلية حاليا 56 كيلومترًا مربعًا من إجمالى مساحة القطاع البالغة 365 كيلومترًا، وتحول لمنطقة عسكرية، تنتشر على طوله أربع منشآت عسكرية ثابتة ومعتقلات، ومراكز قيادة، وأماكن لنوم الجنود، كما تم تعبيد الطرق لتسهيل حركة المركبات العسكرية. وقد استهدفت القوات الإسرائيلية من إقامة المنطقة العازلة التى أوجدتها القوات الإسرائيلية وفق قاعدة أساسية تقوم على ثلاثة عناصر هى: التطويق والاختراق والتشتيت، تمكنه من تطويق الأحداث التى قد تقع فى الشمال وتمنع تمددها إلى الجنوب، أما وجود دعم من الجنوب للشمال فأصبح مستحيلا فى ظل الوضع القائم، لما فى تقطيع الأوصال من تشتيت للقوة، حتى إن الانتقال من الشمال إلى الجنوب يتم بإذن إسرائيلى. إضافة لما سبق فقد قامت القوات الإسرائيلية بإنشاء محور جديد يفصل مدينة غزة عن محافظة الشمال بخط عرضى يمتد من معبر «ناحل عوز» بالقرب من حيّ الشجاعية شرق مدينة غزة، وباتجاه مفترق مستوطنة «مفلاسيم»، قرب مدينة «سديروت» بغلاف غزة شمالا، وبموجبه بدأت القوات الإسرائيلية بعزل مدينتى بيت لاهيا وجباليا، وبلدة بيت حانون، وفصلها عن مدينة غزة، وتطويقها من جميع الجهات، وبهذا المحور استكمل الاحتلال تقطيع القطاع بشكل طولى وعرضى بممرات من الشرق إلى الغرب، ومن الشمال إلى الجنوب. ومن المتوقع أن يكرر الجيش الإسرائيلى سيناريو تقسيم القطاع وتحويله لمناطق ومربعات تحت مسمى «خطة الجنرالات»، بعد فشل محاولة تقسيمه، حيث تكرس هذه الخطة نوعين من الفصل، الأول داخلى، من خلال تحويل القطاع لكانتونات معزولة، وإعادة رسم الخريطة الديمغرافية وفق خطط الاحتلال الأمنية، والثانى عزل غزة عن محيطها العربى، من خلال السيطرة على محور صلاح الدين وهى حدود مصر مع غزة. ويتضح مما يجرى فى قطاع غزة أنه يشابه ما هو قائم فى الضفة الغربية، إذ أصبحت المدن والمخيمات فيها مفصولة بعضها عن البعض الآخر ويمكن للقوات الإسرائيلية إغلاقها ومحاصرتها فى أى لحظة، عبر بوابات حديدية وحواجز على المداخل الرئيسية للطرقات التى تربط أوصال المدن والقرى والمخيمات، وتمكنه من احتواء أى حدث أمنى يقع فى منطقة ما وتطويقه وإنهائه بأقصى سرعة. في هذا السياق لن تسمح إسرائيل مستقبلاً بأن تتولى أى جهة غيرها مسئولية الأمن فى القطاع، نظرًا إلى أن انسحابها أحادى الجانب فى العام 2005 هو الذى أدى لتنامى قدرات الفصائل الفلسطينية من وجهة النظر الإسرائيلية. ويؤسس الواقع العسكرى الذى تعمل عليه إسرائيل لوجود استراتيجى يمتد لسنوات، ولن يكون قابلًا للتفكيك فى الوقت الحالى، لحين ضمان إسرائيل لأمنها بشكل مطلق، كما أن الهدف الأساسى هو إيجاد هيكلية أمنية وديمغرافية جديدة فى قطاع غزة، تُسهل على إسرائيل مستقبلاً فرض واقع أمنى يخدم تطلعاتها ويحمى مستوطنات الغلاف من أى تهديد قد تتعرض له فى المدى المنظور ورغم إعادة احتلال القطاع واقتطاع ثلث مساحته حاليا فمن المستبعد عودة الاستيطان لغزة، لأن إسرائيل تدرك معضلة القطاع، إذ إن إنشاء مستوطنات سيؤدى لاحقا لتنامى فكرة المقاومة، وعودة الصراع من جديد، بينما تريد إسرائيل حسما حقيقيا للصراع. وتعطى مجمل هذه التدابير والإجراءات الأمنية إسرائيل حرية العمل فى الدخول والخروج لكل مدن قطاع غزة، من خلال تقسيمها لمحاور بعرض قطاع غزة، يسهل لها حرية الحركة والمطاردة لأى جيوب للمقاومة قد تنشأ فى المستقبل، كما يحدث فى مخيمات الضفة الغربية الأمر الذى يشير إلى أن إسرائيل ماضية العدوانى ولن تتراجع عنه فى استمرار احتلال قطاع غزة لأطول مدة ممكنة.