استؤنفت في العاصمة القطريةالدوحة جولة مفاوضات جديدة بين الإسرائيليين وحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، في رحلة البحث عن أرضية تُمهد الطريق لاتفاقٍ يوقف الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة لمدة لا تقل عن شهرين، في صفقة ستُمثل طوق نجاة لسكان غزة الذين هم في أمس الحاجة إليها وسط أوضاع مأساوية يجابهونها تحت صواريخ الاحتلال وآلام الجوع والأمعاء الخاوية وصرخات الأطفال التي سُمع صوتها دون أن يُمد لها نداء العون والإنقاذ. ومنذ أن اندلعت الحرب الإسرائيلية في غزة قبل قرابة ال15 شهرًا، لم تفضِ المباحثات التي قادها وسطاء في مصر وقطر بين حركة حماس والجانب الإسرائيلي سوى عن اتفاق وحيد لوقف مؤقت لإطلاق نار استمر لمدة أسبوع واحد بين 24 نوفمبر/ تشرين الثاني و1 ديسمبر/ كانون الأول 2023، تخلله صفقة تبادل أسرى بين المقاومة والاحتلال، حيث أُفرج عن 81 رهينة إسرائيلية من النساء والأطفال مقابل ثلاثة أمثال هذا العدد تقريبًا للأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال من النساء والأطفال كذلك. ومنذ أكثر من 13 شهرًا لم تنتج عن أي مباحثات جرت بين الطرفين أي اتفاق جديد لوقف إطلاق نار أو أفرزت هدنة لبعض الوقت لالتقاط الأنفاس في قطاع غزة، الذي مزقت الحرب شمل أبنائه، وسط تعنتٍ واضحٍ من قبل هرم السلطة الإسرائيلية المتمثل في بنيامين نتنياهو وأعضاء ائتلافه الحاكم من المتطرفين، ما أوصد الأبواب أمام كل مساعي التوصل لصفقة تجعل الحرب، التي تدور رحاها منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، تضع أوزارها. مفاوضات غير مباشرة في قطر وأعلنت حركة حماس، أمس الجمعة، استئناف المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل في العاصمة القطريةالدوحة بشأن الهدنة في غزة. وقبل ذلك، قال مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أول أمس الخميس، إنه سمح للمفاوضين الإسرائيليين بمواصلة المحادثات في الدوحة حول الصفقة في غزة. وتمر المباحثات الأخيرة بين حركة حماس بتقلبات متعدة، فكلما أوشك المفاوضون على التوصل لاتفاقٍ حول وقف إطلاق النار لمدة 60 يومًا على الأقل، سرعان ما تتعثر تلك المفاوضات، وقد اتهمت حركة حماس تل أبيب بوضع شروط جديدة على الطاولة غير التي تم الاتفاق عليها، وهو ما يتسبب في فقدان التقدم المحرز في المباحثات والعودة مجددًا إلى المربع الأول في المفاوضات. تقدم بطيء وجولة حاسمة وإلى ذلك، قال أشرف القصاص، المحلل السياسي الفلسطيني المقيم في غزة، إن "هناك تقدمًا بطيئًا في مفاوضات وقف إطلاق النار برعاية مصرية قطرية"، مضيفًا أن المفاوضات ستتركز على سد الفجوات التي ظلت عالقة منذ الجولة الأخيرة من المباحثات، والمتعلقة بعدد الأسرى الإسرائيليين الذين سيُفرج عنهم، وعمق الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة، كذلك نوعية الأسرى الفلسطينيين، الذين سيطلق سراحهم في إطار الصفقة. وأردف القصاص قائلًا: "هذه الجولة من المفاوضات ستكون حاسمة إذ لم يتبق وقت أمام مهلة ترامب، التي نعرفها جميعًا، حتى ظروف الأسرى الإسرائيليين لم تعد تسمح بالمماطلة وتلاعب نتنياهو". وأشار القصاص، ل"بوابة أخبار اليوم"، إلى أن حركة حماس تصر على أن يكون الانسحاب من هذه الأماكن ملموسًا وعميقًا في المرحلة الأولى بينما تقول إسرائيل إنها مستعدة لبحث هذا في المراحل التالية من الاتفاق. وأضاف القصاص أن إسرائيل تريد حسم قضية "اليوم التالي" للحرب تزامنًا مع مفاوضات صفقة التبادل، إلى جانب قضايا عالقة ما زالت تعيق التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة. وأشار أيضًا إلى أن إسرائيل تشترط الحصول على قائمة الأسرى الأحياء وجنسياتهم وعدد الجنود، إضافةً إلى "فيتو إسرائيلي" على أسماء بعض الأسرى الذين تطالب حماس بالإفراج عنهم. عقدة قد تعصف بالصفقة وتطرق القصاص للحديث عن أن هناك عقدة أخرى يجب حلها في المباحثات، والتي تتمثل في مطالب حماس للوسطاء بتعهدات لإنهاء الحرب في غزة في نهاية مراحل الاتفاق. وأوضح قائلًا: "لكن تصريحات نتنياهو حول نيته للعودة إلى الحرب مرة أخرى وضعت العصي في دواليب الاتفاق، وهذا ما سيتم حسمه في جولة المفاوضات الحالية". لكن المحلل السياسي من غزة لفت إلى أنه تم منح الوفد المهني الإسرائيلي تفويضًا كافيًا للتوصل إلى صفقة تبادل، مضيفًا أن الأمور بدأت تنضج ويمكن أن تصل إلى مراحل متقدمة للوصول إلى صفقة. صفقة جزئية ممكنة وعلى غير ذلك، يرى المحلل السياسي الفلسطيني إبراهيم أبراش، وزير الثقافة الفلسطيني الأسبق، أن "ما يجرى ليس مفاوضات بين متحاربين.. كل منهما يملك أوراق قوة، بل بين طرف انتصر عسكريًا وطرف انهزم وهو حركة حماس"، حسب رأيه. واعتبر أبراش أن المختطفين الإسرائيليين لم يعودوا ورقة قوة لدى حماس بل تحولوا لورقة ضدهم، وذلك حسب قوله، مضيفًا أن "هناك مفاوضات عبر قنوات غير رسمية قد تطلق بعدها حماس ما عندها من مختطفين مقابل أن تستمر في المشهد"، منوهًا إلى أن ذلك "سيكون بشروط الاحتلال"، حسب وجهة نظره. وتحدث أبراش عن إمكانية التوصل لصفقة جزئية في غزة، خاصةً بعد تهديدات ترامب ووزير الدفاع الإسرائيلي السابق يوآف جالانت، الذي أقاله نتنياهو من منصبه قبل شهرين، مشيرًا إلى أن تلك الصفقة الجزئية ستكون لإطلاق سراح بعض المخطوفين المدنيين والأمريكيين. وحول إمكانية إجبار واشنطن لنتنياهو على القبول بصفقة لوقف إطلاق النار على غير رضاه، قال أبراش: "الإدارة الترامبية أكثر تطرفًا من اليمين اليهودي، لذلك لن يكون ضغطًا بل تفاهم واتفاق"، مستطردًا: "ولكن نتنياهو الذي يفهم ترامب سيلبي مطالبه بالتراضي". صفقة ترامبية مؤجلة ومن جانبه، قال أيمن الرقب، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس والخبير بالشؤون الإسرائيلية، "أعتقد أن موضوع التوصل لصفقة في غزة قد يؤجل برمته إلى غاية دخول ترامب إلى سدة الحكم في البيت الأبيض، وقد يكون هذا باتفاق بالفعل مع ترامب، حتى لا يُمنح شرف التوصل لهذا الاتفاق لسلفه جو بايدن". وأضاف الرقب، ل"بوابة أخبار اليوم"، أن مسألة الصفقة قد تؤجل حتى اليوم الأول لتولي ترامب مهام عمله في البيت الأبيض ويكون وقتها الإعلان عن أولى الصفقات ونجاح تهديده في الوصول إلى تهدئة وإطلاق سراح عدد من الأسرى الإسرائيليين من قطاع غزة". وهدد ترامب، الذي يتأهب للعودة لسدة الحكم في البيت الأبيض، ب"جحيم في الشرق الأوسط"، وحذر الفصائل الفلسطينية في غزة من أنها ستدفع ثمنًا باهظًا إذا لم يفرج عن الرهائن المحتجزين في غزة قبل تنصيبه. ومن بين الرهائن المحتجزين في غزة لدى فصائل المقاومة الفلسطينية عددٌ من حاملي الجنسية الأمريكية، ويُقدر عددهم بنحو 7 رهائن على الأقل.