بعد ما يقرب من شهر على الإطاحة بنظام بشار الأسد تبقى سوريا أمام احتمالات صعبة مع وجود سلطة أمر واقع تسير فى اتجاه اتخاذ قرارات يغلب عليها صفة التمكين أكثر من المشاركة، فى وقت عانت فيه البلاد من حرب أهلية طاحنة طيلة أكثر من عقد من الزمان، تتطلب فى الوقت الحالى مشاركة شاملة لكافة المكونات السورية التى كانت حاضرة فى المشهد السورى منذ اندلاع الاحتجاجات ضد النظام السابق فى العام 2012، وحتى سقوطه فى الثامن من ديسمبر الجاري. ◄ الأممالمتحدة: التصعيد فى عدد من المناطق أمر مقلق ◄ سياسى سورى: المعارضة المدنية أضحت أكثر تخوفًا من الإقصاء ◄ تساؤلات حول تشكيل جيش جديد بدون إقرار الدستور! ◄ تفكيك الهيئات والمؤسسات يدفع للصراعات الأهلية وظهرت بوادر العنف سريعا إذ إن الأيام الماضية كانت شاهدة على وجود اشتباكات بين قوات العمليات العسكرية فى سوريا من جهة، وعناصر من نظام بشار الأسد السابق على الناحية الأخرى، وكذلك تظاهر آلاف السوريين من أبناء الأقلية العلوية، التى ينتمى إليها بشار الأسد، فى عدد من المدن بعد تداول مقطع فيديو يظهر اعتداءً مفترضاً على مقام للطائفة فى حلب. تسارع الأحداث الأيام الماضية كانت شاهدة أيضا على اغتيال ثلاثة قضاة، واقتحام كنائس ومقابر مسيحية وتحطيم أيقونات، فى الوقت الذى كان يتحدث فيه أحمد الشرع المعروف باسم أبومحمد الجولانى قائد الهيئة، والذى يتولى إدارة العملية السياسية الآن فى البلاد، عن السلم الأهلى والتسامح والديمقراطية ونبذ الطائفية والسلام. وذكرت تقارير سورية أن الأمن العام التابع للعمليات العسكرية دفع بمزيد من القوات إلى منطقة الميادين فى ريف دير الزور، التى تعد من أهم المناطق التى كانت تتمركز فيها ميليشيات تابعة لإيران، وذكر المرصد السورى لحقوق الإنسان أن إدارة العمليات العسكرية نفذت، الجمعة، حملة دهم واسعة فى مدينة البوكمال والقرى المحيطة بها، شملت قرى الجلاء والهرى والدوير وصبيخان، وجاءت هذه الحملة بعد انتهاء المهلة الممنوحة لعناصر النظام السابق والميليشيات الموالية له لتسوية أوضاعهم. ووفقاً للمرصد السوري، فقد أسفرت الحملة عن اعتقال نحو 100 شخص، بينهم عناصر ينتمون لميليشيا «الفوج 47» سابقاً، بالإضافة إلى ضبط مستودع يحتوى على أسلحة وذخائر، بما فى ذلك عبوات وألغام معدة للاستخدام فى مناطق مدنية بهدف إثارة الفوضى وتهديد الأمن، ولعل ذلك ما دفع المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، غير بيدرسون، للحديث فى جلسة مغلقة بمجلس الأمن، إن التصعيد فى عدد من المناطق السورية أمر مثير للقلق، مشدداً على ضرورة «استعادة سيادة سوريا ووحدتها وسلامتها ووقف جميع أعمال العنف». أضاف: «يجب أن يكون الانتقال السياسى بيد سورية مع ضمان الحكم الموثوق وغير الطائفى والإصلاح الدستورى والانتخابات النزيهة ومشاركة المرأة». ◄ السلطة الجديدة وتُشكل المناطق التى تشهد حملات أمنية من السلطة الجديدة وبين فلول النظام السابق وهى على الساحل السورى جزءا مهما من الخريطة السورية وأن التعامل الأمنى المباشر دون ترك مساحة يمكن من خلالها التعرف على مواقف الأطراف المختلفة عقب الإطاحة بالأسد يبرهن على أن لغة الثأر هى السائدة بدلاً من العدالة الانتقالية، وهو ما يزيد الانقسامات داخل المجتمع السورى بل ويقود ذلك لتغذية النبرات الطائفية، وأن الاستمرار فى فتح أبواب الكراهية بعد سنوات من الصراع سيقود إلى تفجر صراعات جديدة بين الأطراف المختلفة التى تتأهب للدخول فى حروب جديدة بحثا عن إيجاد نقاط تموضع لها فى ما يسميه البعض ب«سوريا الجديدة». ولعل ما يثير القلق على نحو أكبر أن خطاب التحريض يطال الأكراد أيضا وهو ما يفتح الباب أمام نزاعات مسلحة جديدة مع وجود دوافع خارجية تهدف للتعامل مع المكونات الكردية وإضعافها، وأن تعامل السلطة الجديدة مع هذه الأطماع يحب أن يبقى من خلال تعزيز مفاهيم الدولة الوطنية وسيادة الدولة لكن ذلك يغيب فى الممارسات التى تقوم بها هيئة العمليات العسكرية بعكس التصريحات التى تصدر من القادة السياسيين الجدد، ويتفق جميع السوريين على أن تحقيق العدالة الانتقالية هو مفتاح الاستقرار وأن إجراء حوار شامل تفضى إلى تعزيز أدوار القضاء وتقديم كل من تورط فى جرائم الحرب إلى المحاكمات وتعزيز المشاركة السياسية بين مختلف الأطياف هو السبيل نحو إعادة بناء الثقة بين مكونات الشعب السوري. وفى المقابل، فإن الذهاب نحو تفكيك كافة هيئات ومؤسسات الدولة السورية يسرع من وتيرة الاتجاه للصراعات الأهلية، وأن النماذج السابقة فى العراق أو ليبيا أو اليمن شاهدة على أن عملية تفكيك المؤسسات ما هى إلا خطوة نحو إلقاء البلاد فى جحيم الصراعات والتفتيت والتقسيم، وفى الحالة السورية التى ينتشر فيها السلاح والعتاد العسكرى بين مكونات مختلفة فى غياب كامل للجيش والأجهزة الأمنية، فإن ذلك سيقود إلى فوضى عارمة سيكون هناك صعوبات عديدة فى حال حاول أحد من السلطة احتواءها. ■ مظاهرات بسبب حرق مقام شيخ العلويين ◄ مؤشر سلبي وقال سياسى سورى بارز يقيم فى القاهرة وهو أحد معارضى بشار الأسد، فضل عدم ذكر اسمه، إن عدم مشاركة شركاء الدرب فى معارضة نظام بشار الأسد فى تأسيس المرحلة الانتقالية مؤشر سلبي، وهناك تعويل على الأطراف الخارجية التى تدعم من هم فى السلطة الآن لتعديل المسار القائم، وأن المعارضة السورية المدنية أضحت أكثر تخوفا من إقصائها من المشهد الآن، مشيرا إلى أن أتباع النظام السابق الآن يحاولون ترتيب أوراقهم بعد أن اعتادوا طيلة السنوات الماضية على أن يتم توفير الحماية لهم، والآن هم يتعرضون لما كانت تتعرض له المعارضة فى السابق وسيقود ذلك إلى نشوب صراعات. وأضاف إن لم يتم فتح الباب أمام قوى الثورة السورية لكى تكون حاضرة فى المشهد الراهن فإن سوريا ستدخل فى مراحل التقسيم والصراعات، التى بدأت بوادرها عبر الاشتباكات المستمرة منذ الأسبوع الماضي، وذلك فى توقيت مبكر للغاية عبر رحيل النظام، مشيرا إلى أن الحرب قد تكون حربا إسلامية إسلامية أو سنية سنية أو حرباً مناطقية وعشائرية مع الأكراد، وأن الخلافات المستترة الآن داخل قوات ردع قد تكون قابلة للظهور على السطح مرة أخرى فى حال جرى الارتكان على العمليات الأمنية بشكل رئيسى فى التعامل مع أتباع النظام السابق. وشدد على أن الإدارة الجديدة تعانى من نقص فى القوات وهو ما يجعل هناك حالة سيولة أمنية كما أن الرعونة السياسية تبقى ظاهرة وواضحة فى التوجهات الحالية نحو الداخل والخارج، وأن استخدام مصطلحات تشى بالقوة مع شعب يعانى من حرب أهلية طاحنة طيلة السنوات الماضية يبرهن على أن المواطنين لن يصمتوا كثيرا أمام هذه الخطابات، كما أنه لا أحد يعرف كيف يتم تشكيل جديد دون وجود دستور، وأن اتخاذ أهم خطوات تأسيس الدولة الجديدة على أسس خاطئة سيؤدى إلى نهايات قد تكون مدمرة. ◄ شبح الحرب وقال المحلل السياسى المتخصص فى الشأن السوري، مصطفى السعيد، إن شبح الحرب الأهلية يحوم حول سوريا بعد الاشتباكات التى اندلعت بين مسلحى هيئة أحرار الشام والمواطنين، فى مناطق متفرقة والاتجاه نحو اعتقال أبناء الطائفة العلوية، وأخيرا الاعتداء الذى وقع فى حلب على مقام أبرز شيوخ ومؤسسى الطائفة العلوية، وهو يعد من أبرز المزارات الدينية لدى الطائفة حول العالم، كما أن اندلاع المظاهرات سريعا سواء كان ذلك من جانب المسيحيين الذين طالبوا بوقف الانتهاكات ضدهم أو من العلويين يبرهن على أن المستقبل سيكون صعبا، وأن الاستقطاب سيأخذ فى التنامى ويتبلور فى شكل صراعات أهلية طويلة. وشدد على أن التحدى الأكبر فى سوريا خلال الفترة المقبلة هو كيفية تجاوز الطائفية والوصول لأن تكون المواطنة أساس الدولة الجديدة وذلك من خلال إشراك جميع المكونات فى رسم مستقبل البلاد، غير أن الواقع لا يشير إلى ذلك بخاصة أن القيادة الجديدة قامت بحل الجيش السورى وتشكيل آخر قوامه من فصائل المعارضة مع إلغاء التجنيد الإجبارى ما يعنى أن الجيش سيكون حكرا على مسلحى الهيئة وبعض المتعاونين معهم، وليس من المعروف كيف ستتعامل القيادة الجديدة مع الجماعات المسلحة من خارج هيئة تحرير الشام، والتى ترفض تسليم أسلحتها، وكذلك كيف ستتعامل مع قوات سوريا الديمقراطية والتى تحظى بدعم أمريكي. وأوضح أن سوريا فى الوقت الحالى عبارة عن بلد يتواجد بداخله مجموعات عديدة بيدها السلاح، وأن تلك المجموعات لا تثق فى بعضها البعض بشكل كامل، كما أن وجود أطراف خارجية تدعم الأطراف المحلية فى اتجاهات مختلفة، تجعل من صدامها أمرا مرجحا، وأى صدامات فى الداخل السورى يمكن أن تكون لها ارتداداتها على عدد من دول الجوار، وبالتالى فإن النظام الجديد عليه أن يكبح جماح الفصائل المسلحة، وأن يمنح سكان سوريا الأمل فى بناء نظام ديمقراطي، تشارك فيه كل المكونات على قدم المساواة، استنادا لمعيار المواطنة وليس الطائفة.