ما أجدر هؤلاء أن يكونوا حملة شُعلة التجديد الحقيقى، فقط لو أتاحت لهم إدارة الأزهر فرصة أكبر للتحليق واتخاذ القرار فراشات لامعة حول مشكاة نورانية تضيء ليل العتمة والتقلبات الرعناء فى منطقة ملتهبة؛ مخلوقات رقيقة لم تفشل يومًا فى بث الشعور بالأمان المعرفى والطمأنينة إلى قلب كل باحث ودارس، وإلى قلبى القلِق؛ كنتُ عندما أُقابلهم وأُجالسهم وأحادثهم أقول فى نفسي: ليت أنّا بقدر الحب نقتسم، وأشعر أن هذه النجوم والنجمات العلمية اللامعة تحتاج فقط إلى براح، إلى فضاء أرحب تطير فيه وحدها، دونما قيد أو بيروقراطية، لتضيء، ليس مصر وحدها، وإنما العالم الإسلامى كله. لتوثق العُرى طلبوا عدة مُحاضرات فى الكتابة الصحفية؛ فكنتُ أحمل جرائدى ومجلاتى وأذهب إلى الموعد لأجدهم مصطفّين يحملون أوراقهم وأقلامهم فى تواضع الكبار، يسألون فى لهفة الباحث وشوق المتعلم، فتلمع عيناى بالفرحة الطاغية، وأقول فى نفسي: ما أجدر هؤلاء أن يكونوا حملة شُعلة التجديد الحقيقي، فقط لو أتاحت لهم إدارة الأزهر فرصة أكبر للتحليق واتخاذ القرار، وأطلقت عنانهم قليلًا، ولو بمراقبة عن كثب؛ بدلًا من هذه التؤدة التى لا تصلح لعصر التسارع. مؤخرًا فازت وحدة «لمّ الشمل» التابعة لمركز الأزهر العالمى للفتوى الإلكترونية بجائزة التميز الحكومى العربي، كأفضل مشروع حكومى عربى «فئة التكريم الخاص»؛ حيث تم تكريم فريق المركز، برئاسة د. أسامة هاشم الحديدي، خلال حفل الدورة الثالثة من «جائزة التميز الحكومى العربي»، والتى أطلقتها حكومة دولة الإمارات بالشراكة مع جامعة الدول العربية، بهدف المساهمة فى التطوير الإدارى والتميز المؤسسى الحكومى على المستوى العربي، وتحفيز الفكر القيادى، والاحتفاء بالتجارب الإدارية والحكومية الناجحة فى الدول العربية. تأسيس وحدة «لم الشمل» كان خطوة سباقة ورائدة للتوعية فى مجال حل النزاعات الأسرية؛ للحد من زيادة حالات الطلاق، التى أصبحت مشكلة كبرى تهدد استقرار المجتمع، وتعوق طريقه للتقدم والرقي، كما أنها تتميز بالحفاظ على أسرار طرفى المشكلة.. وأعترف أننى حاولت كثيرًا التصوير الصحفى داخل الوحدة وعمل معايشة صحفية، لكن القائمين على المركز كانوا يعتذرون فى لطف بأن الأسرار أولوية قصوى عندهم؛ والحقيقة أنه منذ أن بدأ مركز الأزهر العالمى للفتوى الإلكترونية عمله فى 2016م لم يقتصر دوره على تقديم الفتوى الشرعية عبر الوسائل المتاحة؛ بل اضطلع بدور توعوى ومجتمعى شامل؛ استشعارًا منه لأهمية الاستقرار المجتمعى وأثره على استقرار الوطن. وعمل المركز على إنشاء وحدة «لمّ الشمل» لرأب صدع الأسرة المصرية منذ ست سنوات؛ حيث بدأت عملها فى عام 2018م، وذلك بعد أن رصد المركز بأدواته وآلياته الإفتائية الاستفسارات الكثيرة الواردة إليه والمتعلقة بالأحوال الشخصية وقضايا الأسرة. كنتُ شاهدًا ومُراقبًا، ومتفاعلًا أيضًا، مع انبثاق هذا الكيان العلمى والتقنى ليكون درة جديدة تُضاف إلى درر مؤسسة الأزهر الشريف؛ رأيتُ جهدهم المتواصل فى مجال حل النزاعات الأسرية ودعم الأسرة، والحد من الانفصال والطلاق، من خلال «وحدة لم الشمل»، التى تعالج مشكلات كبرى تهدد استقرار المجتمع؛ إضافة إلى جهودهم فى العمل على بناء توعية ثقافية ومجتمعية بضرورة الحفاظ على كيان الأسرة، من أجل بناء مجتمع قوى ومتماسك وآمن. يعتمد فريق «لم الشمل» فى تنظيم العمل من خلال تحديد الأدوار والمهام بدقة، وتنسيق الجهود مع الأطراف المعنية، واعتماد مؤشرات قياس دقيقة لتحقيق الأهداف، وتقديم تقارير تفصيلية توضح كيفية الاستفادة منها فى تحسين أداء الفريق؛ إضافة إلى توثيق نتائج المشروع على الأرض، مدعومًا باستطلاعات رأى للمستفيدين، وتحليل دقيق لها بهدف تطوير العمل. الوعى بمخاطر الطلاق والانفصال وتثقيف أعضاء الأسرة المصرية يجب ألا يقف على وحدة فى مركز الفتوى الإلكترونية، مع ريادتها وتميزها؛ ولكن يجب أن يكون مشروعًا قوميا تقوم به وزارات الثقافة والتربية والتعليم والتعليم العالى والرياضة والتضامن وغيرها، مع الدعم الإعلامي؛ بحيث تصبح لدينا حوارات مجتمعية وخطة عمل نواجه بها تلك الصراعات الضاغطة بين قطبى الأسرة ونحمى تماسكها.