■ بقلم: د. طارق فهمي هناك مجموعة واسعة من الشروط المعلنة التي ستبقى محل تفاوض وسجال بين الغرب وبين الإدارة الجديدة فى دمشق تشهد الأوضاع في سوريا تطورات متلاحقة نتيجة ما يجرى من تفاعلات دولية وإقليمية مرتبطة بالفعل بحالة الحراك السياسى والأمنى، من الواضح أنه لا يوجد حتى الآن تصور محدد لمعنى فك الارتباط بين هيئة تحرير الشام والقاعدة، أو وجود منطلق حقيقى لتصفية العلاقات بين الجولانى وأبو بكر البغدادى وليس فى التصور الوصول إلى استنتاجات حاسمة بشأن تقييم تجربة الهيئة والمؤسسات التى أنشأتها لإدارة المناطق التى سيطرت عليها فى إدلب خاصة أن خريطة الصراع السورى موزعة فى قوى رئيسية تتصارع وفق أهدافها إدارة العمليات العسكرية التى يتولى إدارتها أحمد الشرع، وقد باتت أكثر القوى شرعيةً فى ضوء التفاعلات الراهنة مما أعطاها، إلى جانب علاقاتها القوية مع تركيا، حيزاً من قوة فى التعامل مع الطرفين الآخرين وما تمثله الإدارة الذاتية التى يديرها حزب الاتحاد الديمقراطى الكردى، وواجهتها السياسية مجلس سوريا الديمقراطية مسد وذراعها العسكرية قوات سوريا الديمقراطية قسد، وتسيطر على مناطق فى أربع محافظات تمتد فى شمال وشرق سوريا، هى الحسكة ودير الزور والرقة وحلب. والملاحظ أن الجيش الوطنى السورى المعارض المدعوم من تركيا يخوض فعليا حربا ضد قوات سوريا الديمقراطية الكردية قسد، وأن هناك خلافات من جانبهما مع هيئة تحرير الشام ويذكر أن تلك الفصائل المعارضة لا تتكون من سوريين فقط وإنما يوجد فى صفوفها مرتزقة أجانب من الشيشان ومن بعض الدول العربية والأوروبية. يتضح من قراءة التطورات الجارية أن ليس هناك تجانسا فيما بين الفصائل التى نجحت فى إسقاط النظام حول كيفية تشكيل مستقبل سوريا فى مرحلة ما بعد سقوط النظام كما أن هناك تباينا فى رؤى الأطراف الإقليمية والدولية المعنية بالشأن السورى بصرف النظر عن الدعوة لحوار وطنى أو تشكيل حكومة تسيير الإعمال، وهو الأمر الذى يعزز من ضبابية الموقف بالنسبة لكيفية الشروع فى عملية سياسية جامعة يقودها السوريون أنفسهم لإنجاز عملية انتقالية وفقا لقرار مجلس الأمن 2254 مع حماية الأقليات والمكونات السورية المختلفة وحتى مع الحرص على إرسال تطمينات للأكراد ودعوتهم للانسحاب من المناطق التى يسيطرون عليها فى شمال وشرق سوريا، والانضواء تحت لواء الحكومة الجديدة . في هذا السياق يتمثل هدف تركيا الاستراتيجى فى إنهاء وجود وحدات حماية الشعب الكردية من خلال أحد خيارين، إما أن تحل نفسها أو تواجه القضاء عليها بالقوة وأن الموقف التركى من التنظيمات الكردية فى سوريا يمثل قضية وجودية تتعلق بالأمن القومى التركى وإن كانت لا تراهن تركيا على المحادثات الجارية مع الإدارة الأمريكية الحالية، بل تنتظر تولى الرئيس المنتخب ترامب السلطة، حيث تمتلك تركيا أوراق ضغط قوية فى هذه المرحلة، ما جعلها فى موقع أكبر الرابحين إقليميا. فى المقابل تواجه قسد خيارات محدودة للتعامل مع ضغوط أنقرة وهيئة تحرير الشام لنزع سلاحها والتحول إلى حزب سياسى، بينما تعانى من تقاطعات مع تشكيلات كردية معارضة لها، وسط تحذيرات من الذهاب إلى الخيار المسلح، حيث لم يبق لها سوى الولاياتالمتحدة، لكن تركيا هى من تتحكم بالمشهد السورى الآن وقد تؤدى التعقيدات النشطة فى الشمال الشرقى إلى اقتتال داخلى بين جماعات كردية. والمعنى أن هناك مجموعة واسعة من الشروط المعلنة التى ستبقى محل تفاوض وسجال بين الغرب وبين الإدارة الجديدة فى دمشق، منها حماية الأقليات الدينية والطائفية والإثنية، وضمان حقوقهم، وإشراك جميع المكونات والشرائح والأطياف فى حكم سوريا، وعدم اضطهاد المرأة وحرمانها من حقوقها، وتوفير الحريات واحترامها. ومن المتوقع أن تزداد حدة المنافسة القديمة بين تركياوإيران فى المستقبل، خاصة فى الساحة العراقية. ومع ذلك، يُرجح أن تظل هذه المنافسة متوازنة، دون أن تؤثر سلبًا على العلاقات الاقتصادية بين البلدين. مع تولى ترامب الرئاسة وتصاعد العقوبات الاقتصادية على إيران، يُتوقع أن تفضل إيران التعامل مع تركيا كداعم دبلوماسى ضد العقوبات بدلًا من رؤيتها كخصم. حيث إن تركيا لم تدعم أبدًا إدخال الاقتصاد الإيرانى فى أزمات خانقة، وفضلت الحفاظ على استقرار المنطقة. وستتجاوز العلاقات بين تركياوإيران مجرد علاقات حسن الجوار، فمن غير المتوقع أن تتبنى إيران سياسة خارجية تضعها فى مواجهة واضحة مع تركيا.. إن سوريا لن تتجه إلى أى مواجهة مع دول الجوار، أو مع أى جهة، فضلًا عن أن تكون قادرة على ذلك، وكان الجيش الإسرائيلى فى ذلك الوقت قد دمر معظم القدرات العسكرية، بما يجعل سوريا عمليًا دولة منزوعة السلاح، ومع ذلك فإن رسائل الجيش الإسرائيلى تؤكد أن إسرائيل لن تخرج فى وقت قريب من المناطق التى سيطرت عليها بالتزامن مع سقوط النظام السابق، هذا الأمر سيعقد شكل العلاقة بين الإدارة الجديدة وإسرائيل. سيبقى التأكيد على أن مؤتمر الحوار الوطنى سيمثل استحقاقا سياسيا مهما، لأنه سيرتب لمرحلة تاريخية فى حياة سوريا، بعد إسقاط النظام لكن من الضرورى أن يكون هناك تريث ولابد أن تكون هناك معايير فى اختيار المشاركين، بالإضافة إلى إجراءات تنفيذية وأخرى تطبيقية من خلال لجنة تحضيرية، ووضع أهداف واضحة لهذا المؤتمر فى ظل وجود تخوف مطروح من أن تكون هناك ضغوط دولية تأتى بعناصر من النظام السابق للمشاركة فى فعاليات مؤتمر الحوار الوطنى. ومن المتوقع أن يكون لبعض دول الخليج وتركيا وأوروبا بعض الأدوار لأن هذه الدول تريد تحقيق مصالح اقتصادية وسياسية، خاصة أن سوريا بحاجة إلى مساعدة دولية لدفع اقتصادها ولرفع العقوبات الدولية. فى المجمل مازال أمام النظام السورى الراهن الذى تتشكل أركانه تلال من التحديات والإشكاليات للتعامل والتحرك نحو المستقبل بخطوات تحظى بدعم داخلى وتوافقات إقليمية ودولية.