أثار الملياردير الأمريكي إيلون ماسك عاصفة من الجدل في الساحة السياسية الألمانية بعد نشره مقال رأي يدعم فيه حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتطرف. في خطوة وصفها مراقبون بأنها تدخل سافر في الشئون السياسية الداخلية لأكبر اقتصاد أوروبي. تفاصيل المقال وتداعياته المباشرة وكشفت صحيفة الجارديان البريطانية أن ماسك، المعروف بمواقفه المثيرة للجدل وعلاقته الوثيقة بالرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، اختار صحيفة "فيلت آم زونتاج" الألمانية التابعة لمجموعة أكسل شبرينجر الإعلامية العملاقة، منصةً لنشر مقاله المثير للجدل. اقرأ أيضًا| «لن يحل محلي بالرئاسة»| كيف رد ترامب على منتقدي نفوذ إيلون ماسك بإدراته؟ وقد نُشر المقال أولا على الموقع الإلكتروني للصحيفة يوم السبت، قبل أن يظهر في النسخة المطبوعة يوم الأحد، مما أحدث زلزالا في الأوساط السياسية والإعلامية الألمانية لم تهدأ تداعياته حتى الآن. ولم يكتفِ ماسك بنشر المقال فحسب، بل سبق له أن صرح عبر منصته "إكس" (تويتر سابقاً) بأن "حزب البديل من أجل ألمانيا هو الوحيد القادر على إنقاذ ألمانيا"، في تصريح اعتبره محللون سياسيون تدخلا فجا في الشأن الداخلي الألماني. وقد برر ماسك تدخله هذا بوجود "استثمارات كبيرة" له في البلاد، مما يعطيه - من وجهة نظره - الحق في إبداء رأيه في مستقبلها السياسي. المحتوى المثير للجدل وردود الفعل المؤسسية وحاول إيلون ماسك في مقاله تقديم صورة مختلفة عن الحزب اليميني المتطرف، مستخدما حججا شخصية وأسلوبا شعبويا لافتا. وقد نقلت الجارديان البريطانية مقتطفات من المقال، حيث كتب ماسك محاولاً نفي التوجهات المتطرفة للحزب: "إن تصوير حزب البديل من أجل ألمانيا كحزب يميني متطرف أمر خاطئ بوضوح، خاصة أن أليس فايدل، زعيمة الحزب، لديها شريكة مثلية من سريلانكا!"، وأضاف متسائلاً بشكل استنكاري: "هل يبدو هذا مثل هتلر بالنسبة لكم؟". وفي رد فعل فوري وغير مسبوق، أعلنت إيفا ماري كوجل، رئيسة قسم الرأي في الصحيفة، استقالتها احتجاجاً على نشر المقال. وفي مفارقة لافتة، اختارت كوجل منصة "إكس" المملوكة لماسك نفسه للإعلان عن استقالتها، مرفقة تغريدتها برابط المقال المثير للجدل، في خطوة عكست عمق الأزمة التي تسبب بها المقال داخل المؤسسة الإعلامية العريقة. السياق السياسي والانتخابات المرتقبة ويأتي هذا التدخل المثير للجدل في توقيت حساس للغاية، حيث تستعد ألمانيا لانتخابات مصيرية في 23 فبراير المقبل، بعد انهيار الحكومة الائتلافية برئاسة المستشار أولاف شولتس في أواخر الخريف الماضي. وبحسب استطلاعات الرأي الأخيرة التي نقلتها الجارديان، يحتل حزب البديل من أجل ألمانيا المرتبة الثانية، مما يمنحه القدرة على تعطيل تشكيل أي أغلبية حكومية، سواء من يمين الوسط أو يسار الوسط. ويتبنى الحزب مواقف متشددة ضد الهجرة، ويدعو إلى ترحيل جماعي للمهاجرين من ألمانيا، في موقف يتماهى مع توجهات الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب. وقد صنفت وكالة الاستخبارات الداخلية الألمانية الحزب على المستوى الوطني كحالة تطرف مشتبه بها منذ عام 2021، وهو ما يزيد من حساسية دعم شخصية بحجم ماسك له. اقرأ أيضًا| عودة سياسات ترامب| كيف يخطط لتنفيذ أكبر عملية ترحيل في تاريخ أمريكا؟ موقف المؤسسة الإعلامية والنقاش المجتمعي وفي محاولة للتعامل مع الأزمة، أصدر كل من يان فيليب بورجارد، رئيس تحرير الصحيفة ردا على مقال إيلون ماسك، انتقد فيه موقف ماسك قائلاً إن "تشخيص ماسك صحيح، لكن مقاربته العلاجية، بأن حزب البديل من أجل ألمانيا وحده يمكنه إنقاذ ألمانيا، خاطئة بشكل قاتل"، مشيرا إلى رغبة الحزب في مغادرة الاتحاد الأوروبي والتقارب مع روسيا واسترضاء الصين. وفي ظل هذه التطورات المتسارعة، تعهدت الأحزاب الألمانية التقليدية الأكثر اعتدالا برفض أي تعاون مع حزب البديل من أجل ألمانيا على المستوى الوطني، في محاولة لوضع حد واضح بين السياسة التقليدية والتوجهات اليمينية المتطرفة التي يمثلها الحزب.