ولأننى ابن قرية تقع بالوجه البحرى فى محافظة البحيرة الضهرية مركز إيتاى البارود، وعندما بدأ وعيى يتكون وينمو انصرفت للسؤال عن سبب تسمية قريتى؟ فقال لى الأفندية من أبناء القرية إنها تعود إلى الظاهر بيبرس «19 يوليو 1223 - 1 يوليو 1277». وخلال سنوات إقامتى بالقرية أو حتى بعد أن ترددت على المُدن، وعشتُ ما بين دمنهوروالقاهرة سنوات طويلة لفت نظرى وجود الذين يتاجرون بمعرفة الغيب. أكثر ما توقفت أمامه مذهولاً هو شِدَّة الإقبال عليهم حتى من المتعلمين الذين نفترض فيهم معرفة أبسط قواعد الأشياء، وإدراك أن ما يقوم به هؤلاء عملية نصب على الجمهور للحصول على أمواله. وقد لاحظت أنهم ينتشرون كثيرًا فى القرى رغم أنهم ليسوا من أبنائها. فإن الإقبال عليهم يكاد يكون غير عادى، خاصة فى الأحياء الشعبية من قاهرة المعز، وينتشرون حول المساجد الأساسية والكُبرى مثل السيدة زينب، وسيدنا الحسين وغيرهما. وأنهم يركزون أعمالهم كثيرًا فى يوم الجمعة من كل أسبوع. وينتظرون الخارجين من المساجد ليعرضوا عليهم بضاعتهم المغشوشة علنًا وعلى رؤوس الأشهاد. وأمام من يمثلون الدولة وهم فى هذه الحالة رجال الشرطة وإلى حدٍ ما المسؤولون عن الإدارة المحلية، ويمارس هؤلاء عملهم علناً لوقتٍ يبدأ بعد صلاة الجمعة ويمتد للعصر أو المغرب أو العشاء. حسب تردد الزبائن عليهم. وبينما أنا أُفكِّر فى هذه المشكلة المُحيِّرة التى تنتشر كثيرًا بسبب الأمية أولاً وبسبب أن بعض الذين يتعلمون لا يربطون بين الواقع الذى يعيشون فيه وما تعلموه سواء فى المدارس أو الجامعات. لأنهم بعد وقتٍ من انتهاء الدراسة وبدء العمل تحدُث لهم حالة نسيان لما تحصلوا عليه من علمٍ ومعرفة. لفت نظرى لهذه الظاهرة التى عشتها فى قريتى سنوات، ثم فى الأحياء الشعبية بالقاهرة خاصة أننى أرى بعينيَّ حجم الإقبال عليهم فيما ترددت عليه كثيراً جداً من أحياء القاهرة، خاصة سيدنا الحسين والسيدة زينب. وهذا يتم إما يوم الجمعة أو فى أيام العطلات والإجازات الرسمية. ذكَّرنى بهؤلاء ما قاله مؤخرًا الزميل والصديق أحمد المسلمانى رئيس الهيئة الوطنية للإعلام بحظر استضافة العرافين والمنجمين بالقنوات والإذاعات وقد أصدر توجيهًا لجميع قنوات وإذاعات ومواقع الهيئة بحظر استضافة العرافين والمنجمين. ودعا رئيس الهيئة إلى استطلاع مستقبل المنطقة والعالم عبر التفكير العلمى وقواعد المنطق ومعطيات علم السياسة والعلوم الأخرى، والاستعانة فى هذا الصدد بالعلماء والخبراء والأكاديميين والمثقفين. كما دعا للابتعاد عن الترويج لخرافات المنجمين والمشعوذين مهما كانت شهرتهم، والذين يستهدفون إهانة العقل وتسفيه المعرفة وتأسيس شهرة كاذبة على توقعات عشوائية لا سند لها. وذكر الكاتب أحمد المسلمانى المسئول عن الهيئة الوطنية للإعلام أن واجب وسائل الإعلام مواجهة الجهل، وتعظيم العلم، وتعزيز المنطق. وبعد أن سمعت وقرأت أن الموضوع قد وصل للبرلمان عندما أثاره النائب عصمت زايد عضو لجنة الثقافة والآثار بمجلس النواب الذى أشاد بقرار الكاتب والمسئول أحمد المسلمانى بحظر استضافة العرافين والمنجمين قائلاً: جاء فى الوقت المناسب. وأضاف زايد أن ظهور المنجمين والعرافين على القنوات الفضائية يُعطى لهم مصداقية لدى المواطنين، وأغلبهم يتلاعبون بمشاعر ضحاياهم لجنى الأموال عن طريق النصب والاحتيال والهوس والخيال. إننى أتألم كثيراً جداً كلما مررت على الأحياء الشعبية أو المساجد المعروفة ووجدت حولها هؤلاء المتسولين الذين لا يمنعهم أحد. ولا يقف ضد وجودهم. خاصة من رجال الشرطة والأمن، لأن مجرد أن يقفوا ويعلنوا عن أنفسهم يُعطى صورة غير حقيقية عن مصر ويجعل الانطباع عنها غير سليم وبعيدًا عن الحقيقة. من المؤكد أن من يتسولون أميون، وليت المشروع القومى لمحو الأمية يُعلِّمهم ويُقنعهم بأهمية العلم والقراءة والكتابة، وأنها وسيلة رزق محترمة تُعلِّم المصرى وتحفظ له كرامته الوطنية. إن ترك الحبل على الغارب لهؤلاء يفعلون ما يقومون به وتزداد أعدادهم مع الوقت يجعل من تعلموا يندمون على ما قاموا به، ويتصورون خطأً أن التعليم لم يكن له مُبرر، وتلك أمورٌ خطيرة على كيان المجتمع المصرى. فالأمية من الأمور التى تُهدد كيان مجتمعنا وعلينا جميعاً أن نحاربها كلٍ حسب موقعه وظروفه وإمكانياته. ونحن نفعل هذا من أجل المصريين جميعًا.