تحفل مصر بالعديد من الحرف التراثية التى تعتمد على الفن والإبداع، واشتهرت بعض القرى والمناطق بمختلف المحافظات بحرف تراثية أبدع فيها أصحاب الأنامل الذهبية والأيدى الناعمة على مدار التاريخ، وإن كان بعضها تعرض لشبح الاندثار، إلا أن محبى هذه الفنون يسعون لإحيائها من جديد وتطويرها لمواكبة الموضة مع الحفاظ على هويتها. ◄ ماجدة أعادت فن «التلي» في الصعيد ◄ عادل يصمم حلى نحاسية تواكب الموضة عرفت مصر الحرف التراثية منذ القدم، لا سيما منذ زمن الفراعنة، اعتمادًا على بعض الخامات الطبيعية البسيطة كالأوانى والحرير والخشب، وظلت تتنقل من عصر لآخر وتميزت بالدقة والإتقان، فنجد أن بعض محافظات الصعيد اشتهرت بفن التطريز، بينما تمركزت صناعة الجلود فى الإسكندرية ومنطقة «مصر القديمة» بالقاهرة، ومن القرى التى أبدع نساؤها فى حرفة تراثية تتلألأ بالذهب والفضة قرية «شندويل» بسوهاج وهى القرية التى تشتهر بإنتاج فن «التلي» وتطريز النسيج منذ القرن ال18. قالت ماجدة عبدالرحيم من سوهاج، إن «التلي» من الفنون التراثية فى الصعيد، حيث كان الأمهات يقمن بتطريز فساتين الزفاف لبناتهن منذ الصغر لإهدائها لهن فى يوم الزفاف، وكن يضعن الأحجبة فى الفستان، اعتقادًا منهن بأنها تحمى العروس من الحسد، كما كن يصنعن الشيلان ومناديل الرأس برسومات من وحى التراث، حيث يتم تزيينها برسومات من البيئة مثل الإبريق والقلة والزير والمراكب، مع استخدام الفضة والذهب الخالص فى التطريز. وأضافت: أنه بمرور الزمن اندثر هذا الفن الذى قمت بإحيائه مجددًا قبل نحو 35 عامًا، حيث كنت أعمل بفصول محو الأمية وتشرفنا فى يوم بزيارة من اليونيسيف أعجبت فيها سيدة أجنبية بمنديل رأس مطرّز كانت ترتديه إحدى المتدربات، وعرضت السيدة على الفتاة مبلغًا كبيرًا مقابل الحصول عليه، لكن الفتاة رفضت لأنه كان بمثابة إرث تراثى لها عن والدتها، ومن هنا كانت بداية فكرة إحياء فن التلي، وبدأتُ فى جمع قطع أثواب من بعض النساء للتعرف أكثر على هذا الفن القديم، وبعدها بدأت بالحديث مع سيدات القرية لإحياء هذا الفن، ودربت العشرات منهن، وهن بدورهن قمن بتدريب أخريات حتى أصبح المئات منهن يمتلكن الحرفة والمهارة . وأوضحت ماجدة أنه تم إحياء فن التلى بما يتواكب مع الموضة الحالية، فبجانب الشال والعباءة ننتج البلوزات لفتيات الجامعة بألوان عصرية، والشال يدمج مع النحاس المطلى بالفضة، ولذا فإن أسعارها مرتفعة بعض الشيء فقد يبدأ سعر الشال من 1500 جنيه، خاصة أنه يصنع من نوع خاص وهو التلى القطن ويتم استيراده من الهند، مؤكدة أنه يقبل عليه المرأة العربية والمصرية والأجنبية، ويرتديه المشاهير، حيث أفسحت لها الدولة المجال فى تدريب السيدات على حرفة التلى ودربت العديد منهن تبعًا للغرفة التجارية والمجلس القومى للمرأة وغيرهما حتى أنها سافرت إلى هولندا لتدريب السيدات على التطريز، وقد كان لهن ردود فعل إيجابية على فن التلي. ◄ اقرأ أيضًا | الأشغال اليدوية تفتح باب رزق ل«الأيدي الناعمة» ◄ نبات الحلفا ومن القرى التي يشتهر نساؤها بالعمل فى الحرف التراثية، قرية دهشور بمحافظة الجيزة، حيث تقوم النساء بالاستفادة من الطبيعة واستخدام نبات «الحلفا» فى صنع منتجات كالسجاد والشنط وغيرها. وتقول مروة شاهين، رئيس إدارة جمعية «جديلة»، إحدى الجمعيات المهتمة بتمكين المرأة، إن دهشور تتميز بالحرف اليدوية والتراثية، وهى من المناطق التى تربط بين السياحة الريفية والفرعونية التى تقوم فيها النساء بتنمية الموارد الطبيعية المحلية التى تتمتع بها القرية، ومنها النخيل ونبات الحلفا وهو نبات صديق للبيئة ويتميز عن الخوص فى إعطائه طاقة إيجابية للأماكن والأشخاص، وتشير الأبحاث إلى أنه كان معروفًا منذ زمن الفراعنة حيث كان ينمو على ضفاف النيل وفى الجبال، وحاليًا يتم تجمعيه ومعالجته وتجفيفه فى الشمس، وبعدها يتم استخدامه فى عمل منتجات تعتبر امتدادًا لمسيرة حضارية قديمة. تضيف أن بعد مرور نبات الحلفا بهذه المراحل يتم جدله ثم يتم صنع أغراض عديدة منه كالسجاد والشنط والديكورات المنزلية، وغيرها من الأغراض التى يقبل على اقتنائها الكثيرون داخل وخارج مصر خاصة الفنادق والقرى السياحية لأنه منتج طبيعى 100% ويعطى لمسة جمالية للمكان. أوضحت أن قرية دهشور من القرى المنتجة جميع السيدات يعملن فى الحرف التراثية بمختلف أشكالها منها التطريز على القماش وعباءات الريف وغيرها، وهو أحد أشكال التشجيع على الصناعة المصرية، وبالفعل فأصبح هناك إقبال على المنتجات التراثية وتقدمها كهدايا بدلاً من الهدايا المستوردة مما غير بعض المفاهيم الخاطئة عن الناس وارتباطهم بالمستورد إلى تعلقهم بالتراث. ◄ «الشوير» النوبي على أنغام الموسيقى مازالت سيدات النوبة يصنعن تحفا فنية من ابتكارات أهلها وتراثها صُنعت من وحى البيئة دون تدخل أى آلة ليجذبن السياح من مختلف بقاع الأرض، قاصدين النوبة ومنتجاتها التراثية التى حولت إرث الأجداد إلى حاضر ومستقبل، طالما تبدع فيها السيدات ويصنعن منتجات مختلفة الألوان والأشكال والأحجام. تحكى صفية سيدة من النوبة أن الطبيعة التى تتميز بها النوبة تجعلها رائدة فى صنع المنتجات الحرفية والتراثية التى تصنع من البيئة كالأشجار والنخيل، حيث كانت تمتهنها النساء لتزيين البيوت قبل التسويق ووصولها لمختلف البلدان. ومن المنتجات التى يتميزين بها الطبق النوبى ويطلق عليه «الشوير»، ويتم تجميعه من جريد النخل ويستخدم به الخيوط الملونة وتزين به المنازل أو يستخدم لتغطية الطعام، وتتميز سيدات النوبة بصنع المشغولات اليدوية والشيلان، حيث يقمن بصنعها من الصوف بألوان وخيوط زاهية، كما تحتل صناعة الخوص مكانة كبيرة هناك باستخدام أوراق النخيل فى شكل جدايل تلون بألوان جذابة بعذ ذلك، وتُصنع منها منتجات كثيرة تستخدم فى المنزل ويحرص السياح على اقتنائها كهدايا تذكارية. أما صناعة النول فهى من الموروثات لدى أبناء النوبة، ويصنع عليها بشكل يدوى مختلف الأشكال والألوان من الملابس النوبية والشيلان والسجاد، وهى انعكاس للتراث والبيئة النوبية وتعتمد على خامة القطن المصرى. ◄ الطبيعة في سيوة أما سيوة فقد ساعد موقعها المتميز فى جعلها أحد أهم الواحات فى مصر التى تحتفظ بالتراث، وتمثل الهوية المصرية بتفاصيلها المختلفة خصوصا الحرف التراثية التى ساعدت عليها الطبيعة، فأبدع أهل الواحة فى صناعة الحلى المختلفة والفخاريات والملح وغيرها من المنتجات اليدوية التى تخلد سحر وطبيعة المكان. تقول فاطمة من فتيات سيوة ومشاركة بإحدى جمعيات إحياء التراث، إن الطبيعة التى تنعم بها سيوة من بحيرات الملح والطبيعة الساحرة والهدوء تجعل منها منجما للابتكار والفنون وأهمها الملح واستغلاله فى كثير من القطع الفنية بإضافة بعض التفاصيل الصغيرة واستخدامه كقطع ديكورية وأباجورات، وهى حرفة يتقنها معظم الرجال فى سيوة وينتجون آلاف القطع منها داخل الورش، من ثم تسويقها حيث يقبل عليها الكثيرون من داخل مصر وخارجها. أما صناعة الحلى من النحاس والفضة والتطريز فهى حرف تبرع فيها نساء سيوة، حيث يضعن التصاميم المختلفة من البيئة أو رسومات تقليدية وعالمية ويتم تطويرها كل فترة ثم يتم تنفيذها بدقة، وتسجل نسب مبيعات كبيرة فى المعارض التى يشاركن بها فى المحافظات.. وفيما يخص التطريز تقول فاطمة إن الأعمال اليدوية توارثتها الفتيات عن أمهاتهن وجداتهن، بالتالى فإنها لن تندثر، لكنها سرعان ما تعود بقوة من جديد لتصميم أبناء الواحة على الحفاظ على الهوية المصرية.